خبر هكذا توقعنا الثورة -هآرتس

الساعة 10:44 ص|14 مارس 2011

هكذا توقعنا الثورة -هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل وآفي يسسخروف

(المضمون: رئيس شعبة الاستخبارات الاسبق يقول ان الاستخبارات قدمت انذارا استراتيجيا بوقوع احتمالات لتغييرات كبيرة في الواقع العربي، ولكن التطورات سرقت لب القيادة في اتجاه آخر - المصدر).

        منذ بدء موجة الثورات في العالم العربي منذ بداية شهر كانون الثاني في تونس، تتلقى الاستخبارات الاسرائيلية الانتقاد في وسائل الاعلام. فقد زعم أن رجال الاستخبارات سجلوا فشلا مدويا في تحليل وتوقع التطورات. والتشديد هو على فشل المقدرين في البزات، دون صلة بان عمل نظرائهم، في كل اجهزة الاستخبارات الغربية، في الاكاديميا وفي اوساط المحللين في وسائل الاعلام، قد تكبد هزيمة مشابهة.

        فقد ادعى رجال الاستخبارات ردا على ذلك بان الاقتباسات عن اقوالهم عشية الاضطرابات اخرجت عن سياقها وشرحوا الصعوبة الكبرى في توقع ظواهر شعبية، لا تدار بشكل مراتبي وغير قابلة للقياس. اللواء احتياط اهرون زئيفي فركش الذي عمل كرئيس لشعبة الاستخبارات العسكرية في هيئة الاركان منذ نهاية 2001 وحتى بداية 2006، يسير خطوة واحدة أبعد. في حديث مع "هآرتس" يدعي بان خبراء شعبة الاستخبارات بالذات اجادوا في توقع السياقات في المنطقة. المعنى المتراكم للمعطيات وللتشخيصات التي زودوا بها القيادة السياسية، كما يقول زئيفي فركش، كان "انذارا استراتيجيا" بشأن تغييرات واسعة وذات مغزى في الشرق الاوسط.

        ويستند رئيس شعبة الاستخبارات الاسبق الى سلسلة وثائق عرضت على الحكومة، وزير الدفاع ورئيس الاركان قبل نحو سبع سنوات وعلى الاقل في حالة واحدة، الى اقوال قالها على الملأ ايضا. ففي حزيران 2003 حاضر زئيفي فركش في مؤتمر لاتحاد الغرف التجارية. وكان هذا بعد عدة اشهر من حدث هز الشرق الاوسط: اجتياح الولايات المتحدة للعراق واسقاط نظام صدام حسين. وحسب تحليله ففي تلك المحاضرة، ساد في الدول العربية منذ ذلك الحين "احباط من التفوق المطلق للغرب: عسكريا، تكنولوجيا واقتصاديا"، وقلق من استعداد ادارة بوش لاستخدام القوة لتجسيد قيمها. عدم التطابق بين الطرفين بارز، كما يدعي. الى جانب ذلك تتسع الفجوة الواسعة بين العرب والغرب.

        وعرض زئيفي فركش على مستمعيه سلسلة من المعطيات المقلقة: حجم ديمغرافي هائل، حيث ان 40 في المائة من السكان في الدول العربية هم ابناء 14 فدون. ضغط كبير في سوق العمل، مع مليون نسمة ينضمون كل سنة الى دائرة الباحثين عن العمل في مصر. واقتبس بتوسع عن تقرير وضعته قبل سنة من ذلك منظمة الامم المتحدة، والتي عرض الانظمة العربية في عريها. فقد جاء في التقرير ان الشرق الاوسط يتخلف في كل المقاييس ذات المعنى حتى بالقياس الى جنوب امريكا وشرق آسيا. والاسباب الاساسية: انعدام الحرية السياسية وحرية التعبير، المكانة المتدنية للنساء، الدور الضيق للنساء في الحياة الاقتصادية ومنظومة اشكالية لاكتساب المعرفة. وفي المحاضرة شدد على اهمية المحطات الفضائية العربية (كان هذا قبل ان يقتحم الفيس بوك والتويتر حياتنا). وقال ان المحطات هي وسائل لتجاوز الرقابة التي تستخدمها الانظمة العربية على مواطنيها.

        تقويم الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية للوضع للعام 2004 – والذي عرض على حكومة ارئيل شارون قال امورا مشابهة. فقد جاء في احد بنود هذا التقويم ان الشرق الاوسط هو "قنبلة موقوتة اجتماعية، اقتصادية ودينية". الكراهية للولايات المتحدة كبيرة، الانظمة العربية لا تؤدي مهامها ويظهر بوضوح في الدول العربية الغياب التام للصلة والالتزام بين الحكام ورعاياهم. وتعاني المنطقة من قلة الزعماء ذوي القامة والقدرة على القيادة.

        في نظرة الى الوراء، يرى زئيفي فركش جذور ربيع الشعوب العربية في الاجتياح الامريكي للعراق في 2003 وفي محاولة ادارة بوش تحريك مسيرة تحول ديمقراطي في المنطقة. تقدير شعبة الاستخبارات للحكومة في العام 2004 هو في نظره "جرس انذار جدي. قدمنا انذارا استراتيجيا قبيل السياقات بشكل واضح وحاد.  أم متى سيحصل هذا فلم يكن بوسعنا ان نعرف، بل ليس ممكنا المعرفة ابدا. منذ ذلك الحين وقعت عدة امور اخرى، مثل ضعف الرئيس المصري حسني مبارك ومرضه وتأثير الشبكات الاجتماعية على الانترنت. التطورات التكنولوجية وفرت خشبة قفز محسنة للتنظيمات الشعبية".

        كل هذا، بالطبع، هو حكمة بعد فوات الاوان. معظم رجال الاستخبارات الكبار يميلون الى ذلك بقدر ما: تأكيد النجاح في التوقع، في ظل التجاهل او التقليل باثر رجعي من قيمة الاخطاء المرتكبة (وكهذه لا تنقص في كل مجال مهني ينطوي على اصدار توقعات). المسألة ليست فقط اذا كانت قيلت الامور، بل بأي شدة، بأي تواتر وكم انصاتا كان للقادة حين عرض عليهم تحليل للظواهر معمق ومتواصل، وليس فوريا. تقديرات شعبة الاستخبارات عرضت على القيادة السياسية قبل نهاية المرحلة العاصفة من الانتفاضة الثانية، عندما بدأ الجيش والمخابرات الاسرائيلية يتغلبان في المعركة حيال الارهاب الفلسطيني.

        بعد وقت قصير بدأت فترة لا تقل دراماتيكية: فك الارتباط، حرب لبنان الثانية، قصف المفاعل السوري وحملة "رصاص مصبوب". السياسيون، مثل رجال الاستخبارات، عادوا ليركزوا على المسائل الاكثر الحاحا. تحليل السياقات الاقليمية لا بد دحر الى مكان متدن في سلم الاولويات.

        وزير الدفاع، ايهود باراك، شرح هذا الاسبوع في مقابلة مع "وول ستريت جورنال" بان اسرائيل ستحتاج الى مساعدة امنية اضافية من الولايات المتحدة، بمبلغ نحو 20 مليار دولار، في ضوء الواقع الجديد في الشرق الاوسط. وزئيفي فركش لا يتأثر بمنطق باراك. اسرائيل كما يخشى، عالقة في تفكير تميزنا به قبل عشرين سنة، وكأن كل مشاكلنا يمكن ان نحلها بمزيد من الدبابات وبسلاح جو قوي. قسم هام من المشاكل اليوم مختلف ويرتبط بعزلتنا الدبلوماسية في العالم، بحملة نزع الشرعية، بانعدام الفعل السياسي للحكومة".

        في التطورات  الاخيرة في المنطقة يرى خليطا من الاحداث المقلقة والمشجعة، مدى تأثير اسرائيل عليها متدن. حيال الفلسطينيين، بالمقابل، مطلوب برأيه فعل. "تواكلنا مقلقة للغاية. سلام فياض (رئيس وزراء السلطة) هو رجل جدي جدا يعنى ببناء دولة. قسم كبير مما وعد بعمله في خطاباته قبل سنة ونصف، بالفعل قام بها. أجد صعوبة في أن ارى اليوم كيف يمكن الوصول الى اتفاق دائم مع الفلسطينيين في الزمن القريب القادم، في ضوء الفوارق في المسائل المركزية – القدس، الحدود واللاجئين – والانقسام بين الفلسطينيين في الضفة والقطاع. ولكن يوجد بالتأكيد ما يمكن الحديث فيه.

        "على اسرائيل أن تتخذ المبادرة لتسوية انتقالية لدرجة منح سيطرة للسلطة في القسم الاكبر من الضفة الغربية. لقد أثبت الفلسطينيون قدرة سيطرة امنية على الارض. في الواقع الحالي، تسوية انتقالية تبدو لي بانها الحل العملي الوحيد الذي يمكن الوصول اليه بسرعة نسبية".

        نفط وغضب

        يوشك هذا أن يكون اسبوع آخر في مؤشر مارك تسوكربرغ في الشرق الاوسط، ربما بحقنة أعلى مما كان في الشهرين الماضيين. منذ اليوم يخطط في أرجاء السعودية لمظاهرات احتجاج، نظمت من خلال صفحة الفيس بوك المسماة "يوم غضب" ضد النظام. حتى أول امس احصينا الى اكثر من 31 الف شخص "لايك" على الصفحة.

        يوجد فارق كبير بين "لايك" في الفيس بوك وبين مجرد المشاركة في مظاهرات تحظر السلطات قيامها. مدى استعداد السعوديين للمخاطرة سيتضح. الحكم في الرياض حرص هذا الاسبوع على أن ينقل قوات كبيرة من الشرطة والجيش الى المناطق الشيعية في شرقي الدولة، حيث ستجرى المظاهرات مطالبة بتحرير السجناء الذين اعتقلوا بسبب مشاركتهم في طقوس يوم عاشوراء. في واشنطن، مثلما في عواصم اخرى في العالم، يتابعون بقلق خاص ما يجري في السعودية خشية هزات كبرى تحدث عدم استقرار هناك في سوق النفط العالمي. في 13 اذار سيعقد معسكر 14 اذار مهرجانا كبيرا في ساحة الحرية في بيروت احتفالا بالذكرى السادسة لاقامة الحركة اللبنانية التي تأسست بعد شهر من اغتيال رئيس الوزراء الاسبق، رفيق الحريري.  المعسكر، الذي جمع معارضي سوريا وحزب الله، نجح في تلك السنة في طرد القوات السورية من الاراضي اللبنانية والتقليص المؤقت لنفوذ دمشق في الدولة.

        ابن رفيق، سعد الدين الحريري، وحلفاؤه يقودون تنظيم المظاهرات ضمن امور اخرى من خلال الفيس بوك. وقد قرر الحريري الابن عقد الحدث بالذات يوم الاحد وذلك كي يجند عددا كبيرا من المشاركين في يوم عطلة المسيحيين في الدولة. وهذا جزء من محاولته الاشارة لحزب الله والاسرة الدولية بان المعارضة لا تزال حية ترزق في لبنان. ولكن منذ سقوط حكومته العام الماضي، فان الحريري، كباقي سكان لبنان يشهد الشكل التدريجي ولكن المصمم الذي يستكمل فيه حزب الله سيطرته على المؤسسات السياسية في الدولة. دون عيارات نارية، عمليا دون استخدام ظاهر للقوة، نجحت المنظمة الشيعية في أن تعين رئيس وزراء من شركائها السياسيين (نجيب نيقاتي)، بينما تستعد لامكانية مواجهة عنيفة اخرى مع اسرائيل.

        التوتر في لبنان لا يزال على حاله ايضا. مع نهاية الشهر يفترض بالمحكمة الدولية في لاهاي أن تنشر تفاصيل اخرى عن التحقيق في قضية اغتيال الحريري الاب. اغلب الظن هذه المرة ايضا لن يشار الى اسماء المشبوهين، ولكن النشر كفيل بان يلحق حرجا كبيرا لحزب الله. يحتمل ان يكون هذا احد اسباب قرار المنظمة البقاء في الظل مؤخرا.

        يبدو أن حزب الله غير معني باحتكاكات مسبقة في الساحة اللبنانية. يحتمل أن تتخلى المنظمة عن تعيين وزراء جدد من بين اعضائها في حكومة نيقاتي وتكتفي بتعيين تكنوقراطيين يرتبطون بها.

        الهلال السني

        في 15 آذار سينطلق انتظام آخر في الفيس بوك، هذه المرة فلسطيني. منذ عدة اسابيع7 ومجموعة من الشباب تدعو عبر الانترنت لمظاهرات في الضفة وفي القطاع يوم الثلاثاء، مطالبة بالمصالحة بين فتح وحماس. احد المنظمين، محمد يوسف من غزة، شرح بان هدف المظاهرات ليس اسقاط أي من النظامين الصقريين. "نحن بالاجمال ضد الانقسام"، ادعى بل ودعا زعماء الحركتين الى القاء كلمات امام المشاركين. مسؤولون كبار في فتح وفي حماس بالفعل من المتوقع ان يشاركوا في المهرجانات. ولا بد أن الطرفين سيعربان عن التزامهما بوحدة الصف الفلسطيني، ولكن احتمالات أن تترجم هذه الفكرة الى افعال في الزمن القريب القادم متدنية.

        ليس للسلطة الفلسطينية الكثير من اسباب الرضى هذه الايام. رغم الخطة الفلسطينية لاعلان من طرف واحد عن دولة في الخريف القادم، فان الرئيس محمود عباس (ابو مازن) ورجاله يشعرون بانهم عالقون. فقد فقدوا مؤخرا الحليف الاهم لهم في الشرق الاوسط، حسني مبارك. المفاوضات للسلام مع اسرائيل تجمدت وعباس لا يؤمن بامكانية اختراق سياسي مع اسرائيل طالما بقيت التركيبة الحالية للائتلاف في القدس.

        مؤيد آخر، الملك الاردني عبدالله الثاني، غارق في مشاكله الداخلية مع المعارضة الاسلامية (الفلسطينية في معظمها) ولكن ايضا مع محافل معارضة من اوساط العشائر البدوية.

        اما الولايات المتحدة فلم تعد تعتبر جهة يمكن الاعتماد عليها. مكانتها ضعفت جدا، ليس فقط في نظر الفلسطينيين بعد الفيتو في مجلس الامن ضد مشروع قرار شجب المستوطنات، ولكن في نظر العالم العربي بأسره. في العديد من الدول العربية فسروا التصريحات الامريكية القاطعة ضد مبارك، في اواخر حكمه كخيانة لشريك هام.

        الخليط بين التاريخ الموعد للاعلان، الجمود السياسي ونجاح الثورات في الدول المجاورة، من شأنه أن يزيد من احتمال اندلاع عصيان مدني ضد اسرائيل، "انتفاضة بيضاء" اقل عنفا. هذا يحتمل أن يحدث قبل ايلول. حاليا تنقص الشرارة التي تشعل النار، ولكن من شأن هذا ان يحصل حتى في أعقاب حدث محلي، جراء حدث كثير الاصابات بين الفلسطينيين والمستوطنين وحتى الاستفزاز على خلفية دينية.

        كبار رجالات السلطة يفهمون بان الكفاح غير العنيف سيكسبهم عطفا لا بأس به في الاسرة الدولية. من الصعب التصديق بان الاجهزة الخاضعة لعباس وفياض ستجتهد لوقف مسيرات جماهيرية غير عنيفة نحو المستوطنات، مواقع الجيش الاسرائيلي او جدار الفصل. الاسم "غاندي"، مهاتما غاندي، يذكر مؤخرا كثيرا في الحوار الداخلي الجاري في حركة فتح. مع ذلك، فان نشطاء في الحركة يعترفون بان قادتها سيجدون صعوبة في السيطرة على الكفاح بشكل يمنع انزلاقه الى مواجهة مسلحة مثلما حصل قبل عقد، مع اندلاع الانتفاضة الثانية في ايلول 2000.

        في غزة يجد كبار مسؤولي حماس صعوبة في اخفاء رضاهم مما يجري في مصر المجاورة. فليس عدوهم اللدود وحده نزل عن المنصة، بل معه انصرفت من الحكم مجموعة مساعدين ومقربين رأوا في المنظمة الفلسطينية خطرا. القيادة الجديدة في مصر، مهما كانت، ستبدي في كل الاحوال معاملة اكثر ودا مع الجيران الغزيين. وستجد الامور تعبيرها على ما يبدو في الفترة القريبة القادمة، مع الاعلان عن التسهيلات الواسعة في حركة الاشخاص والبضائع في معبر رفح.

        رجال حماس يعتبرون مؤخرا ايضا، في نظر الاخوان المسلمين في مصر كمستشارين مجربين في كل ما يتعلق بالسلوك السلطوي وبين الحركتين الشقيقتين تجري اتصالات مكثفة. الى جانب ذلك توثقت العلاقة بين الاخوان المسلمين في مصر وفي الاردن. وبالتدريج ينشأ في المنطقة "هلال سني" متطرف للغاية، بعد عدة سنوات من تبلور ما اسماه عبدالله ملك الاردن "الهلال الشيعي" الذي ضم ايران، حزب الله والحركات الشيعية في العراق.

        في الحالة الراهنة، لا يدور الحديث عن محورين متنافسين. ايران تحرص منذ الثورة في مصر على تثبيت وتعميق علاقاتها بالاخوان المسلمين هناك. الى جانب تأثيرهم على حماس السنية في غزة، يبدأ الايرانيون في ان يبلوروا لاول مرة ما يلوح كمحور شيعي – سني مشترك ومتطرف، ينجح بقدر كبير في تجاوز الخصومات الطائفية.