خبر الجيش الاسرائيلي يتنكر في الخليل -هآرتس

الساعة 11:58 ص|10 مارس 2011

الجيش الاسرائيلي يتنكر في الخليل -هآرتس

بقلم: ألون عيدان

(المضمون: محاولة الجيش الاسرائيلي الستر على قُبح الاحتلال العسكري لمدينة الخليل بحيث يجوز هذا الخداع على غريب عارض لكن المتأمل بعمق يظل يرى قُبح ذلك الواقع - المصدر).

        إن جولة على الأقدام في الخليل تصيبك بيأس ثقيل. في منطقة مغارة الماكفيلا (الحرم الابراهيمي)، في طرف الباحة المحاطة بجدار منخفض، ترى الدمار والخراب، وعلى الخصوص الفصل غير المعقول بين طوائف السكان. يشتمك اربعة اولاد صغار ربما كانوا في الثامنة أو في التاسعة، باللغة العربية كما في رد الفعل الانعكاسي المشروط. تبتسم نحوهم وتحاول أن تلغي السور الذي يفصل بينكم، فيُغيرون موقفهم بمرة واحدة. فيقتربون الى الجدار ويطلبون منك مالا. شاقلا واحدا يا سيدي، شاقلا واحدا.

        بعد ذلك يزداد اليأس: فالشارع المركزي يبدو كأنه مأخوذ من مشهد نهاية فيلم آخر الزمان. حوانيت السوق مغلقة، ونوافذ البيوت مسدودة بشبك وقضبان، وثمة كتابات يهودية – قومية تحارب على الجدران كتابات اسلامية – قومية، فنجمة داود تُمحى لتصبح الصليب المعقوف، والصليب المعقوف يُمحى ليصبح "كهانا حي". ومن اجل التمكين للشذوذ عن الوضع السويّ، يقوم كل بضعة أمتار موقع عسكري محصن، يقف عنده جندي مع سلاح مُعد ونظرة تتحرك على المحور بين الملل والاستعداد.

        الخليل هي مثال حي – أو أصح ان نقول ميت – للشكل الذي يبدو عليه مكان يائس، وللشكل الذي قد يُترجم فيه اليأس لموت. بالنسبة لزائر، هي في الأساس تضرب العينين: فثم سلسلة مشاهد كل واحد منها يثير فيك تداعيات تجب محاربتها ولا يكون ذلك بنجاح دائما.

        يتبين الآن انهم في الجيش الاسرائيلي ايضا مشاركون في الشعور بالاختناق الذي تثيره التجربة الجمالية. يتبين أن الجيش اتخذ قرار أن يُغير "منظر" المدينة: ففي نصف السنة القريب ستُجرد عدة مواقع من صبغتها العسكرية، التي تشتمل من جملة ما تشتمل عليه على شبكات ستر من الحديد، ويُعاد بناؤها على نحو يجعلها تندمج في جمالية المباني المحلية في المدينة. قال عنصر عسكري إن "القصد هو الى اعادة بناء المواقع بحيث يكون لها منظر طبيعي في المدينة. فعلى سبيل المثال سيكون للمواقع بدل المواقف الحديدية ساتر من الحجارة يجعلها تندمج في المشهد المحلي. يجب ألا يشعر الناس بأنهم يعيشون داخل قاعدة عسكرية. هذا الاجراء سيُدخل الحياة الطبيعية ويخفض الصورة العسكرية".

        إن قرار الجيش الاسرائيلي هو في الأساس اسرائيلي جدا. يكمن فيه عدد من الفروض والاستنتاجات التقليدية للمكان والعصر. الفرض الاول: أن الواقع لا يمكن أن يُغير تغييرا جوهريا؛ والفرض الثاني: أن الواقع يُحدث ضررا بكل ما يتعلق بالعلاقات العامة. والاستنتاج الثالث: أن الضرر يتعلق بجمالية المكان؛ والاستنتاج: ثمة حاجة الى تغيير شكل رؤية الناس للواقع. وباختصار تجب اعادة البناء.

        الآن، وقد تم الحساب العسكري – المتعلق بالعلاقات العامة، فان الطاقة والوسائل تُستخدم كلها في العملية الجراحية التجميلية، برغم أن المريض يعاني ورما خبيثا. سيكون من الممكن في نهاية العملية التجول في المدينة من غير أن يُصيبك الكثير من اللسع في العين. عندما يأتي طلاب اسرائيل لجولة تراث في مدينة الآباء، سيشاهدون مواقع صغيرة غريبة على طول الشارع المركزي، لكن الساتر الحجري سيثير فيهم رائحة محلية فيتابعون طريقهم من غير أن يقفوا عند المظلمة أكثر من اللازم.

        هذا عمل يدل جيدا على معنى مصطلح "الدفاع" عند "جيش الدفاع الاسرائيلي". فالدفاع، بحسب المعجم الاسرائيلي، هو في الأساس إخفاء للواقع. فالقوة المسيطرة تدفع المشكلة الى مكان لا تمكن مشاهدته. ومن اجل التمكين من الدفع، تصبغ القوة المسيطرة نفسها بألوان المكان وتختفي تحت جنح الظلام. يبقى الواقع كما كان، مجنونا يهدد بالانفجار. لكن الغريب اذا جاء الى المكان عرضا يستطيع أن يتابع النظر الى نفسه في المرآة عندما يعود الى البيت.