خبر في الطريق الى اللامكان.. معاريف

الساعة 12:09 م|18 مارس 2011

بقلم: بن كاسبيت

(المضمون: ولكن عندما ينظر الناس الى سلوك نتنياهو يفهمون بان كل ما يريد عمله هنا هو أن يكون رئيس الوزراء. بالضبط مثلما كل ما يريد ايهود باراك ان يفعله هنا هو أن يكون وزير الدفاع - المصدر).

"السياسة"، قال بنيامين نتنياهو هذا الاسبوع، "يجب أن تتلاءم والاحداث المتغير، حتى لو كان معنى الامر تغييرها كل يوم". قول مذهل. هذا يعني أن رئيس الوزراء في اسرائيل ينبغي أن ينهض في كل صباح، يفتح النافذة، ينظر الى الخارج، يفحص الى اين تهب الريح، ماذا يحصل في الخارج، فيقرر ما العمل اليوم. دون خطة استراتيجية، دون ايديولوجيا، دون خطوط توجيه، دون مبادىء اساسية، دون هدف لتحقيقه او غاية للوصول اليه.

في صالح بيبي يقال ان هذا بالضبط ما يفعله منذ سنتين. الاحداث تتغير، الاستطلاعات المدعوة، الضغوط المصادفة، المقربين الضاغطين، التهديدات المتكاثرة والرسائل المشوشة. هذه هي مرشدة رئيس وزراء اسرائيل. أنجيلا ماركيل، المستشارة الالمانية، من الحلفاء الثابتين الاخيرين الذين تبقوا لنا، رفعت صوتها عليه، فسارع الى تبشيرها بانه قريبا "سيلقي خطابا سياسيا"، مجرد امتشق لنفسه وعدا من كمه، المهم ان تهدأ ماركيل. ولكن في هذه الاثناء بدلا من الهدوء تلقينا جلبة تغمر محيط نتنياهو بأسره، ووسائل الاعلام (ولا سيما من لا يزالون يعلقون على نتنياهو وباراك آمالا كبرى) والوعد لماركيل اصبح مبادرة لتسوية انتقالية بعيدة المدى (مع مبادىء للتسوية الدائمة)، وبعد ذلك بار ايلان 2، وبعد ذلك دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، ومن هناك قفز الى نقل الاراضي للفلسطينيين او تنفيذ نبضة اخرى أو "سلسلة بادرات طيبة لابو مازن" (هذه وقفة هزلية)، وباختصار كل شيء ولا شيء.

إذ ليس لدى نتنياهو أي فكرة عما سيفعله. وحتى لو كانت لديه فكرة، فانه سيندم ويصحو ويغير ويلغي ويكتب من جديد، ويتردد وينسحب ويمتشق، ويواصل التلوي بمعاناة الف وواحدة حتى الموعد النهائي، او حتى العملية التي في أعقابها سيعلن مرة اخرى بان السياسة هي امر تغير يجب ملاءمته مع الواقع. وكل شيء يبدأ من البداية، وعندما يصل هذا الى مكان ما، او الى نقطة ذروة ما، والتي يكون الجميع بعدها ممزقي الاعصاب، الى أن لا يفهم احد ماذا كان لنا هنا، والافضل الا يفهم، وذلك لانه اذا فهم، فسيتبين أنه لم يكن لدينا هنا أي شيء. باستثناء الكثير من الهواء الساخن والكثير من الاقوال بنبرات عميقة ومفعمة بالصلاحيات.

لا يريد حقا

لقد سبق أن كتبنا في هذه الصفحة بعضا من الافكار التي يتسلى بها نتنياهو. ليس هذه تسلية حقيقية، وذلك لان نتنياهو يقوم بها وهو مرتعد الفرائص بصوت مخنوق وبفم منكمش. التسوية الانتقالية مع الفلسطينيين مثلا والتي ستتضمن دولة فلسطينية في حدود مؤقتة. نقل الاراضي، على نمط "النبضة الثالثة" والتي ملزم بيبي للفلسطينيين بها منذ ولايته السابقة.

نشر هنا انه يفحص فكرة ابقاء المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة كـ "جيوب" وهكذا يحافظ على التواجد اليهودي في كل النقاط الهامة (بما في ذلك الخليل). كتب هنا عن مفهوم "بالون مع خيط"، أي ان يكون بوسع ارئيل مثلا ان تبقى منعزلة دون كل الجيوب التي تؤدي اليها، فقط بطريق وصول وحيد. وهكذا وهكذا. بالطبع، كل هذه المنشورات، عندما يدور الحديث عن نتنياهو، هي مثابة كلام فاضي. فهو يسمعها لمن يريد أن يسمعها (باراك، مريدور، الامريكيين، شمعون بيرس) ولكنه لا يقصدها حقا.

لو كان يقصدها حقا، لو كان فيه ذرة زعامة، لو كان فيه حفنة شجاعة، لكان نتنياهو فعل ذلك في الترتيب السليم. أولا يسافر الى براك اوباما (في اللقاء الاول وليس الخامس)، يقيم معه محورا استراتيجيا حميما، يرسم له حدود التنازل والانجازات المطلوبة، يجنده في صالح الخطة (لنفترض تسوية انتقالية تتضمن دولة فلسطينية مؤقتة)، ويجلب هذا معه أو حتى عبره. نتنياهو يعرف بانه لا يوجد أي احتمال لتسوية انتقالية، اذا جاءت منه. الاحتمال الوحيد الذي كان له (ولم يعد له) هو ان تأتي الفكرة من واشنطن أو من بروكسل أو من هنا ومن هناك معا. ولكن نتنياهو لا يريد حقا. بعض من رجاله يقسمون برأس نتان ايشل بان بيبي يريد حقا "عمل شيء ما هنا"، ولكن عندما ينظرون الى سلوكه يفهمون بان كل ما يريد عمله هنا هو أن يكون رئيس الوزراء. بالضبط مثلما كل ما يريد ايهود باراك ان يفعله هنا هو أن يكون وزير الدفاع. من يحاول أن يجلب، بالتوازي، يعقوب عميدرور، ومايك هيرتسوغ معا، فهو من يحاول أن يرضي الجميع، ان يمسك بالعصا من طرفيها، ويواصل النظر يسارا والغمز يمينا.

الموضوع هو ان احدا لم يعد يصدقه. لا اليسار، لا اليمين، لا الفلسطينيين، لا الامريكيين ولا الاوروبيين. بالضبط مثلما في المرة السابقة، نتنياهو هو عديم التسديد. الثقة العالمية نفدت.

لو كان يستطيع، لكان نتنياهو استدعى سوبرتانكر ما مع ثقة دولية من مكان ما. ولكن هذا متعذر. فالثقة هي شيء تبنى ببطء وتهدم بسرعة. عندما توجه لتشكيل الحكومة كان لنتنياهو كل المعطيات الممكنة للنجاح. كل ما كان يحتاجه هو سياسة. اذا كنت تريد حقا تنفيذ خطوات اليمة للسلام؟ فشكل حكومة مع العمل ومع كديما. وفي ذات الفرصة تغير طريقة الحكم. اذا كنت تريد تنفيذ وعدك للناخب فتكون مخلصا لانتصار اليمين؟ فشكل حكومة يمينية. نعم، مع كاتسيلا.

ولكن بيبي، كالمعتاد، يريد هذا وذاك معا. ليس لديه الشجاعة للسير يمينيا (رغم أن البطن يجذبه الى هناك)، ليست لديه الشجاعة للتوجه يسارا (رغم أن العقل يجذبه الى هناك). وهو بقي عالقا في الوسط. وفي الوسط سيسقط.

افضل الناس للطمس

يكاد لا يمر اسبوع يخلو من أمثلة تقشعر لها الابدان عن جودة ادارة الثنائي نتنياهو وباراك. بعد نحو شهر سيعلن رسميا عن اقامة "سرب الاطفاء" الشهير اياه، الذي أعلن عنه نتنياهو في ذات يوم الجمعة الاسود امام الكرمل المحترق. ولكن حتى هذا السرب قام معوجا.

قائده سيكون رجل سلاح الجو. وهو سيكون في واقع الامر وحدة في سلاح الجو. ولكن الطائرات (التي اشتريت من اسبانيا) ستقف في مجيدو. وستكون تحت رعاية وصيانة "البيت" للالكترونيات. وبالتالي فهذا كائن حي غريب له ثلاثة رؤوس كل واحد وعقله المختلف. نتنياهو يريد هنا مظلة سلاح الجو، العلامة التجارة الاكثر فخارا في اسرائيل. والسؤال هو اذا كان سلاح الجو يريد ايضا. الجواب هو لا. "الحل الاكثر تشويها على وجه البسيطة"، قال مصدر مهني يرتبط باقامة هذا السرب. هناك محافل تسميه ليس سربا بل "طمسا". وهذا دوما يبدأ بذات الشكل: نتنياهو يذعر، يركض ويخرج الى وسائل الاعلام، يطلق التصريحات ويقرر القرارات. المشكلة هي أنه بعد ذلك يحتاج الى أن ينفذ. وفي الاسبوع الماضي فقط عاد ليقوم بالتفافة سريعة بين استوديوهات التلفزيون ليعلن عن اصلاحات عقارية جديدة (رقم 200 في السلسلة غير المنتهية)، فقط من أجل أن يتبين بعد يومين بان المستشارة القانونية في ديوان رئيس الوزراء تقرر بان بعض الافكار التي طرحها رئيس الوزراء تتعارض والقانون.

وفي هذه الاثناء يحتاج سلاح الجو الى أن يبدأ بان يبني نظرية قتال وتفعيل للسرب، ودراسة موضوع الاطفاء الذي سيدار على الاطلاق من منظومة الاطفائية القطرية، وذلك لانها هي التي تتلقى المعلومات عن الحرائق، ولكن لسلاح الجو ما يكفي من المشاكل لمعالجتها، ولا ينبغي أن يكلفوه بهذه ايضا. واذا ما كلفوه فينبغي اذن ادخال كل شيء تحت سقف واحد وعدم توزيع الطائرات الى مكان، والطيارين الى مكان آخر، وقائد في مكان ثالث مختلف تماما. من سيكون المسؤول؟ ماذا سيفعل هذا السرب طوال السنة؟ من سيدرب الطيارين؟ باختصار فوضى.

هكذا نظهر امام الناس

هذا نفس نمط العمل في كل مرة من جديد. هذا الاسبوع ايضا، في الحدث الاعلامي الذي جرى يوم الاربعاء في ميناء اسدود، حيث كان يفترض برئيس الوزراء ووزير الدفاع عن يكشفا امام العالم مكامن سفينة السلاح "فكتوريا". وبدلا من الاعلام حصلنا على مهزلة مطلقة، وفي اثنائها غادر قسم كبير من الصحفيين المكان بغضب بعد أن اوقفوا لساعات، تحت الشمس الحارة، من قبل جهاز المخابرات.

من أجل ماذا كانت حاجة الى طابور طويل ومتلون تحت الحر، مع صحفيين منزوعة ثيابهم، مع تفكيك كل كاميرا تحت آخر برغي، مع عناد اسرائيلي غبي يثير الغضب والضغينة لدى عشرات الصحفيين والمصورين الذين استدعاهم الى هناك المكتب الصحفي الحكومي؟ يمكن النزول باللائمة على المخابرات التي فزع الحراسة لديها تجاوز منذ زمن بعيد حافة السخف. قل، يا سيد يوفال ديسكن، هل أنت تعتقد حقا بان صحفيا يحمل هوية صادرة عن المكتب الصحفي الحكومي يجب أن يقف بملابسه الداخلية امام فاحصيك؟ أهذا يبدو لك جديا؟ وبعد المخابرات، يجب وينبغي ان نسأل لماذا يحتاج نتنياهو وباراك الى أن يقودا حدثا كهذا؟ فنحن بدون هذا بدأنا نذكر الاخرين بجمهوريات الموز.

رئيس الوزراء يمكنه أن تلتقط له الصور قرب السفينة في موعد مبكر فيغادر بعدها المكان. ومن أجل هذا يوجد فريق تصوير يلتصق به اينما يذهب. كان يفضل فتح المكان امام وسائل الاعلام الاجنبية، لتصور وصول السفينة وانزال حمولتها، وعملية ترتيب الذخيرة والسلاح على الرصيف بحيث يكون هناك بعض الانفعال، دون أن يكون رئيس وزراء على رأس الحدث. عميد في سلاح البحرية كان سيقوم بالعمل الاعلامي. هذا يلتقط في صورة افضل، في مهنية اكبر، في نجاعة أعلى. وفي العالم باتوا يعرفون نتنياهو ويحفظون نصوصه على ظهر قلب. لا يدور الحديث عن سبق صحفي. فالصواريخ على سفينة "فكتوريا" كانت ستسوق نفسها على نحو ممتاز بدونه. بل كان هذا سيسمح للصحفيين الاجانب بتلقي معاملة انسانية ومحيط عمل مهني.

ولكن عندنا المنطق يخلي مكانه للشقاق الدائم على الحظوة. ها هو أخيرا غابي اشكنازي لم يعد موجودا. ولا احد حقا يلاحظ بني غانتس، الساحة شاغرة، وباراك يمكنه أن ينسب الانجاز لنفسه بسرعة.  من أجل ماذا يحتاج هو ونتنياهو ان يقفا على الرصيف وان يشيرا الى السفينة ويشرحا ماذا كان هناك؟ فقط معمر القذافي وعباءته ينقصان في هذه الصورة السخيفة. هل براك اوباما يتصور قرب كل نجاح لقوات امنه؟ كان هناك حاجة الى حاسوب اعلى لمتابعة الجدول الزمني لزيارة باراك الى السفينة هذا الاسبوع الذي تغير عدة مرات. لو كان بوسعه لهبط باراك بنفسه الى سفينة فكتوريا في منتصف الليل من مروحية، في زي ابيض او متخفيا في شكل شقراء. رد صهيوني مناسب لوقاحة نتنياهو الذي في صباح يوم الاحد أعلن بان "في الليل أمرت سلاح البحرية السيطرة على السفينة". من حظه أنه لا يستطيع.