خبر عباس إذ يدعى إلى غزة ويجيب الدعوة ..ياسر الزعاترة

الساعة 02:36 م|21 مارس 2011

عباس إذ يدعى إلى غزة ويجيب الدعوة  ..ياسر الزعاترة

رافعو شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام" من غير البسطاء الذين لا يعرفون تعقيدات السياسة ولا يدركون حقيقة أوسلو ولا طبيعة السلطة التي أنشأها، رافعو هذا الشعار هم غالبا من كوادر السلطة أو أعضاء حركة فتح والمؤيدين لها، بخاصة في قطاع غزة، حيث وجدوا في طرح الشعار فرصة لإرباك حماس واستعادة قوتهم التنظيمة وحضورهم في الشارع.

 

لا يعني ذلك أن القوم ليسو حريصين على إنهاء الانقسام، بل بالفعل حريصون على ذلك على نحو يحقق أهدافهم، وهي أهداف، بعضها قديم والآخر جديد، وجميعها لا صلة لها بمواجهة العدو، وإلا لسمعناهم يتحدثون عن إنهاء الاحتلال أو التصدي له، بينما نراهم كل يوم يدافعون عن التنسيق الأمني، كما نراهم يغطون شمس التنازلات بغربال التزييف المستمر.

 

الاعتبارات القديمة تتعلق بعقدة فقدان الشرعية التاريخية في انتخابات المجلس التشريعي مطلع 2006، إذ نعلم أن حركة فتح عاشت زمنا طويلا على ميزة أنها الممثل الشرعي للنضال الفلسطيني، لاسيما أن منظمة التحرير لم تكن في واقع الحال سوى واجهة للحركة، بينما كان الآخرون مجرد ديكور فيها (لم يتغير شيء على هذه المعادلة، فزعيم فتح اليوم هو زعيم المنظمة، بل هي دكانه الخاصة التي يفتحها كلما شاء من أجل إصدار بيان أو إدانة أو تأييد بحسب المطلوب).

 

المطلوب من المصالحة بحسب هؤلاء هو إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الانتخابات، وتصحيح "الخطأ التاريخي" الذي وقع خلالها، وسيتم ذلك من خلال تمهيد المصالحة لانتخابات تشريعية في الضفة وغزة تؤدي إلى فوز فتح بالغالبية.

 

وسيحدث ذلك بحسب هؤلاء بعدما خسرت حماس جزءً من بريقها إثر تورطها بالسلطة في قطاع غزة، فضلا عن إمكانية ترتيب بعض التزوير في الضفة التي تعيش حماس فيها وضعا صعبا بفعل ضربات السلطة والاحتلال (الشعبية شيء آخر، إذ أن شعبية حماس في الضفة أفضل منها في القطاع بسبب تضحيات عناصرها وقادتها من جهة ممارسات السلطة من جهة أخرى).

 

ثم جانب الضغط النفسي على الناس الذين يقال لهم بشكل غير مباشر إن عليهم التصويت لحركة فتح كي لا يتكرر مسلسل الحصار.

 

أما الذي لا يقل أهمية عن ذلك فهو أن فتح ستدخل الانتخابات موحدة بقوة القرار المدعوم أميركيا وإسرائيليا، ولن يتجرأ أحد من أعضائها على الترشح بمفرده كما حصل في 2006، الأمر الذي أدى إلى خسارة الكثير من مقاعد الدوائر في حين كانت نتيجة القائمة النسبية ليست بعيدة عن حماس (الفارق حوالي 2 %).

 

أما الاعتبارات الجديدة التي تدفع السلطة نحو تقديم تنازلات تستدرج حماس نحو المصالحة فتتمثل ابتداءً في الواقع العربي الجديد الذي نشأ إثر مسلسل الثورات العربية، وهي ثورات لم تفقد السلطة الكثير من قوى الإسناد فقط، بل انطوت أيضا على وضعها (أي السلطة) ضمن إطار الأنظمة البائدة، الأمر الذي يعني ضرورة تغييرها، وإحداث نقلة جديدة في العمل الفلسطيني. إذ أي منطق في أن تكون الشوارع العربية مشتعلة بالثورات، بينما سلطة الضفة الغربية تركن إلى التنسيق مع عدو الأمة الأكبر الذي طالما اشتعلت تلك الشوارع بالغضب ردا على ممارساته، ومشاهد حرب غزة لم توضع على رفوف الذاكرة بعد.

 

الأهم من ذلك ما يتعلق بالوثائق التي كُشفت أسرارها، والتي أكدت أن كل ما يقال عن الالتزام بالثوابت ما هو إلا بيع للوهم، وأن السلطة قد ذهبت بعيدا في تقديم التنازلات للعدو من دون أن يكون ذلك كافيا للجم شهيته للمزيد منها، فضلا عن تأكيد سائر الوقائع على أن السلطة موافقة بلسان الحال (مع استمرار الرفض بلسان المقال) على مشروع حل الدولة المؤقتة الذي بات يحظى بإجماع في الساحة الإسرائيلية من باراك إلى نتنياهو وليبرمان، وبالطبع عبر التعامل مع المسلسل الذي يؤدي إليها من خلال التنسيق الأمني بإشراف الجنرال "مايكل مولر"، خليفة "الجنرال دايتون".

 

الأكيد أن تلك الوثائق قد ألقت القبض على القوم متلبسين بالفضيحة، ما يعني ضرورة أن يكون ثمة جديد ينسي الناس ما جرى، أقله الناس العاديين الذين كانوا أيام نشر الوثائق يتسمرون أمام الجزيرة في نشرة الحصاد حتى تغدو الشوارع في وضع أشبه بساعة الإفطار في رمضان بحسب وصف البعض. ولا ننسى هنا أن السلطة لم تخرج بعد من دائرة الاتهام الشعبي بالتواطؤ في الحرب على غزة، ومن ثم تقرير غولدستون.

 

كل ذلك هو ما يفسر التنازلات التي قدمتها السلطة قياسا بالورقة المصرية، حيث وافقت على بقاء الوضع الأمني في قطاع غزة على ما هو عليه، وكذلك الوضع في الضفة، مع إنشاء حكومة وحدة من عناصر "تكنوقراط" تدير الوضع ريثما تجرى الانتخابات.

 

هنا أظهر بعض قادة حماس، بخاصة في قطاع غزة إمكانية الموافقة على العرض، وعلى هذه الخلفية جاءت مبادرة إسماعيل هنية المفاجئة، وربما غير المدروسة بدعوة محمود عباس لزيارة قطاع غزة (يرى البعض أنه أطلقها غير متوقع موافقة عباس عليها)، ما يشير بدروه إلى أن هاجس الحفاظ على السلطة في غزة، لاسيما منظومتها الأمنية، إلى جانب فك الحصار، ولو على حساب المسار العام للقضية الفلسطينية قد بات مسيطرا على عقول الكثيرين، ذلك أننا إزاء عرض قد يحل بالفعل مشكلة الانقسام، وإن على نحو مؤقت، لكنه يخدم الاحتلال قبل كل شيء، مع العلم أن الانتخابات هي وصفة للتنافس والانقسام أيضا.

 

نقول يخدم الاحتلال، لأنه يؤكد تهميش الشتات من جديد (تنازل القوم عن حق اللاجئين في العودة على نحو سافر، بل ومخزٍ كما أثبتت وثائق المفاوضات). ويخدم الاحتلال لأنه يؤكد محورية السلطة التي صممت لخدمة الاحتلال في منظومة القضية.

 

ويخدم الاحتلال لأنه لا يأخذ ما جرى في المحيط العربي من ثورات شعبية في الاعتبار، ويخدم الاحتلال لأنه سيعيد الشرعية عبر المعادلة التي أشرنا إليها لعرابي التنازلات ورافضي المقاومة ممن أعلنوا عن برنامجهم هذا منذ تآمروا على ياسر عرفات، وإذا كانت نتيجة الانتخابات العكس، أعني فوز حماس، فسيتكرر مسلسل الحصار لأن الإسرائيليين لن يسمحوا بتسليم السلطة في الضفة لحماس، مع العلم أن تسليمها لها لا يعني غير إقرارها بالوضع الأمني القائم، أو التعرض لاستباحة شاملة من دون العودة للاحتلال الكامل. ويخدم الاحتلال لأنه لا يقدم رؤية عملية لمواجهة الاحتلال غير الاستمرار في برنامج المفاوضات العبثية.

 

والحق أن مصالحة على أساس بقاء الوضع في الضفة والقطاع على حاله مع حكومة توافقية تدير الوضع حتى إجراء الانتخابات، مصالحة على هذا الأساس يمكن أن تكون مقبولة فقط إذا كانت تمهيدا لانتخابات في الداخل والخارج من أجل تشكيل قيادة لكل الشعب الفلسطيني تقرر مساره، مع وقف للتنسيق الأمني والمفاوضات، وتصعيد للاشتباك مع العدو، أقله عبر انتفاضة شعبية.

 

ولأن ذلك لا يبدو متوقعا، فإن موافقة حماس على الصيغة الأخرى ستكون خطأ كبيرا، كما ستكون تأكيدا جديدا على عبثية المشاركة في انتخابات قامت على أساس اتفاق أوسلو الذي كان نقطة سوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته.

 

الحل الآخر المتاح هو ترتيب تحالف فلسطيني يبدأ بإعلان قبول الحركة لإدارة بالتوافق لقطاع غزة بوصفه منطقة شبه محررة وقاعدة للمقاومة، مع إطلاق مقاومة شاملة (شعبية ومسلحة بحسب المتاح) في كل فلسطين حتى دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط عن الضفة والقطاع كمقدمة لتفكيك المشروع الصهيوني برمته، ولا شك أن تطورات الأوضاع في المنطقة قد جعلت من الهدفين أمرا قريب المنال. لكن المهزومين لا يعلمون.