خبر مخاض التغيير في الساحة الفلسطينية ..عوني فرسخ

الساعة 03:49 م|18 مارس 2011

مخاض التغيير في الساحة الفلسطينية ..عوني فرسخ

شهدت غزة يوم الجمعة الماضي مسيرة مطالبة بإنهاء الانقسام شاركت فيها فصائل المقاومة المتواجدة في قطاع غزة عدا فتح. ولم يرفع فيها سوى العلم الفلسطيني تأكيداً للالتزام بالوحدة الوطنية، فيما لم تشهد الضفة الغربية مسيرة مماثلة. ما يؤشر لعمق الانقسام بين سلطة حماس في القطاع المحاصر وسلطة فتح في الضفة المحتلة. وهو انقسام لا يعود لتنافسهما على سلطة حكم الذات في الساحتين، وإن بدا كذلك، وليس تنافسهما السلطوي علة انسداد آفاق المصالحة الفلسطينية، ذلك لأن الانقسام موضوع الشكوى على الصعيدين الوطني الفلسطيني والقومي العربي انقسام موضوعي بين فريقين ملتزمين نهجين متناقضين تمام التناقض. إذ هما متمايزان كيفياً في مواقفهما من الثوابت الوطنية، والقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الصهيوني، كما في التفاعل مع العمق الوطني والإسلامي.

 

فالفريق الملتزم بالمقاومة خياراً استراتيجياً شديد الحرص على الثوابت التي نص عليها "الميثاق القومي" الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني الأول عام 1964، ويرى في شعبه وأمته مصدر دعمه، فيما فريق أوسلو مستهين بالثوابت، بدليل موقفه الملتبس من حق العودة وقبوله بتأجيل قضايا القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات لمرحلة "المفاوضات" النهائية، ما أشعر صناع قرار التحالف الأمريكي الصهيوني بعدم أهمية هذه القضايا، على خطورتها، عند القائمين على أمر منظمة التحرير الفلسطينية. ومؤخراً صرح محمود عباس، بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة باستعداده لوقف الصراع والتخلي عما أسماه "المطالب التاريخية"، معطياً الانطباع كأن شعب فلسطين هو المسؤول تاريخياً عن تفجر الصراع مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني مغتصب أرض فلسطين ومنتهك حقوق شعبها المشروعة. فضلاً عن أن فريق أوسلو لم يعد يبقيه على المسرح سوى حاجة التحالف الأمريكي الصهيوني له باعتباره "ممثلاً" لشعب فلسطين.

 

ولأن التناقض تام بين "حماس" وبقية الفصائل والقوى والشخصيات الملتزمة بالمقاومة خياراً استراتيجياً، وبين فريق أوسلو والملتزمين نهجه التفاوضي، فإنه ليس من الإنصاف والموضوعية اعتبار الطرفين على الدرجة نفسها من المسؤولية عن انقسام ما كان ليقع لو أن فريق أوسلو لم يتخل عن نهج التحرير والعودة الذي تأسست على الالتزام به منظمة التحرير الفلسطينية. وبالتالي، فالدعوة لإنهاء الانقسام ليست بالدعوة الواقعية ما دام فريق أوسلو أسير نهجه في "التفاوض" وتقديم التنازلات المجانية، ومواصلاً التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، وملاحقة نشطاء المقاومة لتوفير أمن الصهاينة، واتباع سياسة إخلاء الساحة في الضفة من أجهزة أمن السلطة في حال توجه عناصر "الشاباك" الصهيونية لاعتقال أحد المقاومين، أو هدم بيت أحد المواطنين. وليس أبلغ دلالة على ما أنجزته جريمة التنسيق الأمني مما ذكرته "هآرتس" قبل نحو شهرين من أنه لم يعد هناك مطلوبون يلاحقهم "الشاباك" في الضفة الغربية المحتلة.

 

وأن يكون الواقع كذلك، فإن الخطوة الأولى على طريق إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة إنما هي إلغاء اتفاق أوسلو، وكل الإجراءات والاتفاقيات التي اتخذت استناداً إليه، وفي مقدمتها الإعلان عن إعادة الالتزام بالميثاق القومي للمنظمة الصادر عام ،1964 ووقف التنسيق الأمني وكل أشكال التعاون الاستخباراتي مع الأجهزة "الإسرائيلية" والأمريكية، وبقية الأجهزة الإقليمية التي تنسق مع الطرفين، بحيث يجري فريق أوسلو مراجعة جذرية لنهجه وممارساته وعلاقاته العربية والإقليمية والدولية بما يتفق وواقع مرحلة التحرر الوطني الفلسطينية الراهنة. وليس هذا بالمطلب العسير تحققه في زمن مخاض التغيير الجذري العربي وتداعياته على الصعيد العربي، وبخاصة تراجع أدوار وفعالية أنظمة "الاعتدال" العربية وقدرتها على توفير التغطية السياسية لتنازلات وممارسات فريق أوسلو.

 

وإلى جانب إعلان التزام مختلف الفصائل والقوى والشخصيات بالميثاق القومي للمنظمة، التنفيذ الكامل لاتفاق مارس/ آذار 2005 بإعادة تشكيل المجلس الوطني بحيث يغدو، كما أريد له في البدء أن يكون، الهيئة المجسدة لإرادة شعب فلسطين، في وطنه المحتل من النهر إلى البحر والشتات العربي والدولي، المسؤولة أمامها اللجنة التنفيذية للمنظمة وجميع مؤسساتها، ومن ثم إعادة بناء مؤسسات المنظمة كافة، بحيث تستعيد دورها كمؤسسة تحرير وليست مؤسسة تمرير التنازلات الكارثية، وبالتالي إرساء عمل المنظمة ومؤسساتها وأجهزتها كافة على قاعدة الحوار الديمقراطي والتفاعل الإيجابي مع الفصائل صادقة الالتزام بالمقاومة، وهيئات المجتمع المدني المتحررة تماماً من أي ارتباط سياسي أو مالي بالقوى الدولية راعية المشروع الصهيوني، وصولاً لإقامة الجبهة الوطنية الملتزمة بالتحرير والعودة ورعاية مصالح المواطنين الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، وتوثيق الصلات بقوى الحراك الوطني والإسلامي في الأرض المحتلة سنة 1948، والتي كان قد همشها فريق أوسلو، بل وحاول أن يكبح نشاطها عملاً بالتزاماته تجاه العدو، كما التفاعل بأعلى درجات الإيجابية مع القوى القومية والوطنية والإسلامية والتقدمية في العمق القومي والإسلامي، ونسج علاقات نضالية مع أحرار العالم في مرحلة من أبرز معالمها انكشاف العنصرية الصهيونية على الصعيد العالمي، واتساع دائرة مؤيدي الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.

 

وبذلك تتكامل القوى الوطنية والقومية لمواجهة التحديات الراهنة، والمتمثلة بالاحتلال والاستيطان وإجراءات التهويد في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وحصار قطاع غزة، والتمييز العنصري ضد مواطني الأرض المحتلة سنة 1948، وتوفير متطلبات العيش الكريم وحقوق الإنسان للفلسطينيين في الشتات. فضلاً عن أن ذلك سبيل تعزيز القدرة على تعميق مأزق الكيان الصهيوني.

 

والسؤال الأخير: هل يمتلك شرفاء فتح قدرة إجراء التغيير الجذري في واقع الحركة كي تستعيد فعاليتها كحركة تحرر وطني، بحيث يحقق مخاض التغيير الفلسطيني غايته؟

 

صحيفة الخليج الإماراتية