خبر بين القاهرة ورام الله -إسرائيل اليوم

الساعة 09:29 ص|13 مارس 2011

بين القاهرة ورام الله -إسرائيل اليوم

بقلم: حيمي شليف

(المضمون: قبيل الانتخابات المتوقعة في الصيف في مصر وفي السلطة الفلسطينية والمواجهة المرتقبة في الجمعية العمومية للامم المتحدة، فان الهدوء في الضفة يبدو فجأة هشا - المصدر).

        العيون تتطلع الان الى صراع البقاء الوحشي للقذافي في ليبيا ولـ "يوم الغضب" ضد الاسرة المالكة في السعودية، ولكن وراء الافق بقليل بات ممكنا ان نلاحظ بان هلال الانتفاضة العربية للعام 2011، من ناحية اسرائيل يبدأ في بداية الصيف ويصل الى ذروته في 13 ايلول، يوم افتتاح الدورة الـ 66 للجمعية العمومية للامم المتحدة، وما سيفسره الكثيرون كأمر رمزي غير مصادف، في التاريخ الذي سنحيي فيه الذكرى للتوقيع على اتفاقات اوسلو.

        حسب الجدول الزمني الذي سيرفع قريبا لاقرار الاستفتاء الشعبي، اذا لم تطرأ تغييرات في اللحظة الاخيرة، في حزيران ستجرى في مصر الانتخابات للبرلمان، وفي آب الانتخابات للرئاسة. في منتصف ايلول، في أبعد الاحوال سنعرف اذا كانت مصر اجتازت العراقيل الاولى في الطريق الى الديمقراطية واذا ما انتجت هذه التجربة نظاما تسيطر فيه الحركة الاسلامية، مثلما يتوقع المتشائمون في اسرائيل او ربما ديمقراطية متعددة الاحزاب تبث ايجابا أثرها على العالم العربي بأسره.

        في السلطة الفلسطينية تقرر جدول زمني مشابه جدا، على الاقل في الضفة، مع انتخابات بلدية يزمع عقدها في 9 تموز وانتخابات للرئاسة يفترض أن تجرى في ايلول. اهم من ذلك هي حقيقة أن قيادة م.ت.ف حددت ايلول بانه شهر "إما نكون أو لا نكون" والذي في ذروته، حسب خطتهم، سيرفع الى الجمعية العمومية الاقتراح للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في حدود 67.

        على هذه الخلفية يتعاظم الان التقدير بان الهدوء النسبي الذي عشناه في السنوات الاخيرة سيصبح قريبا من نصيب الماضي، على فرض معقول بان مسيرة سياسية ذات مغزى لن تكون بين القيادة الفلسطينية الحالية والحكومة الاسرائيلية الراهنة. رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض نجحا حتى الان في احباط ارادة "السجين رقم واحد" مروان البرغوثي وغيره، لاخراج الفلسطينيين في مظاهرات احتجاج في الشوارع. ولكن مع احتدام الحملة الانتخابية ومع تصاعد الصراع الداخلي في حركة فتح، من المعقول الافتراض بان ضبط النفس الحالي لن يصمد. فالبرغوثي، مثلا، يقترح حشد الاف المتظاهرين في اعتصام طويل في واحد من طرق الوصول الى المستوطنات، دعوة ممثلي وسائل الاعلام الدولية الى هناك – والانتظار. في هذه الظروف، كما يعترف قادة الجيش الاسرائيلي منذ الان، ستعلق اسرائيل في مشكلة عسيرة، في الميدان وعلى الشاشة الصغيرة في ارجاء العالم على حد سواء.

        المفارقة هي أن بالذات تدهور الوضع الاستراتيجي لاسرائيل – التعاظم الكبير للاخوان المسلمين في مصر مثلا – سيساعد في التخفيف من عزلتها السياسية، بينما النجاح المصري في استقرار ما يراه العالم كديمقراطية نظامية سيزيد الضغط على القدس للمساهمة في تحقيق هدوء سياسي لتوفير الاستقرار للمنطقة.

        الفلسطينيون، من جهتهم، من شأنهم في الاشهر القريبة القادمة ان يقرروا بانه حان الوقت للعب بورقة "الانتفاضة غير العنيفة" التي بقيت في كمهم – اذا كانوا قادرين على ذلك – من أجل اسناد الخطوات السياسية وتحقيق ما يشكل بالنسبة لهم "ضربة قاضية" سياسية لاسرائيل في مداولات الامم المتحدة.

        تحديد السنة القريبة القادمة كـ "سنة حسم" اصبح كليشيه، ولكن العام 2011 له كل المعطيات لتحقيق التوقع، وفي هذه الايام تبدأ اعمال جس نبض تؤدي الى المعركة المركزية، في موعد ما في بداية السنة العبرية القادمة. السنة تبدأ في منتصف ايلول، كتبت المغنية استر شمير عن بداية شتاء شنيع آخر، في العام 1982: "كل الصيف السماء كانت أحمر من الالم، ومن تحتها الارض اشتعلت".

        عنصر الخوف

انطوني بوبالو، هو دبلوماسي استرالي سابق خدم في سفارات بلاده في السعودية وفي اسرائيل وقضى فترات طويلة في الدول العربية في اطار مهامه كباحث كبير في معهد فرانك لوي للسياسة الدولية في سدني. مؤخرا نشر بوبالو مقالا عن الانتفاضات في العالم العربي التي تنجح، برأيه، في احداث بعض الترتيب في الامور.

        ضمن امور اخرى، يقترح بوبالو مفتاحا لفحص احتمالات النجاة للانظمة الحالية في العالم العربي، حسب ثلاثة عناصر: طول الزمن الذي يوجد فيه الحاكم في السلطة، قدرته على التعاطي مع احتياجات سكانه وقدرته على ممارسة وسائل القمع القوية حيال معارضيه.

        حسب هذه المعايير، يمكن تقسيم العالم العربي الى ثلاث مجموعات خطر اساسية. في مستوى الخطر الاعلى توجد، بالطبع، مصر وتونس، ولكن ايضا اليمن، ليبيا (رغم وحشية القذافي) والجزائر (رغم أن رئيسها في الحكم منذ زمن قصير نسبيا).

 في المجموعة الثانية توجد دول صلاحيات الحاكم فيها لا تزال قوية نسبيا – كالاردن والمغرب؛ او دول قدرة النظام فيها الاقتصادية على الاستجابة لاحتياجات المواطنين – مثل الكويت – او دول ممزقة عرقيا، مثل لبنان والبحرين، حيث بعض الاقليات تقف الى جانب الحكم، للحفاظ على نفسها. في هذه المجموعة توجد بالطبع أيضا سوريا، السودان وايران، التي زعماؤها، كما هو معروف، قادرون على استخدام وسائل قمع متطرفة.

بين المجموعة الثانية والثالثة يصنف بوبالو السعودية، التي حكامها وان كانوا في الحكم منذ زمن بعيد الا انهم لا يزالون قادرين على الاحسان للشعب وقمعه بوحشية في ذات الوقت. في المجموعة الثالثة تقع بالتأكيد امارات الخليج لقطر واتحاد الامارات.

ولكن بعد تحليله العقلاني يعرض بوبالو ايضا العنصر غير القابل للقياس والذي لا غنى عنه، وهو يقتبس في هذا الشأن الصحفي البولندي ريتشارد كوبتشنسكي، الذي اختص على مدى اربعة عقود بتغطية الثورات في العالم الثالث قبل وفاته منذ بضع سنين. فقد كتب عن الثورة في ايران في 1979: "ولكن هذه المرة الامور تتطور على نحو مختلف الشرطي يصرخ ولكن الرجل لا يتحرك من مكانه. هو ببساطة يقف هناك، ينظر الى الشرطي، مع خوف في العينين، ولكن ايضا باستفزاز. توجد لحظة هدوء في الشارع. لا ندري اذا كان الشرطي او الرجل بشكل عام يفهمان ماذا حصل للتو. الرجل كف عن الخوف – وهذه هي بداية الثورة".

الثورات الشعبية لا تحصل فقط بسبب قرارات يتخذها متآمرون في غرف مليئة بالدخان، كما يشير بوبالو، ولا حتى بنقرات على لوحة مفاتيح حاسوب لنشطاء في الشبكة على الفيس بوك. الثورات تفشل او تنجح في لحظات غير متوقعة وغير مخططة على الاطلاق. في ايران 1979، مثلما في مصر وفي تونس 2011، هذا حصل لانه في لحظة واحدة، غير قابلة للتوقع، الخوف ببساطة اختفى.