خبر جسر الى الجحيم.. معاريف

الساعة 09:50 ص|11 مارس 2011

بقلم: شالوم يروشالمي

(المضمون: جسر المغاربة في مدخل الحرم كان ولا يزال جسرا للاضطرابات الدينية والوطنية بين اليهود والمسلمين - المصدر).

هذا هو جسر المغاربة الذي يربط ساحة الحائط الغربي (المبكى) والحرم. الموبئة الامامية والجمالية هذه لا تستوي مع المنطق. فالحديث يدور عن جسر خشبي متهالك يوشك على الانهيار في كل عاصفة. الجسر يقوم على أعمدة حديدية صدئة، تستهلك نصف المساحة الضيقة على أي حال لساحة النساء في المبكى. من فوق الجسر، كي يضاف الى بشاعته، نصبت الواح من الصاج لتحمي ظاهرا الحجاج الى الحرم من المطر والشمس. ويضاف الى كل هذه المشاكل، فان رئيس بلدية القدس نير بركات يعلن في نص رسمي نشر قبل اسبوع بان الجسر ليس قانونيا على نحو ظاهر، ولهذا فيجب هدمه فورا وبناء آخر مكانه.

حتى هنا يبدو كل شيء بسيطا. فما المشكلة في هدم الجسر وبناء آخر مستقر مكانه، يحترم المكان المقدس الذي يجتذب اليه ملايين الاشخاص على مدى السنين؟ ولكن احدا لا يتجرأ على لمس الجسر. الجميع على ما يبدو ينتظرون انهياره على رؤوس المصلين في ساحة النساء، او على المصلين الاصلاحيين الذين يحتشدون في الجانب الاخر من الجسر، قرب قوس دافيدسون. امكانية ثالثة: الجسر سينهار عندما تصعد اليه قوات من الشرطة ثقيلة الوزن لفرض النظام في ساحة الحرم، مثلما حصل عشرات المرات في الماضي. في مثل هذه الحالية فان مصيبة جسر المكابية ستبدو هامشية حتى تافهة.

ضربة بركات

على طاولة سكرتير الحكومة تسفي هاوزر وضعت رسالة بعث بها اليه الاسبوع الماضي صندوق تراث المبكى، تطلب الشروع فورا في اعمال البناء والترميم. وتستعرض الرسالة رخصة البناء للجسر الجديد، والتي اجتازت كل الاجراءات الادارية المضنية: لجنة محلية، لجنة لوائية، لجان استئناف، المحاكم وكل ما تبقى. امكانية أن يستجيب رئيس الوزراء لطلب الصندوق هزيلة للغاية، ولا سيما هذه الايام. فلا بد أن نتنياهو يتذكر مغامرته السابقة في حائط المبكى في ايلول 1996. فقد صادق رئيس الوزراء بفتح المخرج. وفي اضطرابات النفق قتل 17 جنديا اسرائيليا وقرابة 100 فلسطيني.

وفضلا عن ذلك، فان نتنياهو يرى امام ناظريه رئيس البلدية بركات الذي يحثه على هدم الجسر، فيصاب بالصدمة. من ناحيته، يدور الحديث عن جهة معادية، شخصية غير مرغوب فيها، شريك كبير في محاولات اسقاطه منذ بداية الولاية. نتنياهو ورجاله يتابعون نشاط بركات بسبع عيون. وهم يرونه يرتبط مع ايال اراد ومع آرتور فينكلشتاين، المستشارين الاستراتيجيين اللذين توجد لهما ايضا اجندة شخصية ضد نتنياهو. اراد يعمل مع كديما. فينكلشتاين يعمل اليوم مع بركات وكذا مع مجلس "يشع" للمستوطنين، الذي يحث نتنياهو في حملته الجديدة على أن يبني "ابني يا بيبي، ابني". هناك من يعتقد بان بركات سيتنافس بعد ست سنوات على رئاسة الوزراء، وميراتونه بدأه الان.

من ناحية نتنياهو، بركات هو مشعل الحرائق الوطني، وليس دوما على اساس موضوعي. في بداية الولاية ورط بركات العلاقات مع الامريكيين في اعقاب مخططات البناء الجديدة في سلوان، والتي احدثت صدى دوليا. بعد ذلك كان شريكا في اقرار مخططات بناء لاحياء جديدة، نشرت في لحظات محرجة جرت فيها محاولات لدفع المسيرة السياسية الى الامام. قبل بضعة اسابيع اطلق بركات حملة باهظة الثمن ضد نتنياهو وضد وزراء الحكومة الذين لا يحولون الميزانيات للقدس. نجاعة هذه الحملة موضع شك. بركات سيقول انه يحرص على المدينة، وان ليس له أي اجندة سياسية وشخصية بعيدة المدى. والان إذهب واقنع نتنياهو ورجاله بان قصة جسر المغابة طلت صدفة.

حرب حفريات

باب المغاربة هو اليوم باب الدخول الوحيد لليهود وللسياح ممن يريدون زيارة الحرم. الحرم أعلى بعشرات الامتار من ساحة المبكى ويتعين الصعود اليه. منذ 1967 تم الصعود الى باب المغاربة عبر تلة رملية، تفصل بين ساحة الصلاة وبين الحديقة الاثرية. لو أنهم ازالوا تماما هذه التلة، وبنوا جسرا متدرجا معلقا، لكانت ساحة المبكى اجتازت تغييرا تاريخيا، اتسعت واستطالت بعشرات الامتار الاخرى. اقتراح بهذه الروح رفع في 1993. الاوقاف الاسلامية المسؤولة عن الحرم، الحاخامون وبعض الاثريين عارضوا الخطة التي بدت لهم ثورية جدا، فسقطت. لاعتراض الحاخامين سنعود لاحقا. قبل سبع سنوات، في شباط 2004، انهار احد جدران التلة بسبب حالة الطقس العاصف، والصعود الى الحرم اصبح خطرا. المهندسون قرروا انه يجب منع استخدام التلة. الشرطة طلبت ان يبنى فورا جسر بديل كي تتمكن قواتها من الصعود بسرعة الى الحرم. جسر خشبي مؤقت اقيم على عجل شديد، ومظاهر البناء المهمل واضحة جدا اليوم. مجموعات السياح من اليابان واستراليا ممن صعدوا أول أمس على جسر المغاربة وشعروا على ابدانهم كيف يترنح ويتحرك بقوة الريح، سارعوا الى الامساك بالاعمدة الجانبية وكان هذه هي ما سينقدهم في حالة الانهيار. وجوههم الخائفة قالت كل شيء.

الحكومة أيدت على مدى السنين اقامة جسر دائم، وليس معلقا يبنى على التلة الاصلية. في اثناء 2005 تقرر ان ينهي صندوق تراث المبكى الاعمال التمهيدية لبناء الجسر بل وخصص لهذا الغرض قرابة 5 مليون شيكل. وحسب تخطيط المعمارية عيدا كرمي ميلميد للجسر ستكون سبعة اعمدة، اربعة في نطاق الحديقة الاثرية وثلاثة في منطقة التلة. بالمناسبة، يدور جدال شديد بين الاثريين حول مسجد البراق العتيق القائم هناك. سلطة الاثار اعلنت بان الحفريات لن تهدم الحفاظ على المباني.

والعالم يصرخ

المناقشات استمرت لزمن طويل وشملت ايضا الجوانب السياسية. ورفعت الاستنتاجات الى وزراء الحكومة الذين قرروا الشروع في الاعمال في شباط 2007. وكانت ردود الفعل في العالم عاصفة، على أي حال. في جلسة الحكومة أعلن رئيس الوزراء ايهود اولمرت بان "خالد مشعل لن يقرر ماذا تفعل اسرائيل على مسافة 20 متر من الحائط الغربي". اولمرت، الذي تحدث في حينه بحزم شديد، يسعى اليوم الى أن ينقل كل منطقة الحوض المقدس الى ادارة مشتركة لاسرائيل، الولايات المتحدة، السعودية، الاردن والسلطة الفلسطينية، وفي واقع الامر مصادرة القرار بالتغييرات في ساحة المبكى من يد الحكومة. انظروا روائع سبل القادة.

في بداية شباط 2007 بدأت بالفعل الاعمال عمليا. وكانت فحوصات هندسية، مع حفريات انقاذ من سلطة الاثار. وجرت الاعمال اضطرابات ومظاهرات احتجاج كما هو متوقع. الاضطرابات جاءت بالشيخ رائد صلاح، رئيس الجناح الشمالي في الحركة الاسلامية. ودعا صلاح الى الشروع في انتفاضة ثالثة ضد اسرائيل والكفاح ضد "محاولات اسرائيل هدم المسجد الاقصى". والانتفاضة الثانية، كما يذكر اندلعت هي ايضا في اعقاب حجيج رئيس الوزراء ارئيل شارون الى الحرم في ايلول 2000. شارون تسلق الى الحرم مع مرافقيه عبر التلة السابقة، قبل أن تنهار. في الاضطرابات على الحرم اصيب عشرة فلسطينيين وعشرين شرطيا.

وترافق مع الشيخ صلاح مظاهرات لنشطاء متطرفين من الحركة الاسلامية ومئات الفلسطينيين من القدس ومن المناطق. كمال الخطيب، نائب صلاح، صرح بان "هذه ليس جسرا خشبيا او سورا حجريا بل طريق تاريخي مر فيه صلاح الدين". المحامي زاهي نجدات، الناطق بلسان الجناح الشمالي، وعد بان "هذا الطريق اسلامي وليس يهوديا. هدف الاشغال هو الاعلان عن المسجد الاقصى ككنيس". في اثناء المظاهرات اعتقل الشيخ صلاح على التحريض ولكن الحركة الاسلامية انتصرت. رئيس البلدية اوري لوبليانسكي اوقف الجرافات ونقل كل شيء من جديد الى لجان البلدية. ولعله كان منع في حينه انفجارا كبيرا.

اختبار التاريخ

الاشغال التي اوقفت يسعى اليوم صندوق تراث المبكى الى استئنافها، وهذا الصندوق هو جمعية ناشئة عن ديوان رئيس الوزراء. كل الاذون في يده، ولكن الحاخام شموئيل رابينوفتش، حاخام المبكى غير راض على نحو خاص. فهو يعيش في تناقض داخلي. يريد أن يبني الجسر كي ينقذ حياة الانسان وكي يوسع ساحة المبكى. بالمقابل، كان يفضل هدم الجسر الخشبي القائم، وعدم بناء آخر مكانه. رابينوفيتش، مثل كل الحاخامين الهامين في الدولة، يفتي بحظر الحج الى الحرم، ومن يفعل ذلك محكوم عليه بالفناء. "مع مرور الايام اختفى عنا المكان الدقيق للهيكل، وكل من يدخل الى منطقة الحرم من شأنه أن يدخل دون معرفة الى المكان المقدس والى قدس الاقداس"، قضى مئات الحاخامين منذ بداية السبعينيات.

التاريخ يفيد بان جسر المغاربة هو بالفعل جسر الى الجحيم. في آب 1969 صعد الاسترالي المجنون مايكل روهان على التلة، دخل عبر باب المغاربة الى الحرم، واشعل النار في المسجد الاقصى. في اثناء 1979 تسلل عبر باب المغاربة اعضاء التنظيم السري اليهودي الذي ترأسه مناحيم لفني ويهودا عصيون، وقاموا بمناورات ناشفة لتفجير الصخرة. في 1982 تسلل الى المسجد الاقصى الارهابي اليهودي الين غودمان، وقتل مصليين عربيين اثنين. في اضطرابات تشرين الاول 1990 قتل في الحرم 17 فلسطينيا، على خلفية الخوف من اعمال متطرفة لامناء جبل البيت. قوات من الشرطة اقتحمت عبر باب المغاربة، الذي اغلقه الفلسطينيون في وجههم. في الاضطرابات التي اندلعت في الحرم بعد زيارة شارون في ايلول 2000 اصيب العشرات.

كل من هو ضالع في شؤون الحرم يعرف بان حفريات جديدة لبناء الجسر ستشعل من جديد اضطرابات دينية ووطنية. كل حركة على الجسر ومحيطه ينظر اليها بشك. هذا الاسبوع صعدت على الجسر مع رجال تراث المبكى. وكانوا حذرين من اخراج الرأس من الحاجز، وعدم الاشارة الى المنطقة خشية أن يلتقطهم رجال الاوقاف بالكاميرات فيظنوا انهم يخططون لشيء جديد. لهذه الدرجة شديد التوتر. "كان بودي لو أن هذا الجسر يهدم، الا يكون موجودا"، يشرح الحاخام رابينوفيتش. "نصبت يافطة تحظر الحجيج الى الحرم. فأنا لا احتاجه مثلما لا احتاج الدنس في الفصح. فهو يأخذ اناس الى الحرم ويهدم لي الساحة. ولكن لا مفر. الجسر يهتز".

في الاسبوع الماضي ثار الموضوع مرة اخرى حول جسر المغاربة. احد ما حاول اشعال النار من جديد بعد ان اقرت رخصة البناء النهائية في اللجنة المحلية. ويوجه رجال البلدية النار نحو رجال المبكى، وبالعكس. موقف رئيس البلدية بركات مثير للاهتمام على نحو خاص. "الرخصة لبناء جسر جديد في مسار التلة الاصلية يجعل الجسر الذي بني بشكل مؤقت لا داعي له بل وغير قانوني، وذلك لانه لا حاجة الى جسرين"، يقضي رئيس البلدية. بمعنى آخر: كل يوم يكون فيه جسر المغاربة قائما هو خرق للقانون. بكلمات اخرى: استعدوا لامر الهدم الذي ستصدره البلدية، والذي سيؤدي بالخلاف الى نطاق خطير.