خبر « شقاقي الضفة » مغيب منذ ثلاثة عقود ونصف

الساعة 12:01 م|10 مارس 2011

"شقاقي الضفة" مغيب منذ ثلاثة عقود ونصف

فلسطين اليوم- الخليل

لم يجد الاحتلال الصهيوني وصفا مناسبا يصف به المناضل الفلسطيني الفذ عبد الناصر حسين مهدي بدوي ابن الرابعة وخمسين خريفا، إلا أن يشبهه بالشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، باعتبار أن الأخير مؤسس حركة الجهاد الإسلامي انطلاقا من غزة، وأن بدوي هو أحد مؤسسي الحركة في الضفة الغربية، ومن هنا جاء وصفهم له بـ "شقاقي الضفة".

 

وقد كان القائد بدوي الذي غيبه الاحتلال لأكثر من ثلاثة عقود عن بيته ووطنه، يعد من وجهة نظر الاحتلال أحد أخطر الشخصيات على أمنه، فما كان منه إلا أن اختطفه وأبعده، وقد بلغ مجموع ما أمضاه في السجن 15 عاما، بينما أبعده الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية منذ عشرين عاما، أي منذ عام 1991 .

 

وتعاني عائلة الأسير اللاجئة في مخيم العروب - شمال مدينة الخليل بعدما هُجِّرت عن بلدتها الأصلية عراق المنشية داخل الأراضي التي احتلت عام 1948، تعاني أصناف العذاب والألم ، وتتجرع كؤوس الحزن والوحدة، بعدما اقتطع الاحتلال رب أسرتها منذ صباح عمره، وقد خيم الحزن على وجدان هذه العائلة منذ أن اختطف الاحتلال المجاهد بدوي في أواسط سبعينيات القرن المنصرم.

 

تعيش عائلة أبو مجاهد اليوم والمكونة من ثلاثة أبناء وثلاث بنات في بيت متواضع مخيم العروب، مع أمهم، وقد كان على "أم مصعب" أن تكون رب الأسرة وربتها معا في الوقت عينه، صورة تشاهَد كثيرا في الأراضي الفلسطينية بعدما غيب الاحتلال ألاف أرباب الأسر من الشهداء والأسرى، ولقد كان على هذه المرأة المناضلة الصابرة، أن تتحمل أعباء إدارة شؤون بيتها وتربية أبنائها، بالإضافة إلى أن تكون المعيل الوحيد للأسرة، وما يرافق ذلك مع تكاليف متنامية مع تنامي أبناء الأسرة.

 

وقد التحق جهاد الابن الثاني للمجاهد عبد الناصر بدوي بجامعة القدس (أبو ديس) ليدرس الإعلام والتلفزة فيها، في ظروف دراسية صعبة، لكن الاحتلال لم يتركه بحاله دونما تنغيص أو انتقام فقد كان لجهاد هو الآخر نصيبه من التضحية والاعتقال في سجون الاحتلال، ولا سيما في العامين 2008 و 2009 أي أثناء رحلته الجامعية. وأما مصعب الابن الأكبر في العائلة والمتفوق في دراسته، فقد سافر بعد الثانوية العامة إلى روسيا لدراسة الطب هناك قبل سبع سنوات ولا زال.

 

وتعود جذور المأساة التي يعاني منها المناضل عبد الناصر بدوي وأسرته إلى مطلع سبعينيات القرن العشرين، عندما كان شابا يانعا وانخرط في صفوف المقاومة ضد الاحتلال، وليلتحق بحركة الجهاد الإسلامي الذي كان أحد السباقين للإيمان بنهجها، بل وأحد العاملين على ترسيخ قواعد بنائها، وتأسيسها بإطارها المقاوم في الضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين والاحتلال يتردد على اعتقاله بين الفينة والأخرى، قبل أن يفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى عام 1991، والتي عرفت بصفقة أحمد جبريل ، وفور الإفراج عن بدوي، ما كان من الاحتلال إلا أن نفاه إلى الأردن، حارما إياه من تذوق طعم الحرية بين أهله وأبنائه ولو لبضع سنوات، وهكذا تكتمل صورة خارطة حياة المجاهد بدوي بن لجوء واعتقال ونفي، لجوء من عراق المنشية إلى مخيم العروب، ثم اعتقال لـ 15 عام، ثم نفي إلى الأردن منذ عشرين عاما.

 

ولم يمض المناضل المبعد سنوات عدة في الأردن حتى كتب عليه أن يقاسي مزيدا من المعاناة والتشرد والاغتراب، فلم تكن أبواب الحياة مشرعة أمام بدوي في الأردن، أو أن السلطات الأردنية تركته ليعيش كبقية البشر، بل أن المخابرات الأردنية اعتقلته وحققت معه وعذبته، بتهمة أنه ناشط سياسي، وقد مورست - حسب ابنه جهاد - ضغوطات أمريكية على الأردن لكي تخرج هذا الرجل من أراضيها، فكانت النتيجة أن أخرج قسرا الى سوريا التي أقام فيها حتى عام 1999، لينتقل بعدها إلى قطر، وليغيب في صفحات النسيان وترتسخ بعد ذلك جدران القطيعة المادية مع الوطن والأهل، وليس قطيعة القلب والوجدان. ولم يبق إلا التكنولوجيا وسيلة وحيدة للتواصل مع الأهل والأقرباء، لعل التكنولوجيا صاحبة الفضل في هذا المجال تطفئ لهيب قلب اشتعل بحب الوطن، وتسكن عين من أفنوا أعمارهم رخيصة في سبيل حرية فلسطين وكرامتها، ومن أجل تطهيرها من غاصبيها، وإعادتها إلى حاضرتها العربية والإسلامية.

 

يشير جهاد إلى أن الجميع مقصر في قضية والده، وأن ليس ثمة جهود حقيقية بذلت من اجل جمع شمل أسرته، وإعادة والده من منفاه القسري معززا مكرما، ولا سيما من قبل السلطة الفلسطينية، حتى أن وسائل الإعلام مقصرة في تفعيل قضيته ونشرها، وكذا المؤسسات الحقوقية والدولية. فهل من شقاقي ثالث يأخذ على عاتقه إنهاء معاناة بدوي وأسرته، وحمل هذا الهم على أكتافه؟.