خبر ثـورة أمـة ..ياسر الزعاترة

الساعة 11:47 ص|20 مارس 2011

ثـورة أمـة ..ياسر الزعاترة

من تابع ويتابع الفضائيات، بخاصة نصوص رسائل الهواتف النقالة التي تنشر تباعاً على "الجزيرة مباشر" أو سواها من المحطات، ومن يتابع منتديات الإنترنت وتفاعلاتها، يدرك أن ما يجري هو أقرب إلى ثورة أمة منه إلى ثورة شعب هنا أو شعب هناك.

 

مرة إثر أخرى، يتأكد أننا إزاء أمة عظيمة لم تنجح سنوات التفتيت والدولة القـُطرية وسياسات (القـُطر أولاً) في جعلها أمماً وشعوباً لا تربطها الكثير من الروابط، فما جرى في تونس وتالياً في مصر ثم ليبيا واليمن كان الحدث الأبرز في كل البيوت، وصارت الجزيرة هي العنوان الذي يلجأ إليه الناس لمعرفة الأخبار، وحين شوّش عليها الظالمون طاردها الناس من تردد إلى تردد ومن قمر إلى قمر.

 

كان ما يجري هو عنوان اهتمام وترحيب الصغار والكبار. الرجال والنساء، الفقراء والأغنياء باستثناء القلة المترفة التي تخشى التغيير خوفاً على مصالحها مصداقاً لقوله تعالى: "كذلك ما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون".

 

صحيح أن الحشد المذهبي قد ألقى بظلاله على المشهد بعض الشيء، حيث انقسم الناس حيال الحدث البحريني على وجه الخصوص، الأمر الذي يستحق معالجة أخرى، إلا أن العناوين الأخرى لم تشهد أي التباس يذكر، حيث تفاعل الناس معها بشكل كامل، بما في ذلك الحراك اليمني، وسينطبق ذلك من دون شك على سائر التحركات الأخرى القادمة.

 

من المحيط إلى الخليج وقف الناس ويقفون على رؤوس أصابعهم وهم يتابعون الأحداث، ويتفاعلون بكل مشاعرهم مع الشهداء والجرحى والمعتقلين، كما يمعنون في عداء الظلم والظالمين وهجائهم، وحين يتنطع بعض فقهاء السلاطين، أو الموتورين من أدعياء العلم فيعمدون إلى تبرير الظلم، أو المطالبة بطاعة الظالمين بدعوى الخوف من الفتنة، فضلاً عن فقه الرفض للمظاهرات والفعاليات الشعبية. حين يحدث ذلك، يدير الناس ظهورهم لهم وينحازون إلى الثورة والثوار، وكذلك لأصوات العلماء المنحازين للمستضعفين، وهم الغالبية بفضل الله.

 

الأمة تشعر بذاتها وحضورها، وتحسّ أن زمنها قد حان، وأن زمن الطغيان آخذ في الأفول، فقد مضى عليها زمن طويل وهي تعيش الذل في الداخل على يد الطغاة، والإذلال من قبل الخارج، مع أنها لم تستكن لذلك كله، بل واصلت المقاومة بدرجات متفاوتة بين بلد وآخر.

 

زمن طويل مرّ على الأمة وهي تتابع نهب ثرواتها من قبل نخب هيمنت على السلطة والثروة، في ذات الوقت الذي كانت تتابع تبديد ثروتها بطرق رعناء من أجل أن تحصل الأنظمة على رضا الغرب، بدليل صفقات التسلح الرهيبة التي يعرف الجميع كيف ومن أجل ماذا توقّع.

 

زمن طويل من الظلم والفساد والاستبداد. أما الآن، فهي تحسّ أن فجر الحرية قد آذن بالبزوغ، وهي لذلك لا تفرق بين بلد وبلد، وتؤمن بأن كل انتصار يتحقق هو بمثابة مقدمة لانتصار آخر قادم في الطريق.

 

لقد أحرق البوعزيزي ثياب الذل، وألقى على الأمة عباءة البطولة والثورة، وها هي منذ تلك اللحظة لا تتوقف عن اجتراح البطولة والعطاء، حتى أنها أخرجت أجمل ما فيها من إخاء وتكافل ووحدة.

 

على هذا الإيقاع، تتنفس فلسطين. فلسطين التي كانت عنوان الصراع، صراع الأمة مع الغطرسة والطغيان، وكم كانت رائعة صرخة تلك المرأة الليبية حين قالت إن فلسطين هي المحطة التالية، وهي ستكون، فعندما تتحرر الأمة، وينكسر سياج الحماية من حول دولة العدو، سيتحقق الانتصار، وترتفع رايات العزة والكرامة. كرامة الأوطان وكرامة الإنسان. "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم". صدق الله العظيم.

 

صحيفة الدستور الأردنية