خبر هل ستنتصر إسرائيل في ليبيا؟../ زهير أندراوس

الساعة 09:45 ص|16 مارس 2011

هل ستنتصر إسرائيل في ليبيا؟ زهير أندراوس

أولاً- الخيار العسكريّ: دخلت الثورة الليبيّة أسبوعها الرابع، وما زالت الأنباء التي تصل من الجماهيريّة متضاربة، كما في الجبهة، أيضًا في الإعلام، القذافي وعصابته ومرتزقته يبثون الأخبار عن تحقيق الانتصارات، وبالمقابل ترد التقارير عن نجاح الثوار في هذه المدينة أوْ تلك، حرب الكر والفر انتقلت إلى شاشات التلفزيون، ويقف الإنسان حائرًا أمام هذه التطورات والمستجدّات.

 

وبطبيعة الحال، يواصل الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، دراسة جميع الخيارات، بما في ذلك التدخل العسكريّ، لوقف شلال الدماء في هذا البلد العربيّ. ونحن إذ لا نثق بالرئيس الأسود، وليس بسبب لون بشرته، نُسجّل هنا، أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة أعجز وأوهن وأجبن من أنْ تُقْدم على الخيار العسكري، فالعراق تشهد وأفغانستان تصرخ، والرأي العام في بلد "الحريّات والإمكانيّات غير المحدودة" ليس على استعداد للتّورط مرّة أخرى في نزاعات مصدرها الشرق الأوسط "المتخلف"! إذ أنّ التدخل العسكريّ لحسم المعركة، يتطلب عملية بريّة، وهذا الأمر صعب، إنْ لم يكن مستحيلاً في ظل الظروف الإقليميّة والعالميّة، لأنّ الشعب الأمريكيّ لن يسمح لحكومته بإدخال البلاد التي لم تتعاف حتى الآن من الأزمة الاقتصادية بخوض مغامرة محسوبة البداية ولكنّها محسومة النتائج: خسائر بشريّة وماديّة للأمريكيين، هذا من ناحية، من الجهة الأخرى، انتهاء الثورة الليبيّة بانتصار الثوار أوْ بإحراق ليبيا من قبل القذافي، لن تكون النهاية، بل ربّما البداية، فالأنظمة الرجعيّة في العالم العربيّ بدأت بالتهاوي أمام إرادة الشعوب، التي اجتازت حاجز الصمت وعبرت حاجز الخوف.

 

 والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا السياق: هل أمريكا، التي باتت ضعيفة، كما تؤكد جميع استطلاعات الرأي داخلها وخارجها، ستتدخل عسكريًا في حال اندلاع الثورة القادمة في هذا البلد العربيّ أوْ ذاك؟ ذلك أنّ التدخل العسكريّ في ليبيا، في حال حدوثه، سيُعتبر سابقة خطيرة للعرب وللغرب على حدٍ سواء، وعليه، فإنّ هذه القضية مليئة بالأسلاك الشائكة، وما تصريحات البيت الأبيض على جميع ناطقيه، وهذا برأينا المتواضع، ما هي إلا ذر للرماد في العيون، ناهيك عن أنّ اللجوء إلى الحل العسكريّ يتطلب، على الأقل، نظريًا، قرارًا صادرًا عن مجلس الأمن الدولي، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ روسيا، التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) قد أعلنت بشكلٍ غير قابلٍ للتأويل بأنّها تعارض استعمال القوة العسكريّة لحل المعضلة الليبيّة.

 

ثانيًا- تونس ومصر: عندما أطّل علينا من على شاشة التلفزيون نجل الزعيم الليبي، سيف الإسلام القذافي، وألقى خطابه "التاريخيّ" أُصيب العديد بنوعٍ من الغثيان، أوْ قُلْ بشعور بضرورة التقيؤ، خصوصًا عندما هدد بحرق الأخضر واليابس في ليبيا، وكأنّ البلد، ملك له ولأبناء عائلته. ما يهمنا في هذه العجالة أنّ القذافي الابن قال في ما قال إنّ ليبيا ليست مصر ولا تونس، اليوم، نرى أنّ الرجل كان يعرف عمّا يتحدث، أوْ هكذا نميل إلى الترجيح: في تونس بقي الجيش حياديًا ولم يتدخل خلال الثورة المجيدة، وتناقلت الأنباء حينها خبرًا جاء فيه أنّ رئيس هيئة الأركان العامّة في الجيش التونسي، هو الذي أجبر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على الفرار قبل أنْ تصله الجماهير الغاضبة، وهذا ما كان، في مصر أيضًا، والتي تابعنا ثورتها دقيقة بدقيقة، قرر الجيش التزام الحياد عندما خرجت الملايين تطالب بإسقاط النظام، وبقي الجيش على موقفه، لا مع مبارك، ولا ضدّ الشعب، حتى تمّ حسم الأمور، وهنا أيضًا تبيّن لاحقًا أنّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصريّة كان له القول الفصل، حيث "طلب" من الرئيس المخلوع، حسني مبارك، الإعلان عن تنحيه حقنًا للدماء.

 

الأوضاع في ليبيا تختلف كليًا، فمن الناحية الاجتماعيّة يدور الحديث عن مجتمع عشائري وقبلي، مجتمع سُحق على مدار 42 عامًا، الأمر الذي أدّى إلى تخلفه في مجالات عديدة، ذلك أنّ هذا الأمر يصب في صالح النظام الاستبداديّ والرجعيّ، ولا يخدم الشعب الذي يبحث عن كرامته المفقودة وحقوقه المسلوبة، ومع ذلك، نميل إلى القول إنّ القذافي جونيور كان على صواب، عندما فرز الأمور، إذ أنّه خلافًا لتونس ولمصر، فإنّ الجيش الليبيّ تدّخل وبقوةٍ في المعركة الدائرة اليوم بين الثوار وبين النظام، الجيش انقسم على نفسه، بحيث بات العرب عربين والجيش جيشين، وهنا تكمن المأساة: انقسام الجيش بين مؤيدٍ للنظام وبين معارض له أدّى في ما أدّى إلى تسارع الأحداث في الجماهيريّة، وحوّل الثورة، طبعًا للأسف الشديد، إلى معركة غير متكافئة من ناحية القوة العسكريّة، علاوة على ذلك، ومرّة أخرى نقولها وقلوبنا يعتصرها الألم، إنّ ما يجري في ليبيا اليوم هو حرب أهليّة بين معسكرين، ومن هنا، فإنّ هذه الحرب الضروس التي يخوضها الطرفان، ستؤدي إلى المزيد من الدماء البريئة وغير البريئة، مضافًا إلى ذلك، فإنّ هذه الحرب الأهلية، ستؤخر من سقوط النظام الديكتاتوريّ الذي ما زال يُسيطر حتى الآن على مواقع إستراتيجيّة لا يُمكن التقليل من أهميتها في الجماهيريّة، وربّما ستكون نتائجها وتداعياتها أخطر من ذلك بكثير، قد تُفرز في ما تُفرز، دولة مفتتة وهشّة وضعيفة على نمط العراق ما بعد الاحتلال في العام 2003.

 

وعلينا الإقرار هنا أنّ مجرى الأحداث في ليبيا قد يؤدي إلى ردع شعوب عربيّة أخرى، التي تعيش في كنف دول المخابرات والعسكر، من اللجوء إلى الثورات السلميّة بهدف إسقاط الأنظمة التي أكل عليها الدهر وشرب وشبع، وهذا الأمر بحدّ ذاته خطير، لا بلْ خطير للغاية، ذلك أنّ الزعماء العرب الآخرين، على طرف النقيض، لن يتورعوا عن تحويل التظاهرات السلميّة إلى حروب أهليّة بهدف الحفاظ على الكرسي، ألمْ يقل القذافي لفضائية (الجزيرة) قبل اندلاع الثورة إنّ معنى كلمة ديمقراطية، هي ديمو- كراسي، أيْ تشبثوا بالكرسي وبالمنصب، وهو، أيْ ملك ملوك إفريقيا، في هذا الإطار لا يختلف عن ثقافة القطيع التي يُجمع عليها جميع الزعماء العرب من محيطهم إلى خليجهم.

 

ثالثًا- إسرائيل: لا نضرب بالمندل ولا نتخذ من الشعوذة نبراسًا، ولكن مع ذلك، من الصعب علينا التحرر من الشعور بأنّ المرتزقة الذين يحاربون إلى جانب قذاف الدم ومصاص الدماء ولص الثروات، تمّ ضمهم إلى العصابات بوساطةٍ وبواسطةٍ إسرائيليّةٍ، طبعًا غير رسميّة، فقبل فترة قصيرة قامت السلطات الروسيّة بتسليم الجنرال في الاحتياط، يائير كلاين لتل أبيب، رافضةً تسليمه لنيكاراغوا، إذ أنّ السلطات في تلك الدولة تتهمه بتشكيل الميليشيات العسكرية لمحاربة النظام، وليس سرًا أنّ العشرات من ضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي سابقًا يصولون ويجولون في إفريقيا، بحثًا عن (لقمة العيش)، وهم يدخلون إلى الدول الإفريقيّة ويعرضون خدماتهم الأمنيّة على الدول، مستغلين تجربتهم الغنيّة في ساحات المعارك وجرائمهم ضدّ العرب، وبالأخص الفلسطينيين.

 

 من هنا، من غير المستبعد بتاتًا أنْ تكون شركات أمنيّة إسرائيليّة تعمل في تجنيد المرتزقة للزعيم الليبيّ، الذي أراد إبادة الدولة العبريّة ووأد الحلم الفلسطينيّ بإقامة الدولة المستقلّة، لتحقيق برنامجه أوْ مشروعه الجنوني القاضي بإقامة دولة إسراطين، بالإضافة إلى ذلك، قبل حوالي أربعة أشهر نشرت صحيفة (كالكاليست) الاقتصاديّة الصادرة عن (يديعوت أحرونوت) تحقيقًا جاء فيه أنّ شركات أمنيّة أزرق أبيض، أيْ من أحفاد بن غوريون، تعمل وبشكل شبه علنيّ على تأمين الحراسة في دول الخليج العربيّ، بمعرفة وبموافقة الأنظمة الحاكمة، وهذا الأمر، الذي لمْ يتم نفيه من قبل الملوك والأمراء والسلاطين العرب يفتح الباب على مصراعيه أمام التشكيك بوجود أيادٍ إسرائيليّة تعمل من وراء الكواليس لتأجيج الحرب الأهليّة في ليبيا، فعلاوة على أنّ هذا المشروع، تجنيد المرتزقة، يُدخل الملايين من الدولارات، فإنّه يخدم أيضًا، شئنا أمْ أبينا، النظام الرسميّ في دولة الاحتلال ومصالحه المتقاطعة مع الإمبرياليّة العالميّة، والقاضي بتفتيت الدول العربيّة، المفتتة أصلاً وفصلاً.