خبر الشهيد علي حسن الجابر ..أحمد منصور

الساعة 07:17 ص|15 مارس 2011

الشهيد علي حسن الجابر ..أحمد منصور

 

ربما أكون من أقدم العاملين في قناة الجزيرة معرفة بالشهيد علي حسن الجابر رئيس قسم التصوير في القناة، الذي استشهد في منطقة الهواري جنوب غرب مدينة بنغازي في ليبيا مساء السبت الماضي الثاني عشر من مارس على يد قوات تابعة لمجرم الحرب الدولي معمر القذافي خلال تغطيته لهذه الحرب الإجرامية التي يشنها القذافي ضد الشعب الليبي، فقد التقيت علي الجابر يرحمه الله للمرة الأولى أثناء تغطيتي للحرب الأفغانية بين عامي 1987 و1990 جاء إلى باكستان لتصوير حلقات لتليفزيون قطر الذي كان يعمل رئيساً لقسم التصوير فيه آنذاك عن الحرب الأفغانية أثناء الاحتلال السوفياتي، وقد ائتلفنا من أول لقاء وأجرى معي أول لقاء تليفزيوني في حياتي وبثه في تليفزيون قطر بعد عودته وكان اللقاء يدور حول تغطيتي للحرب الأفغانية وخطورة عمل المراسل الحربي وكنت من المراسلين الحربيين العرب القلائل الذين يقومون بتغطية الحرب من خلال إقامة كاملة، كما قام بإعداد عدة حلقات عن الحرب الأفغانية واللاجئين الأفغان بثها تليفزيون قطر آنذاك، وأبلغني بعد ذلك أنها أدت إلى ردود فعل واسعة لدى القطريين حيث لم تكن الفضائيات قد انتشرت في ذلك الوقت.

 

لم أكن أعلم أن الأقدار ستجمع بيننا بعد ذلك بعشر سنوات حينما انتقلت للعمل في قناة الجزيرة وبعد وصولي إلى الدوحة بأيام قليلة التقيت مع علي الجابر أو الشيخ علي كما كنت أناديه دائماً وكما يناديه كثير من أصدقائه، فطيبة قلبه وبشاشته وتواضعه الجم وصوته الخفيض ومحبته للناس ونقاء قلبه وميله للدعابة باللهجة المصرية التي اكتسبها من دراسته وسنوات حياته في مصر كانت تجمع القلوب حوله وأبلغني أنه لم يفتقدني طوال السنوات فقد كان يتابع كتاباتي ومقالاتي من خلال مجلة «المجتمع» الكويتية التي انتقلت من باكستان في العام 1990 مديراً لتحريرها حتى انتقلت للعمل في قناة الجزيرة، جمعتني الأقدار مع علي عدة مرات في تصوير حلقات برنامج «شاهد على العصر» التي تستغرق عدة أيام وتحتاج إلى صبر ومثابرة وتعايش لعدة أيام بين فريق العمل كله وعادة ما تؤدي كذلك إلى ألفة وانسجام بين الفريق، ولعل الأقدار هي التي جعلت علي الجابرـ رغم أنه كان يعمل في تليفزيون قطر آنذاك - أن يكون أحد أفراد فريق التصوير معي في حلقات شاهد على العصر التي سجلناها مع مؤسس حركة حماس وزعيمها الشيخ الشهيد أحمد ياسين يرحمه الله حينما أفرج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي في شهر ديسمبر من العام 1997 وجاء في زيارة بعدها إلى الدوحة، وجاء اختيار علي الجابر رغم عمله في تليفزيون قطر ليصور الحلقات معي نتيجة نقص في كادر المصورين فأبلغني مدير قناة الجزيرة آنذاك محمد جاسم العلي أنه سيرتب لي فريق تصوير من تليفزيون قطر مع معداتهم وكان على رأس هؤلاء علي حسن الجابر وقد أسعدتني رؤيته وتوطدت علاقتي به بعد عدة أيام قضيناها في تصوير الحلقات وكأنها كانت تواصلاً للقائنا الأول قبل عشر سنوات في باكستان، أما آخر الحلقات التي قام بتصويرها معي وتم بثها فقد كانت مع عبد الكريم النحلاوي الذي قام بالانقلاب على الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961 وقمنا بتصوير هذه الحلقات في الدوحة في العام 2009 وكان علي قد انتقل في هذا الوقت للعمل في قناة الجزيرة كما شاركني الشيخ علي بعد ذلك تصوير حلقات أكثر من شاهد آخر على العصر لن أسميهم لأن حلقاتهم لم تبث حتى الآن ، وبين أول لقاء جمعنا في العمل عام 1998 وآخر لقاء جمعنا قبل أشهر قليلة كنت ألتقي مع الشيخ علي بشكل دائم في معظم الفعاليات التي كانت تقام في قطر وأحياناً خارجها كان يحمل الكاميرا التي عشقها وكان يعتبرها وسيلته لنقل الحقيقة إلى الناس كانت ابتسامته وتواضعه وتفانيه وطيبة قلبه مدخلاً رئيساً لقلوب من حوله ، ولد علي حسن الجابر - رحمه الله - في قطر عام 1955، حصل على درجة البكالوريوس ثم الماجستير في التصوير السينمائي من أكاديمية الفنون بالقاهرة فأحب مصر وأهلها وغالباً ما كان يداعبني باللهجة المصرية، وصلتني تعازي كثيرة في الشيخ علي لكني توقفت عند تعزية أرسلها لي الزميل خالد شمت مراسل الجزيرة في برلين، تظهر وده وطيبة قلبه ونفسه المعطاءة مما جاء فيها «لقد سمعت خبر اختيار الله تعالى هذه الموتة الكريمة للشيخ علي - رحمه الله - قبل صلاة العشاء، وحينما جمعت أسرتي للصلاة قلت لهم هذه السجادات الست التي سنصلي عليها أحضرتها لكم من قطر لكن الذي اشتراها لكم قد اختاره الله اليوم إلى جواره فأدعو الله أن يتقبله في عداد الشهداء.

 

والله أخي أحمد إنني حينما كنت في الدوحة في مايو الماضي، كان الشيخ علي رحمه الله يأتيني يومياً إلى الفندق بعد الظهر، ليصحبني - رغم مشاغله العديدة - إما ليعمل لي جولة بسيارته على معالم الدوحة، أو لشراء ما كنت أريد أن آخذه معي إلى أسرتي في برلين، وفي كثير من المرات كان يصر إصراراً شديداً - رحمه الله - على الدفع رغم ما كنت أظهره من رفض أشد، وفي ليلة سفري أردت شراء سجادات للصلاة فنبه علي - رحمه الله - من البداية أنه هو الذي سيسدد الثمن حتى يأتيه ثواب الصلوات التي ستؤدى على هذه السجادات، وما دمت أكتب هذه الكلمات إليك فلا يفوتني أن أشير إلى دعائه - رحمه الله - لك أمامي بأن يحفظك الله، وذكرك بالخير في كلمات لم تنم سوى عن حبه لك، حينما جاءت سيرتك في حديث عارض معه رحمه الله.

 

كذلك كان رحمه الله واحداً من قلائل ممن عرفت من العرب المحبين لمصر بإخلاص ويتذكر بود أيام دراسته في القاهرة، و كان لا يمزح معي إلا بلهجة أولاد البلد في القاهرة، وذكر لي أن قراءة مواقع الأخبار المصرية المعارضة يعتبر بندا رئيسيا في قراءاته اليومية، وأود أن أرجوك أن عزيت أحدا من أسرة الشيخ علي رحمه الله أن تنقل إليهم تعازي أسرة في ألمانيا كان للشيخ علي فضل عليها مثلما كان له رحمه الله أفضال على كثيرين». انتهى كلام خالد شمت وقد أبكاني حينما ذكر لي كلام الشيخ عني بظهر الغيب، وأود أن أشير هنا إلى أن هذه كانت أخلاقه وسلوكه مع جميع من عرفهم حينما يأتون إلى الدوحة، فقد كان كريماً مضيافاً يخفي ما يقوم به، وأود هنا أن أشير إلى شيء غير مبالغ فيه، والله شاهد عليه أنا لم أفاجأ بخبر استشهاد علي الجابر فهناك أناس تعرفهم في الحياة ولا تتعجب على الإطلاق حينما يختارهم الله شهداء فحسن الخاتمة أمنيتنا جميعاً، فنسأل الله أن يحسن خاتمتنا وأن يلهم أهله الصبر والسلوان ولا نقول إلا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون».

 

صحيفة الوطن القطرية