خبر سنبني وندفن ونبني- هآرتس

الساعة 09:30 ص|16 مارس 2011

 

سنبني وندفن ونبني- هآرتس

بقلم: اسحق ليئور

(المضمون: تعليل اسرائيل للبناء الجديد في المستوطنات بالعملية في ايتمار أمر داحض لان اسرائيل تبني قبل العمليات وبعدها فهي ترى مشروع الاستيطان فكرة أبدية لا يمكن التخلي عنها مهما بلغت كلفتها - المصدر).

        سُمع صوت بعيد من فوق قبور القتلى الخمسة من مستوطنة ايتمار. طلب موطي بوغل، الناقد الأدبي في "هعير" عزل القاتل عن كل سياق سوى ألم موت أخيه، لكن لم يكن له أمل أن ينفذ من خلال ترخيص اللغة الذي يحتفل عندنا إثر العملية.

        لم يُمكّن أحد من تخليص القتل من السياق الوحيد الذي جند اليمين نفسه لمنحه إياه. هذا هو تفسير الشمولية في وسائل الاعلام بعد حادثة فظيعة كهذه: فاليمين يستغل كل قطعة بث لفرض روايته "للتاريخ". وهكذا سيحتل الجيش ارضا اخرى ويضمن الوزراء بناءً آخر. والابتزاز الآن تصويري - بورنوغرافي ايضا. أصبح يوجد في هذا ايضا جدل وطني: أكرامة الموتى أم "الاعلام".

        منذ أُعيدت قبل 75 سنة جثث الضحايا من بئر السبع الى ميدان القتل في معاليه عكرفيم، لتصويرها في هيئة موتها من اجل خدمة الاعلام – وهو أمر نُسي وقت الاخلاء السريع – لم نتقدم كثيرا: فما زال يوجد نفس الابتهاج بحك الجروح باسم "الاعلام". لكن ليس هذا اعلاما بل حاجة يائسة الى تغليب رواية "منا" بفضل العمل الفظيع.

        سارع نتنياهو الى الضرب: فقال ان جهاز الاعلام الفلسطيني مذنب لانه استطاع ان يهب للعالم قبل القتل بشهور رواية تخصه هي التحذير من الجمود السياسي. السياق الذي اقترحه الاعلام الفلسطيني خاصة مقبول في العالم، وها هي ذي فرصة أن يُهزم بواسطة نبوءته المتحققة. وهكذا وعند خروج السبت بدأ نتنياهو غوغائيته: كلها مغموسة في تفوقنا الاخلاقي في مقابلة تحريضهم على القتل.

        هكذا بدأ الترويج للسلعة: انها فرصة "لاحراز انجازات اعلامية". ليست سياسة الاستيطان عقبة أمام السلام. كيف هذا؟ ان من يريد أن يصنع سلاما معنا يجب ألا تشوش عليه المستوطنات. عندما اعتاد سلفان شالوم ان يُبين هذا كل مرة في التلفاز كنا نضحك. الآن من يتجرأ على المخالفة عن الجدية، في حين يوجد ضحايا القتل الخمسة في الخلفية، يجب ان يخجل. لا يمكن أن يُكفر بحقائق اليمين إزاء العمل الفظيع الفتاك. لان اليمين هو وكيل الموتى اليهود في الصراع. انه يهتم بهم مثل جنائني في مقبرة.

        بدأ التنافس آنذاك بين الوزراء في عدد وحدات السكن التي ستُبنى في المستوطنات، وكلما داومت على قراءة هذا المنطق أدركت أن "السعر" ليس لشبان التلال أو الكهانيين في الكنيست وخارجها أو المستوطنين، بل هو منطق دولة اسرائيل منذ سنين كثيرة: فاما أننا نبني المستوطنات لأننا أقوياء ويُسلم الفلسطينيون للبناء ولهذا لا سبب للتخلي، وإما يقتلوننا ونبني المستوطنات عقابا لهم. ماذا يفترض أن تُعلمنا عقوبة المعاقبين؟ أننا نبني على أية حال. قبل عملية وبعد عملية. فالبناء استغلال آخر للفرصة. وليس له، مثل غوغائية نتنياهو ورؤساء المستوطنين في الحقيقة أي صلة بالدم أو العقوبة. فلماذا الحديث عن العقوبة؟ هل لأن العالم يستمع لنا؟ ربما. أشك كثيرا. ليست الجثث المهشمة شيئا نادرا لا في هذه المنطقة ولا في مناطق اخرى.

        كم سنورط أنفسنا في أعقاب هذا المنطق للبناء قبل العمليات وبعد العمليات؟ كم من الاولاد اليهود والعرب سيموتون بعد؟ ليس هذا مهما. سنبني وندفن ونبني. سيُحركنا التسونامي لكنه لن يُحرك مشروع الاستيطان الذي هو فكرة أبدية دونما صلة بكلفتها على ارض نازفة.