خبر أحد لا يقصد.. معاريف

الساعة 11:13 ص|25 مارس 2011

أحد لا يقصد.. معاريف

بقلم: عوفر شيلح

(المضمون: ليس لاسرائيل حلا في غزة أفضل من اعادة احتلالها واسقاط حكم حماس. ولكن من الصعب ايجاد أحد في الحكم يؤيد حقا مثل هذه الخطوة - المصدر).

        قبل نحو شهر من حملة رصاص مصبوب قدر وزير الدفاع في استعراض امام المراسلين العسكريين بان الامور لن تصل الى حملة واسعة في القطاع. فهم يطلقون النار اساسا لاننا نضربهم، قال ايهود باراك، وقصد اساسا عملية الجيش الاسرائيلي قبل نحو اسبوعين من ذلك في 4 تشرين الثاني 2008، والتي قتلت فيها خلية فلسطينية عملت خلف الجدار، داخل اراضي القطاع. ولا نذكر  ذلك هنا كي نري بان باراك لم يقدر على نحو سليم، وان وزير الدفاع ليس نبيا، وان باراك بالاجمال وصف على نحو سليم مصالح الطرفين، بل كي نذكر بان الحملات الكبرى، ناهيك عن الحروب، هي في أحيان بعيدة فقط تكون نتيجة تخطيط مسبق ومصلحة واضحة. في حالات أكثر تواترا بكثير تقع دون أن يكون أحد قصد ذلك مسبقا حقا.

        والتصعيد الحالي ايضا في قطاع غزة ليس نتيجة مصلحة اسرائيلية أو مصلحة حماس، واذا كان احد ما يرى مصلحة كهذه، فليتفضل بشرحها. انه بالاساس نتيجة الفوضى في الجانب الاخر، الذي يزعم ان فيه حكم، ولكن حتى المنظمات التي تنتمي اليه زعما، أي الذراع العسكري لحماس، لا تخضع تماما لامرته، وليست مصنوعة من جلدة واحدة. اما عندنا، فتسود، مثلما هو الحال دوما تقريبا، الرؤية الجزئية لكل فعل ورد فعل، وكأن الكثير من الافعال الصغيرة التي يمكن تبريرها ليس من شأنها ان تخلق نتيجة غير مرغوب فيها.

        هذه المرة ايضا هم يطلقون النار، والمقصود هو النار المنظمة، الاعداد كبيرة وكذا بادوات بعيدة المدى، اساسا لاننا نضربهم. ليس الجميع: المنظمات الفلسطينية الصغيرة، احيانا ليس اكثر من بضعة اشخاص قرروا الانتقام لموت احد ما (مثلما حصل في نار الغراد على بئر السبع قبل بضعة اسابيع)، يطلقون النار كي يطلقونها. الجهاد الاسلامي تطلق النار كي تري قوتها، وفي الاسبوع الاخير ايضا كرد فعل على امساك سفينة فكتوريا، التي كان السلاح الايراني فيها مخصص لها. استخباراتنا تعرف كل هذا، اذ منها تأتي المعلومات والتحليلات التي يتلقاها معظمنا، والتي تنقلها ايضا الى القادة السياسيين والعسكريين. ولكن من فوقها قرروا منذ زمن ما بان تدفع حماس الثمن. وعندما بدأنا بضربهم، اصروا على تلقي الرسالة المعاكسة.

        القرار بقصف موقع حماس في خرائب نتساريم، القصف الذي قتل فيه اثنان من نشطاء المنظمة، كان نتيجة لهذه السياسة. فقد جاء بعد اشهر هاجم فيها الجيش الاسرائيلي حماس بهجمات تحذير ترمي للايضاح لها بان عليها أن تحقق حكمها، وتمنع نار المنظمات الاخرى. حماس فقط، بغبائها، فهمت بالضبط العكس: اذا كانت على أي حال تتلقى الضربات ورجالها يقتلون، فلا مفر لها غير الانضمام الى النار. حتى ذلك الحين دارت المواجهة بين اسرائيل وحماس بالاساس في قاطع يحاول الجيش الاسرائيلي خلقه خلف الجدار، بالضبط السبب الذي أدى الى تصفية الخلية في تشرين الثاني 2008. ولكن من اللحظة التي بدأت فيها حماس تدفع بالدم، ورغم أقوال ضباط كبار عن الرسالة، بدأ التدهور في الاتجاه المعاكس.

        تجاه الخارج، احد في جهاز الامن لا يأسف على ذلك وبالتأكيد لن يتحدث ضد منطق القرارات. في الغرف المغلقة سمع هذا الاسبوع ضباط قالوا شيئا مغايرا. هم ايضا يعرفون بانه لا يوجد أي سبب يجعل اسرائيل تقعد بصمت حتى حيال صاروخ أو قذيفة هاون واحدة ويقبلون المفهوم القائل اذا كانت حماس هي المسيطرة فعليها أن تتحمل المسؤولية. ولكن السؤال ليس سؤال يتعلق بالشرعية بل بالغاية. احد في جهاز الامن لا يمكن أن يشير الى منفعة ما ستكون لنا جراء الانزلاق الى مواجهة اكبر، ربما باستثناء "اعادة الردع"، وهو شعار متآكل لا تصمد فيه ماء. وبالتأكيد ليس حين يكون الردع بعد "رصاص مصبوب" والذي تباهت به جدا الحكومة السابقة (وبقي منها فقط باراك في منصبه) وقيادة الجيش الاسرائيلي في حينه، لم يصمد حتى سنتين.

        ليس لاسرائيل حل افضل في غزة، باستثناء اعادة احتلال القطاع واسقاط حكم حماس. ورغم الخطاب الحماسي لقسم من اعضاء الحكومة، من الصعب ان نجد صحيح حتى الان احدا في الحكم يؤيد حقا مثل هذه الخطوة، بالتأكيد في ظروف الحصار السياسي الذي تعيشه حكومة نتنياهو. دون خطوة متطرفة كهذه، فان الامر الافضل هو التسوية القائمة، وفي حالة التصعيد يجب ايجاد السبيل الاكثر نجاعة لاعادتها الى حالتها الاولى.

        اختبار غانتس

        "رصاص مصبوب" لم تنجح في خلق وقف ما في تعاظم حماس وتسلحها بسلاح يزداد مداه باضطراد، ومشكوك ان تجدي الهزات السلطوية في مصر في هذا الشأن. هذه حرب تديرها الاستخبارات وبالاساس سلاح البحرية، في كل يوم، ويعترفون بان كل نجاح فيها، يدل فقط على كم كثير من السلاح نقل دون أن ننجح في منعه. الحملة اياها جسدت بالفعل لحماس ثمن المواجهة مع اسرائيل. ولكن عندنا اعتادوا على الخلط بين فهم ثمن المواجهة وبين الردع الذي يمنع عودتها. هذا لم ينجح  مع دول مثل مصر، هزمت في حرب الايام الستة وفورا تقريبا شرعت في حرب استنزاف وفي الاعداد لحرب يوم الغفران. وهذا بالتأكيد لا ينجح في منظمة مثل حماس.

        لا تتجه النية الى الادعاء بان اسرائيل مذنبة. فللتصعيد يوجد ايضا، وربما اساسا عوامل فلسطينية داخلية، داخل القطاع نفسه والعلاقة بينه وبين الضفة. ولكن المسألة ليست من المذنب بل ما هي مصلحة اسرائيل، وماذا ينبغي لها ان تفعل في ضوء هذه العوامل. والمسألة هي ايضا من يتخذ القرارات وماذا يقول له ضباط الجيش الذي في اسرائيل توصياتهم هي دوما تقريبا الموضوعة وحدها على الطاولة.

        قيادة الجيش الاسرائيلي ذات الصلة جديدة تماما: رئيس الاركان بني غانتس كان في واشنطن في اثناء رصاص مصبوب، قائد المنطقة اللواء تل روسو وقائد فرقة غزة العميد يوسي بخر يوجدان في منصبيهما منذ بضعة اشهر، من الصعب أن نتوقع من روسو وبخر ان يكونا اقل تصميما على العملية من سلفيهما في المنصبين، حتى لو بدا يوآف غالنت لدى مغادرته قيادة المنطقة الجنوبية أقل كفاحية مما كان في رصاص مصبوب.

        غانتس لم يتمكن بعد من تسخين كرسي رئيس الاركان، وها هو منذ الان مطالب بان يفعل ما فعله سلفه، غابي اشكنازي عدة مرات – تبريد القيادة السياسية المحمولة على ظهر خطابها. اشكنازي جر هو ايضا الى رصاص مصبوب دون ارادته، ويرى كيف ان عملية لعدة ايام، تصبح لاسبوعين ونصف خلافا لرأيه. غانتس، في أول اختبار للزعامة، يتعين عليه أن يقرر اذا كان يريد وينبغي ان يفعل اكثر والا من شأن اسرائيل ان تنجر الى تصعيد لا يرى فيه احد منفعة.

        اختبار التاريخ

        وفي هذه الاثناء، وبتزامن مشكوك ان يكون مخططا له تماما، عادت مشاهد رعب العبوات الناسفة الى شوارع القدس. والسؤال كم كانت العملية يوم الاربعاء مخططة او مهنية هو ذو أهمية ثانوية. فاختلاطه بيوم المعركة في الجنوب، مع قتيلة من عبوة ناسفة في العاصمة، ومع ضربات في المدن الكبرى في النقب وفي السهل الساحلي، هو أكثر مما يمكن للبطن الاسرائيلية أن تحتمله.

        هذا يكتب قبل ان يتضح بالضبط من يقف خلف العملية، ولكن هو ايضا لا يغير التقدير بان كاسحة العشب الناجعة للمخابرات والجيش الاسرائيلي في الضفة لا تزال تعمل بنجاعة. مشكوك ان يكون هناك رابط حقيقي، بالتنظيم او بالتوجيه بينها وبين قتل عائلة بوغل في ايتمار. يخيل أن جملة هذه الاحداث تدل على أنه حتى المعلومات الاستخبارية الدقيقة والقدرة على احباط التنظيمات المعقدة، من النوع اللازم من أجل ارسال مخرب انتحاري لا يمكنها أن تخلق منعا كتيما في وجه تنظيمات صغيرة ومحلية لا تحتاج حتى الى اقامة اتصال حقيقي مع بنية تحتية أو مع قيادة. هذا لا يعني أن هذا يواسي بالطبع من اصيب او يهدىء روع الجمهور الذي تغلب على الايام الدموية في بداية العقد ولكنه لم ينساها.

        الاجواء القابلة للتفجر هذه تعزز، بطبيعة الحال، كل شخص بمعتقداته. وهكذا من اعتقد بانه يجب ضربهم بكل القوة، وكذا من يعتقد بان الجمود السياسي الحالي سيؤدي فقط الى انتفاضة ثالثة، قتلى وهزيمة سياسية قريبة. ولكن التاريخ يعلمنا بانه اكثر من النوايا الحقيقية، اكثر من التخطيط المتعمد او المصلحة الصرفة، الامور تتقرر غير مرة بقوة الحقيقة بان احدا لا يتجرأ على منعها في الوقت المناسب. واذا كان هذا صحيحا لحكومة اولمرت، التي استندت ظاهرا الى الوسط – اليسار السياسي في اسرائيل، ورئيسها ادار عشية "رصاص مصبوب" اتصالات سرية مع سوريا، فما بالك بحكومة نتنياهو الحالية، التي تعتمد على ليبرمان وعلى شاس.