خبر ضرورة تصحيح خلل العلاقات الفلسطينية - المصرية ..علي بدوان

الساعة 09:45 ص|16 مارس 2011

ضرورة تصحيح خلل العلاقات الفلسطينية - المصرية  ..علي بدوان

من نافل القول بأن انتصار انتفاضة الشعب المصري في نقلتها الأساسية الأولى بعد إطاحتها برأس النظام وبقائد جهاز الاستخبارات الحربية اللواء عمر سليمان، فتح الطريق أمام إعادة تصحيح مسار العلاقات المصرية مع عموم الأطراف الفلسطينية الأساسية والفاعلة في المعادلة الداخلية التي باتت تحكم البيت الفلسطيني منذ سنوات طويلة، وتحديداً مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فضلاً عن حركة فتح.

 

فالعلاقات الفصائلية الفلسطينية وحتى الرسمية مع الطرف الرسمي المصري، تعرضت على الدوام لاهتزازات ومطبات كبيرة بسبب التباينات السياسية التي كانت تضيق أحياناً وتتسع في أحايين، ليس مع فصائل المعارضة فقط ، بل حتى مع السلطة الفلسطينية وحزبها المتمثل بحركة فتح، وكلنا يتذكر الموقف الحاد والصارخ الذي قابل به رأس النظام حسني مبارك الشهيد ياسر عرفات عام 1994 إبان التوقيع على البروتوكول التطبيقي للمرحلة الانتقالية في القاهرة بين الطرفين الرسمي الفلسطيني و«الإسرائيلي»، حين وجه حسني مبارك (كلامه اللاذع وغير المحترم) للرئيس الراحل ياسر عرفات وعلى مسمع الجميع، وأمام وسائل الإعلام طالباً منه التوقيع على البروتوكول دون تردد على الإطلاق، وطالباً منه في الوقت ذاته تجاوز ملاحظاته التي بدا وأن الرئيس عرفات كان متذمراً ومتململاً من وجود بعض الثغرات في البروتوكول.

 

وتابعت قيادة حسني مبارك، السياسة إياها في التعاطي مع الطرف الرسمي الفلسطيني، بعيد رحيل الرئيس ياسر عرفات، حين اندفعت الجهود الرسمية المصرية نحو دفع عموم الحالة الفلسطينية للقبول بما هو مطروح عليها وفق خطة «خارطة الطريق الأميركية» ذائعة الصيت، وهي الخطة التي رفضتها حتى «إسرائيل» في مسعى منها لدفع الفلسطينيين نحو تقديم المزيد من التنازلات بمعونة ورعاية «رب البيت العربي» والمقصود به نظام الرئيس حسني مبارك.

 

القضية الفلسطينية «ملف» عند المخابرات الحربية

 

إن مصر حسني مبارك ونظامه الأمني الاستخباراتي، كانت على الدوام، طرفاً منحازاً في متابعة شؤون الوضع الفلسطيني الوثيق الصلة والاتصال بمصر بحكم الجغرافيا السياسية، وبحكم الدور المصري الكبير في المنطقة انطلاقاً من موقع مصر العربي والدولي، وهو الموقع الذي همشه النظام، وحول فيه مصر من مركز للثقل العربي، ومن موقع استناد وإسناد كبير للحالة الفلسطينية، إلى موقع الضاغط على عموم المعادلة الفلسطينية من السلطة الفلسطينية وحركة فتح إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي وعموم القوى الفلسطينية.

 

وللأسف، فقد تحولت القضية الفلسطينية والموضوع الفلسطيني برمته عند نظام حسني مبارك والطغمة الأمنية التي كان يقودها الجنرال عمر سليمان إلى «ملف» لا أكثر ولا أقل كأي ملف آخر تتابعه الاستخبارات الحربية المصرية، ليغدو الأمر الفلسطيني بين يدي ضباط الأمن الذين كانوا على الدوام هم وحدهم المتابعين لشؤون الوضع الفلسطيني وللاتصالات اليومية مع عموم قادة الفصائل الفلسطينية، وليصبح الجنرال عمر سليمان هو الموجه وحده دون غيره بالنسبة للعلاقات الفلسطينية المصرية.

 

وفي هذا السياق، وفي سلوك له دلالاته ومؤشراته، دأبت مصر على صياغة علاقاتها مع القوى الفلسطينية المتواجدة في قطاع غزة والضفة الغربية وخارج فلسطين، ومنها حركة حماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي .. وباقي القوى الفلسطينية، بطريقة أمنية وتحت إشراف المخابرات الحربية المصرية. ولا نبالغ في القول بأن زيارات عموم قادة الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة ما كانت لتتم لولا الدعوات المباشرة، أو لنقل وللأسف «الاستدعاءات» التي كان يقوم بها اللواء عمر سليمان وضباط الأمن لديه. فكل الاجتماعات الحوارية الفلسطينية ــ الفلسطينية في القاهرة كانت تقتصر على متابعة ورعاية جهاز المخابرات الحربية، فيما غابت الجهات السياسية المصرية بما فيها وزارة الخارجية حتى عن اللقاءات المطلوبة مع عموم الأطراف والفصائل الفلسطينية، اللهم إلا لقاء يتيماً واحداً (لقاء مجاملة لا أكثر ولا أقل) عقد بين أحدهم من الأمناء العامين لإحدى الفصائل ووزير الخارجية المصري في حينها أحمد ماهر بعد تدخلات وجهود كبيرة.

 

إن هذا الخلل في مسار العلاقات الفلسطينية المصرية على مستوياتها الرسمية مع المنظمة والسلطة وعموم الفصائل، يجب أن ينتهي الآن مع انتصار انتفاضة الشعب المصري وفي تحقيقها الخطوات الرئيسية المنشودة على طريق استعادة مصر لدورها العربي المحوري ولمكانتها في قلب العملية السياسية في الصراع مع الاحتلال الصهيوني، ومع مشاريع الدولة العبرية الصهيونية، التي لا تستهدف الشعب الفلسطيني فقط، بل تستهدف المنطقة بأسرها، بما في ذلك مصر العربية قبل غيرها.

 

إن انتصار انتفاضة الشعب المصري، وعلى طريق استكمال كل مهامها التي قامت من أجلها، فتحت الطريق والمدخل الصحيح بات مفتوحاً من اجل إعادة إرساء وبناء العلاقات الفلسطينية المصرية، انطلاقاً من دور مصر الكبير والمفترض في المنطقة، وفي دعم وإسناد الشعب الفلسطيني.

 

علاقات مصر وحماس مقاربة ومحاولة للفهم

 

في هذا الإطار، وفي محطات العلاقة بين نظام مصر حسني مبارك وحركة حماس، يدرك كل مراقب للعلاقة بينهما أنها كانت سيئة في غالب الأحوال، وتزداد سوءاً أحياناً كثيرة، وتقل سوءاً في أحايين أخرى ولكنها كانت سيئة بكل الحالات، ويرافقها دوماً تبادل للشك والريبة وفقدان للثقة المتبادلة، بينما بدا التأرجح المتواصل فيها متصلاً دائماً ولو بخيط رفيع في أسوأ اللحظات، حيث كان نظام مبارك يدعي أن أمن مصر القومي يمتد إلى قطاع غزة حيث يتنامى مشروع إسلامي «مبهم» من وجهة النظام في قطاع غزة وجنوباً من مصر. لكنه كان يدرك بالمقابل أن الوصول إلى قطاع غزة يفترض بالضرورة وجود علاقة مباشرة مع حركة حماس حتى ولو وصلت التباينات معها إلى درجة كبيرة. كما كانت حركة حماس تدرك في الوقت ذاته بأن المعبر الوحيد لموقع أساسي من مواقع انتشارها ووجودها على الأرض (قطاع غزة) يمر عبر البوابة المصرية، ففرضت الجغرافيا ديكتاتوريتها على الواقع العام الذي تواجهه حركة حماس، خصوصاً في ظل الحصار الإسرائيلي والكماشة المطبقة على قطاع غزة بقرار إسرائيلي... وعربي أيضاً.

 

ومع ذلك، فإن البراغماتية السياسية فرضت في حينها، نوعاً من الشراكة ولو كانت مقيتة بين مصر وحركة حماس، فمصر هي التي تقف على الحدود مع غزة وتشكل البوابة العربية الوحيدة نحوها عبر تحكمها بمعبر رفح، الشريان الحيوي لقطاع غزة، بالرغم من ارتباط مصر باتفاقية الـمعبر (السيئة والمجحفة بحق الفلسطينيين) التي عقدت العام 2005، فهذه الاتفاقية جعلت معبر رفح معبراً إقليمياً دولياً (بدلاً من أن يكون معبراً مصرياً فلسطينياً) يتحكم بفتحه وإغلاقه عدة لاعبين أبرزهم إسرائيل التي وضعت مسمار جحا في هذه الاتفاقية من خلال الـمراقبة لكل القادمين والذاهبين عبر الكاميرات، ومن خلال التحكم بحركة الـمراقبين الدوليين الـمقيمين في إسرائيل، وهي التي تمنعهم أو تسمح لهم بالذهاب إلى الـمعبر، وذهابهم شرط ضروري لكي يفتح الـمعبر ويقوم بعمله، وهو ما وضع مصر الرسمية زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك في نهاية الأمر في وضع محدد، لتصبح مصر في عهده بشكل أو بآخر مساهمة بحصار الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو الحصار الذي دق أبواب مصر عبر معبر رفح في حادثة التحطيم الشهيرة التي تعرض لها المعبر على أيدي المواطنين الفلسطينيين المحاصرين في القطاع، وهو أمر مازال متوقعاً في ظل الحصار الراهن.

 

وبرغم كل ذلك، تدرك حركة حماس أن مصر تمثل بوابة رسمية وهامة للوصول إلى الشرعية العربية، وأنها مدخل مهم لاكتساب الشرعية في العالم الإسلامي ودول العالم الثالث، ليس بسبب من قوة حضور نظام مبارك البائد على المستوى العربي والدولي، بل بسبب موقع مصر ودورها التاريخي بغض النظر عن طبيعة النظام القائم فيها وسياساته. كما تدرك حركة حماس خطورة استعداء مصر لكونها المتنفس الوحيد لقطاع غزة، وبسبب تشابك علاقاتها ونفوذها.

 

كما تدرك حركة حماس أيضاً، أنه مهما كان الخلاف مع نظام السابق أو حتى المجلس العسكري الحالي، مستحكماً، فإن مصر في المعادلة العربية (وبغض النظر عن النظام القائم فيها مرة أخرى) بإمكاناتها المادية والبشرية الهائلة وبانتمائها العربي والإسلامي تظل ذخراً لفلسطين ولقضيتها.

 

وعليه، تميزت حركة حماس بالكثير من المرونة والديناميكية، وسعت إلى توظيف العديد من نقاط التقاطع لطمأنة النظام المصري، وإظهار روح المسؤولية تجاه المصالح الوطنية الفلسطينية والمصرية. لكنها كانت تتصرف باستقلالية تامة، عندما يتعلق الأمر بهويتها السياسية والأيديولوجية، أو عندما ترى أن النظام أخذ يمارس الضغط عليها لصالح مسارات لا تؤمن بها كمسارات التسوية، أو عمل ترتيبات تنتقص من حقوقها في الساحة الفلسطينية، والدليل على ذلك أن حركة حماس تماسكت مع نفسها وانسجمت مع ذاتها في مسارات الحوار الفلسطيني في القاهرة، ولم ترضخ في النهاية للأجندة المصرية الساعية لتمرير اتفاق فلسطيني تحت سقف لون واحد.

 

وبناء على ما تقدم، وبالانتقال لمسألة إمكانية إعادة استئناف الحوار الفلسطيني وصولاً إلى المصالحة المنشودة، نرى أن هناك خصوصية واضحة تقول إن إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني يتطلب دوراً استثنائياً لمصر في هذا المجال، لكنه يتطلب أيضاً حالة من التوافق العربي الذي لابد منه لإنجاح الحوار نجاحاً جيداً، فتأثيرات المعادلة العربية وتداخلاتها الفلسطينية أمر لا مندوحة عنه، فالفلسطينيون جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة العربية الرسمية وغير الرسمية العربية، إضافة إلى أن العنوان الفلسطيني مستديم في تأثيراته القومية على المنطقة بالرغم من كل حالة التردي نحو القطرية التي تنامت في العقدين الأخيرين.

 

صحيفة الوطن القطرية