خبر حماس وحسابات الثورة ..صلاح الوادية

الساعة 07:21 ص|10 مارس 2011

حماس وحسابات الثورة ..صلاح الوادية

كاتب ومحلل سياسي

 

 انتهت الثورة العربية في تونس بسقوط نظام زين العابدين بن علي بعد هروبه وعائلته إلى خارج تونس، ثم انفرط عقد الثوار فتلاها ثورة بيضاء أخرى في مصر توجت هي الأخرى بتنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام السلطة وإعادة إنتاج الديمقراطية بثوبها الفطري عبر تعيين رئيس وزراء جديد جاء نتيجة تشاورات مطولة بين المجلس العسكري وكل فئات المجتمع المصري والقوى السياسية، وقيام عصام شرف رئيس الوزراء المكلف بأداء اليمين الدستوري في ميدان التحرير بين شباب الثورة وهذه كانت أجمل لوحات الثورة المصرية صدقاً وأعمقها فطرة.

 

تلا الثورة المصرية العريقة ثورة ليبية ما زالت رحاها تدور حتى الآن، ورغم أن الثوار الليبيين سيطروا على معظم المدن إلا أن النظام الليبي الذي يترأسه معمر القذافي ما زال يناضل من أجل البقاء بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ولكن تعلمنا من الثورات التي سبقتها أن الشعب دوماً ينتصر، لذلك هي ساعات حتى ينقضي الأمر ويرحل نظام القذافي وتنتصر ليبيا، وربما تمتد الثورة إلى أقطار عربية هي بأمس الحاجة إلى التغيير.

 

تأثرت حماس مثل غيرها من الأحزاب والحركات والجماعات في الوطن العربي بالثورات التي تجتاحه، ولكن على ما يبدو أن رؤية حماس مختلفة عما عداها ولها في هذه الثورات  أمر لا بد لنا من الوقوف عليه، فحركة حماس ربطت ما بين وجودها في الحكم بصيغته الحالية وبين استمرار الثورات العربية وتمددها.

 

حيث رأى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن هذه الثورات التي تجتاح الوطن العربي هي انتصاراً للقوى والدول التي تقاوم إسرائيل، وأنها تحيي حركة حماس لأن حماس هي أول من بدأ التغيير، وأضاف أن القاهرة تعود لمكانتها الطبيعية بعد أن اختفت لزمن طويل عن الساحة العربية، وتعتبر حركة حماس أن المستقبل القريب عقب الثورات العربية سوف يخدم رؤيتها ومكانتها وسوف يعزز من ثباتها ووجودها، فقراءة حماس للتغييرات الجارية في المنطقة أعطتها انطباعاً بالنصر على الرؤية الفلسطينية الأخرى التي تؤمن بالتفاوض والتي تمتلك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت حركة حماس بعد ثورة 25 يناير المصرية على لسان موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن ورقة المصالحة التي طرحتها مصر لإنهاء الانقسام لم يعد لها أي موقع بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، وبالتالي ترى حماس أن الحاضر هو وقتها وتراهن على ما سيأتي، حيث أعلن خالد مشعل أنه لا مصالحة إلا بعد معرفة الرئيس المصري الجديد.

 

انتهت مرحلة الاستقطاب العربي التي كان قطباها سورية وحلفائها ما يسموا بمحور الممانعة ومن جانب آخر مصر والسعودية وحلفائهما وهو ما يسمى بمحور الاعتدال وباتت الآن الرؤى في مصر وسورية متقاربة أكثر من ذي قبل بمسافات وخير دليل على ذلك تولي عصام شرف رئاسة وزراء مصر ونبيل العربي وزارة الخارجية وهم معروفين بتوجهاتهم المناوئة لإسرائيل، وإعلان شخصيات إعلامية إسرائيلية بأن شرف والعربي معادين للسامية ووجودهما ضد مصالح إسرائيل، إلى جانب أن الإخوان المسلمين سيحظون في المرحلة المقبلة بتواجد ملحوظ على ساحة السياسة المصرية، فخطبة القرضاوي في جمعة النصر بميدان التحرير والحديث عن أن له الكلمة العليا الآن في مصر والعالم العربي توضح ملامح المرحلة المقبلة وطبيعة علاقات مصر العربية والإقليمية، هذا كله قد يكون في صالح حركة حماس وفي صالح رفع الحصار عن قطاع غزة واضطرار الولايات المتحدة تقبلها من خلال ضغط المجموع العربي على المجتمع الدولي ودفعه للتعامل مع الأمر الواقع.

 

رفضت حركة حماس دعوة الرئيس محمود عباس لانتخابات محلية وتشريعية ورئاسية، وقالت أنها دعوة المأزوم وهي جاءت خوفاً من ثورة الشعب عليه مثلما ثارت الشعوب العربية على حكامها، وتجاهلت حماس بشكل ملحوظ دعوات الفصائل والشخصيات المستقلة والمثقفين والكّتاب لإنهاء الانقسام، بل تبنت هي تلك الدعوات وخرجت مسيرات من منتمي حماس في قطاع غزة تطالب بانتهاء الانقسام طبعاً رفعوا شعارات خاصة مثل الشعب يريد حل منظمة التحرير، ثم خرج سلام فياض رئيس الوزراء بمبادرة لإنهاء الانقسام تحقق في بنودها ما ترغب به حماس وهو بقاء السيطرة الأمنية لها على قطاع غزة ومع ذلك رفضتها بحجة أنه يريد إحراج حركة حماس، وفيما بعد بدأ الحديث عن مبادرة لإنهاء الانقسام شاملة لتصحيح الوضع الفلسطيني تقوم بإعدادها حركة حماس حيث قال السيد مشعل لنا قول سنقوله ولنا فعل سنفعله ومبادرات سنقوم بها، إذن حماس ترفض كل الحلول التي تناسبها ولا تناسبها مراهنة على المرحلة المقبلة وهي تتحدث الآن بلغة المنتصر بعد ثورة 25 يناير وترى أن السلطة الوطنية تمر بأزمة عميقة بعد سقوط أقوى حلفائها نظام مبارك وبعد أزمة الفيتو الأمريكي بشأن الاستيطان وتباعد المسافات بين السلطة وواشنطن وتهديد الأخيرة بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وتعتقد حماس أن أي مصالحة فلسطينية ستكون بمثابة محاولة إنقاذ للرئيس محمود عباس وسلطته وهي في غنى عن ذلك.

 

سوف تكون مبادرة حركة حماس مبادرة رأسية لا يجوز مناقشة بنودها بهدف التعديل أو مناقشة حركة فتح حولها فهي جاءت من الطرف الأقوى في المعادلة الفلسطينية الحالية وبإجماع شعبي وفق وجهة نظر حركة حماس، وسوف تعالج المبادرة كيفية الخروج من الأزمة الحالية بما يتناسب مع مصالح الحركة وتوجهاتها، فالسيد خالد مشعل وجه خطابه إلى كل من فتح وحماس وطالبهم بالانضمام إلى قوى المقاومة ضد إسرائيل، ويظهر مشعل في  خطابه كطرف محايد ومرجع للطرفين وهي لهجة جديدة لا يتحدث بها إلا من يعتبر رمز وطني كلامه نافذ أو من يعتبر نفسه جامع للطرفين، وقال أيضاً إن أي مصالحة بين الفصيلين يجب أن تكون على أساس إعلان الجهاد ضد إسرائيل وأن أول خطوة لتحرير القدس من الاحتلال هو رفض التفاوض مع إسرائيل، بمعنى أن على حركة فتح إذا ما أرادت المصالحة والتوجه نحو إنهاء الانقسام أن تترك منهجها التفاوضي وتتبنى نهج حركة حماس الداعي إلى المقاومة، وبذلك يدعو حركة فتح إلى التقدم نحو المصالحة في حين أن حماس ستبقى ثابتة على منهجها، وهذا يعني أن ثورة 25 يناير المصرية انتصرت من وجهة نظره للقوى الداعية للمقاومة ومقاطعة إسرائيل.

 

تعيش حركة حماس نشوة انتصار خاصة بها وربما تكون على صواب بما تعتقده، فهي ستناضل بكل قوة لإبقاء الوضع الفلسطيني على حاله إلى حين وضوح الرؤية على الساحة العربية عامة والمصرية خاصة، ولكن يبقى السؤال هل المبادرة التي تنوي عرضها حركة حماس على الكل الفلسطيني ستكون تجاوزت نبرة المنتصر وخالية من الإملاءات ووجدت نتيجة لتفهم حركة حماس لاحتياجات الشارع الفلسطيني ومحاولة لوأد الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، أم أنها ستتجاهل الآخر الفلسطيني وتعمق الأزمة وتكرس الانقسام، وفي حالة أن التغيير في مصر كان في صالح حركة حماس هل سيبقى الانقسام هو سيد الموقف ويتم تأجيل الحديث عن المصالحة إلى أجل غير معلوم.