خبر جامعة تل ابيب والجامعة العبرية في حرب آثار.. هآرتس

الساعة 09:51 ص|11 مارس 2011

بقلم: نير حسون

(المضمون: عالَم علم الآثار في عاصفة: يتهم باحثون من جامعة تل ابيب نظراءهم من الجامعة العبرية بنهب آثار على خلفية جدل قديم في وجود مملكة داود - المصدر).

هو تل معروف جدا للأكثرين بأنه "تل الترمس"، وهو تل صغير في "عيمق هأله" مغطى في هذه الايام بأزهار بنفسجية مُسكِرة للترمس ويجذب متنزهين كثيرين. لكن هذا التل هو ايضا ميدان الصراع الأشد سخونة في علم الآثار الاسرائيلي اليوم: نشب الصراع بين علماء الآثار من جامعة تل ابيب وبين نظرائهم من الجامعة العبرية في القدس. والسبب المباشر هو سؤال من يحصل من سلطة الآثار على رخصة الحفر في التل المزهر، لكن خلفية الصراع هي الجدالات العقائدية المستمرة منذ عشرات وربما حتى آلاف السنين منذ ايام الملك داود. وبلغت ذروة ذلك قبل شهر ونصف برسالة أرسلها عالم آثار رفيع المستوى من جامعة تل ابيب هو البروفيسور عوديد ليبشيتس الى سلطة الآثار اتهم فيها البروفيسور يوسي غرفنكل من القدس بما لا يقل عن السطو على الآثار.

قوة اقليمية أم قرية

بين أهم قسمين لعلم الآثار في اسرائيل تنافس منذ عشرات السنين. يمكن بخطوط قاسية أن نصف الجدل المبدئي بين جماعتي الباحثين بأنه جدل بين الباحثين المقدسيين الذين يرون الكتاب المقدس أداة تفسير جيدة للآثار ويجدون آثارا تُقوي ما ورد في الكتاب المقدس في احيان كثيرة؛ وبين الجماعة من تل ابيب، برئاسة خبير الآثار يسرائيل فنكلشتاين المُسماة "ذوي الحد الأدنى" التي ترى الكتاب المقدس في أحسن الحالات منشورا للعبادة والسياسة كُتب بعد مئات السنين من الأحداث لا مُستمسكا حقيقيا في الواقع التاريخي.

فعلى سبيل المثال ترى الجماعة المقدسية الكشف عن قصر داود وسور سليمان في القدس، وفي الحفر في مدن حصينة مثل مجدو، شهادة على قوة المملكة المتحدة. وعلى الهيئة نفسها تشهد كتابات منقوشة في الخزف على حياة مكتبية نشيطة. وأكثر نقاط الاختلاف بروزا هي مسألة حقيقة وجود مملكة داود وسليمان الموحدة في القرن العاشر قبل الميلاد باعتبارها قوة اقليمية كما توصف في الكتاب المقدس.

في مقابلة الباحثين من الجامعة العبرية، يرى الباحثون من تل ابيب ان المملكة المتحدة كانت في الأكثر عددا من القرى سيطرت عليها قرية كبيرة اسمها القدس. "لا أعتقد انه يوجد مكان آخر واحد في العالم كانت فيه مدينة بنيتها التحتية المادية كانت بائسة جدا نجحت في إحداث طوفان كهذا لمصلحتها كالقدس"، أوضح البروفيسور فنكلشتاين في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" في 2008، بيّن أسس نظرية الحد الأدنى. "حتى في ايام عظمتها كانت (القدس) نُكتة، قياسا بمدن آشور أو بابل أو مصر، كانت قرية جبلية نموذجية". ومع ذلك من المهم أن نذكر أن ثمة باحثين في الجامعتين يؤمنون خصوصا بتوجه يعاكس المسيطر حولهم.

ينصب هذا الجدل كله في هذه الايام في ذلك التل في "عيمق هأله" عند أطراف جبال يهودا. تم مشروعان أثريان كبيران في السنين الاخيرة في هذا الوادي: تم أحد اعمال الحفر في خربة قيافة على يد غرفنكل من القدس، واستطلاع آخر في تل عزقة على يد ليبشيتس من تل ابيب. وجد كل واحد منهما تصديقات للنظرية التي يؤيدها بحفره، وهما الآن يتشاجران على رخصة الحفر في الموقع الثالث الذي قد يحسم الجدل. يقولون في سلطة الآثار انه لا تُتذكر حالة طلب فيها حافران رخصة لعمل الحفر نفسه. إن من سيضطر الى حسم الجدل هو المدير العام لسلطة الآثار، شوكي دورفمان.

بلغ حفر البروفيسور غرفنكل في تل يقافة العناوين الصحفية عدة مرات في السنين الاخيرة. ففي تشرين الاول 2008 نشر الباحثون المقدسيون في قيافة انهم وجدوا خزفا وعليه كلمات يمكن ان تُعرّف بأنها أقدم كتابة عبرية. وبيّنت نتائج اخرى انه قد قامت في قيافة قلعة قوية. وقد عززت النتائج بحسب تصور غرفنكل المقدسي، حقيقة وجود مملكة قوية مسيطر عليها من القدس في القرن العاشر قبل الميلاد، أي في ذروة قصر داود وسيلمان. وقد قامت القلعة كما قال على خط الحدود الغربي للمملكة المقدسية. أثارت هذه النتائج بحسب كلام غرفنكل غضب الزملاء من تل ابيب. "على حسب التراث، لم تحفر الجامعة العبرية في منطقة يهودا. اختصوا في تل ابيب بهذه المواقع، وأتيت فجأة خربة قيافة وفي خلال سنة واحدة دمرنا لهم كل نظريات الحد الأدنى لاننا وجدنا مدينة حصينة"، يقول غرفنكل، "ومنذ ذلك الحين يحاولون التعرض لي بالأذى وبدل أن يوجد جدل علمي يستعملون حيلاً قذرة".

تبدو الامور من تل ابيب مختلفة. فالبروفيسور ليبشيتس خاصة يثني على عمل غرفنكل المهني ويعلن ايضا بأنه يوافق على أكثر استنتاجاته. "لا جدل في انه كانت هناك قلعة. السؤال هل يبرهن هذا الموقع على وجود مملكة يهودا ووجود حياة ادارية أم انه موقع يُنسب الى منطقة الغور"، يقول ليبشيتس. والكتابة على قطعة الخزف كما يرى ليبشيتس، هي كتابة قبل الكنعانيين العلاقة بينها وبين العبرية وبينها وبين القدس ضعيفة الى درجة أنها غير موجودة. "إن قطعا خزفية كهذه على الخصوص لم توجد في الجبل بل في الغور"، يقول ليبشيتس. نظرية ليبشيتس ان الموقع كان لكيان سياسي صغير في منطقة الغور ذي حضارة كنعانية.

رسالة الى سلطة الآثار

يُدير ليبشيتس وأفراد جامعة تل ابيب مشروعا أثريا واسعا ذا عمر مديد في منطقة "عيمق هأله". اشتمل المشروع على الحفر الأثري في تل عزقة، وعلى استطلاع في تل سخاه، واستطلاع بواسطة الاقمار الصناعية، وبحث في المنطقة بحسب خرائط عثمانية وغير ذلك. لهذا كان من الطبيعي في نظرهم الحصول على رخصة الحفر الأثري في تل سخاه. "كانت المفاجأة عندنا انهم قدموا في القدس طلبا للحفر الأثري هناك. ليس من المقبول ان يحفر خبير آثار في موقعين كبيرين على التوازي، وما زال يوسي لم يُنه الحفر في قيافة. لكن لا حرب بيننا. اذا حصل غرفنكل على رخصة الحفر فسنأسف لكن سنقول لا بأس ونستمر قُدما"، يقول ليبشيتس.

نشب الصراع الحقيقي في الحقيقة بعد أن اتهم ليبشيتس غرفنكل بالحفر بلا رخصة وبالسطو على الآثار في موقع في سخاه. في رسالة أرسلها ليبشيتس الى رئيس مجال الاستطلاع والحفر الأثري في سلطة الآثار، الدكتور جدعون أفني، كتب انه بيّنت جولة استطلاع للموقع الذي نُفذت فيه اعمال حفر أثري لم يُرخص بها وهو يوجه اصبع الاتهام الى المقدسيين. كان الأثر المُجرم زجاجة ماء عليها اسم واحد من شركاء غرفنكل كان موجودا في أحد اعمال الحفر. "أريد أن أُذكرك بأن الرخصة بالاستطلاع الأثري لا تمنح أي موطيء قدم في الموقع الأثري ولا تُمكّن من الحفر في التل. أرى هذا نقضا واضحا لشروط الرخصة وأطلب أن تتخذ سلطة الآثار جميع الوسائل لفحص كيف يجري نقض واضح جدا لشروط الرخصة. أحتفظ لنفسي بامكانية استعمال وسائل اخرى في مواجهة هذا النقض الواضح لقانون الآثار..."، كتب ليبشيتس الى أفني.

حصل الطرفان من سلطة الآثار على رخصة اجراء استطلاع أثري يعني رسم خرائط وجمع آثار من فوق سطح الارض دون حفر. يزعم ليبشيتس ان المقدسيين برئاسة غرفنكل نقضوا الرخصة وحفروا. "حرصت على ألا أتجاوز مستوى كف الجرافة"، يقول ليبشيتس، "لكنني عندما جُزت هناك رأيت أن شخصا ما حفر مربعات وتوجهت الى السلطة ليستوضحوا من فعل ذلك".

يرفض غرفنكل وآخرون في الجامعة العبرية الادعاءات بقوة ويُبينون أن اعمال الحفر تمت على أيدي ناهبي آثار جاءوا من المناطق. "لا يعلم عوديد ليبشيتس كيف يُفرق بين الحفر وبين النهب"، يقول غرفنكل في غضب. "يزعم أننا أجرينا حفرا غير قانوني لأنه رأى أننا حفرنا في الموقع، لكن الذين حفروا هم ناهبون لأن هذا الموقع قريب من مكان ينتهي عنده جدار الفصل. إن الكلام الذي يُذيعونه ببساطة إساءة سمعة، ومن السخيف أن التل ابيبيين يتظاهرون بمظهر القوزاقي السليب". رفض أفني ايضا من سلطة الآثار الادعاءات وقال في رسالة رد على ليبشيتس إن الحديث عن اعمال حفر لناهبي آثار. "يبدو لي في ظاهر الامر أن جزمك المطلق أن الحديث عن اعمال حفر تمت على أيديهم مع نقض لشروط الرخصة متسرع وليس له قاعدة حقائقية"، كتب أفني ردا على الرسالة.