خبر إنهاء الانقسام .. أم إنهاء أوسلو ..صالح النعامي

الساعة 12:49 م|27 مارس 2011

إنهاء الانقسام .. أم إنهاء أوسلو ..صالح النعامي

 

تستحثُّ الثورات التي تتفجر في بعض البلدان العربيَّة شعوب البلدان العربيَّة الأخرى لابتكار أنماط ثورية في مواجهة الظروف المأساوية التي كرَّستها الأنظمة الشمولية التي تواصل الحكم بمعزلٍ عن إرادة هذه الشعوب وفي تناقض صارخ لتطلعاتها الوطنية وأمانيها القوميَّة، ولم يكن من المستهجن أن يسلك الفلسطينيون الذين يعيشون أوضاعًا بالغة السوء والقتامة الطريق ذاته للتخلص من هذه الأوضاع، من هنا فقد كان من الطبيعي أن تتحرك الأطر الفلسطينية المختلفة وبمعزل عن مشاربها السياسية وانتماءاتها المجتمعية من أجل إنهاء حالة الانقسام الداخلي الذي لا خلاف على أنه أحد مفاعيل الهدم الكبيرة لكل من القضية الوطنية والمجتمع.

 

لكن أي تحرك لإنهاء حالة الانقسام يجب أن ينصبَّ لمعالجة الأسباب الأساسيَّة التي أدت إلى تفجير الانقسام، ويجب ألا تتمَّ بلورة ظروف التحرك لإنهاء حالة الانقسام لخدمة طرف على حساب الطرف الآخر، وإلا فإن هذه التحركات ستؤدي إلى تكريس الانقسام، علاوة على أنها سترسم علامات استفهام حول دوافع بعض الجهات.

 

من المسئول عن الانقسام؟

 

مما لا خلاف حوله أن تفجُّر الانقسام جاء بعد إجراء انتخابات عام 2006، والتي فازت بها حركة حماس بأغلبيَّة مطلقة، حيث أنه لا خلاف على أن إسرائيل والسلطة، بالإضافة إلى أطراف إقليميَّة ودوليَّة وحدت جهودها من أجل الانقلاب على حكم حركة حماس، ولا مجال هنا لتكرار ذكر الأحداث التي دلَّلت على التحركات العلنيَّة والسرية التي تَمَّت من أجل تحقيق هذا الهدف، إن كاتب هذه السطور كان ممن نصحوا حركة حماس بعيد ظهور نتائج الانتخابات بعدم الموافقة على تشكيل الحكومة العاشرة لاعتبارات تمت الإشارة إليها في حينه، لكن هذا لا يعني بحالٍ من الأحوال أن تتجاهل الأطراف التي تدعو لإنهاء الانقسام هذه الحقيقة، لأن تجاهلها يعني حتمًا السماح بتكرار مظاهر الانقسام تحت وطأة التدخل الأجنبي السافر، والذي لم يعد يخفى على أحد، فليس من حق أحد أن يتجاهل رأي الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، يجب قول الحقيقة بكل وضوح: لا يجوز لطرف تجاهل نتائج الانتخابات التشريعيَّة عام 2006 أن يدعو لإجراء الانتخابات حاليًا، على اعتبار أن ذلك مخرج لإنهاء حالة الانقسام.

 

الانقسام والثوابت الوطنيَّة؟

 

لا يمكن بحالٍ من الأحوال افتراض حسن النيَّة في أي جهة مهما كانت تدعو لإنهاء حالة الانقسام دون أن تربط ذلك بالحفاظ على الثوابت الوطنيَّة الفلسطينيَّة التي هي محلّ إجماع وطني فلسطيني، وأن تتخذ موقفًا واضحًا وجليًّا من الطرف الذي ثبت استعداده للتخلي عن هذه الثوابت، أو بعضها.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا تتخذ الجهات المنظّمة للتحركات الهادفة لإنهاء حالة الانقسام موقفًا من الفضائح التي كشفتها قناة الجزيرة، والتي تتعلق باستعداد مفاوضي السلطة الفلسطينية للتنازل عن حق العودة للاجئين والقدس، وغيرها من الثوابت الوطنية؟ لقد وثقت تسريبات "ويكيليكس" ووثائق الجزيرة بشكلٍ مفجع مفاعيل التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينيَّة وإسرائيل، والتي يعرفها كل فلسطيني في الضفة الغربيَّة والتي يتحدث عنها الإسرائيليون صباح مساء، إن كانت السلطة تدعي أنها تقوم باعتقال نشطاء حركة حماس وقادتها وتقوم بإغلاق المؤسسات الخيريَّة في الضفة الغربيَّة استنادًا لاعتبارات أمنيَّة وليس بفعل تأثير التعاون الأمني، فماذا تفسر السلطة قيام أجهزتها بتعقب نشطاء الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، هل هذان الفصيلان جزء من حالة الانقسام؟ أنه يتم تعقب نشطاء حماس والجهاد والجبهة ونشطاء من حركة "فتح" فقط لأن هذا جزء من التزام السلطة بالحفاظ على أمن إسرائيل ومستوطناتها ومستوطنيها الذين يعيثون فسادًا وتخريبًا وقتلًا في الضفة الغربيَّة.

 

وهناك قضايا يتوجَّب التطرق لها، فكما تتم حاليًا محاسبة مبارك وبن علي والقذافي وعلي عبد الله صالح على أنماط سلوكهم الفضائحي، لا يمكن تجاهل دور الرئيس أبو مازن في التستر على جرائم إسرائيل ضدّ أبناء شعبه، والذين يدَّعي تمثيلهم عندما أمر بتأجيل طرح تقرير جولدستون على مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، علاوةً على التحري عن دوره في فرض الحصار على قطاع غزة.

 

لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تغيب هذه القضايا من أجندة الجهات التي تدعو لإنهاء حالة الانقسام، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال السماح لأبو مازن تحديدًا أن يحدد نمط إنهاء حالة الانقسام الداخلي عبر دعوته لتشكيل حكومة "تكنوقراط".

 

وثيقة عمل مقترحة لإنهاء الانقسام

 

إن أي تحرُّك لإنهاء حالة الانقسام يجب أن يستند إلى بلورة برنامج مشترك يشكِّل ضمانةً للحفاظ على الثوابت الوطنيَّة، التي تلتزم بها جميع الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينيَّة، وضمن ذلك تحديد الموقف من المفاوضات مع إسرائيل، والاتفاق على أشكال المقاومة ضدّ الاحتلال، ووقف جميع أنماط التعاون الأمني مع الاحتلال.

 

في حال تَمَّ بلورة البرنامج وحظي بقبول الجميع، فإنه يتوجَّب الاتفاق على آليَّة لتشكيل الهيئات القيادية التي تدير شئون الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، مع العلم بأن هناك اتفاقًا فلسطينيًّا على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينيَّة، ولن تكون هناك مشكلةٌ في تنظيم إجراء انتخابات تشريعيَّة ورئاسيَّة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن هنا يتوجَّب التحوط والاستعداد للرد على إجراءات إسرائيل والولايات المتحدة العقابية بعد التوافق الفلسطيني، وضمن ذلك بلورة تصور موحَّد مع أكبر عدد ممكن من الدول العربيَّة.

 

أن القيام بالخطوات التي تمت الإشارة إليها يعني تسديد ضربة قاضية للعامل الإسرائيلي في حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، وللأسف فإن أي تحرك يتجاهل هذه المتطلبات سيرسم شكوكًا حول الدوافع الحقيقية التي تحرك الجهات التي تنظم فعاليات إنهاء حالة الانقسام.

 

من يُرِدْ إنهاء الانقسام عليه ابتداءً أن يُنهي العمل باتفاقيات أوسلو.