خبر ماهر رجا يكتب : يوميات في تل أبيب : كوابيس تونس ومصر وليبيا

الساعة 02:12 م|08 مارس 2011

ماهر رجا يكتب : يوميات في تل أبيب : كوابيس تونس ومصر وليبيا

ربما لم تشعر تل أبيب بالخطر الوجودي برؤيا بعيدة المدى، كما تشعر اليوم..

في محطات كحربي أكتوبر ولبنان 2006، وإبان الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، كان الحديث عن التهديد الوجودي لإسرائيل يقصد خطر المواجهة المباشرة، في حين أن "العاصفة الكاملة" التي تضرب اليوم العالم العربي يراها الصهاينة نذير تغيير شامل سيخلق واقعاً عربياً لم يسبق لهم أن عرفوه، وهو لن يقبل أن يتعايش مع فكرة وجود الكيان الصهيوني، ناهيك عن أن التحولات العربية الراهنة أسقطت بالفعل الآن الكثير من مقومات سياسة عربية رسمية شكلت أحياناً عمقاً استراتيجياً لأمن الكيان الصهيوني.

ماذا قال الصهاينة عن ثورات العالم العربي في تونس ومصر وليبيا؟، وكيف ترددت أصداؤها في يومياتهم السياسية والصحفية منذ اندلاع ثورة تونس حتى انتقال الشرارة إلى ليبيا؟ كيف كانوا يفكرون وما هو الهاجس الذي خيم على كيان الاحتلال؟، وكيف ينظر قادته وسياسيوه إلى المستقبل بعد العاصفة؟

نيران من تونس

في البدايات، ومع سقوط نظام بن على في تونس، حاول الصهاينة إخفاء مظاهر المفاجأة. وصفوا الحدث بالاستثنائي ، لكن مصادر سياسية صهيونية اعتبرت أن لا تأثير جدياً لنيران لتونس على سياسات المنطقة العربية ، ذلك أنها ظلت على الدوام – حسب تقديرهم – الأقل حضوراً في مشهد الصراع العربي الصهيوني، وبالتالي ما من دواع حقيقة للتأثر أو القلق.

بيد أن صوتاً أخفض في محافل صنع القرار في الكيان الصهيوني، راح يتحدث حينها وبجدية، بلسان تحليلات مماثلة في الغرب والمنطقة قرأت الرسالة التونسية جيداً وفهمت معانيها وتداعياتها. فقوة الحدث لا تكمن في أثره على المكان الذي وقع فيه وحسب وإنما ستتضح أساساً وقريباً في قوة المثال الذي صنعه التونسيون إلهاماً للمنطقة. وهكذا لم تمض أيام حتى اتضح الكابوس الصهيوني والأميركي معاً، فقد تطاير الشرر إلى مصر، ثم إلى ليبيا.

قبيل يوم الجمعة الدامي في مصر 28-1 ، كان الصهاينة يترقبون بتوتر. العبارة التي ترددت بقوة هناك " الشرق الأوسط يشتعل حقاً"، ذلك كان عنوان  صحيفة "إسرائيل اليوم" الصهيونية الناطقة بلسان الليكود،  التي قالت إن إسرائيل قلقة جداً لكنها "مستعدة للوضع القاسي والمعقد الذي يتماثل امام أنظارنا اكثر من الاخرين، بيد أن خطورة الوضع تستدعي استعدادا افضل بكثير".

.. في مصر

مع ذلك، لم يكن الصهاينة يجيدون حساب اللحظة التالية، ففي 30 – 1 قدرت مصادر مكتب رئاسة الوزراء في الكيان الصهيوني أن "مبارك سينجح في تثبيت نظام حكمه، بفضل تعيين وزير المخابرات المصرية عمر سليمان نائبا له".

على أن ذلك الاطمئنان إلى قدرة مبارك لم يكن راسخاً، ففي اليوم ذاته، تقرر وزارة الخارجية الصهيونية إعادة عائلات الدبلوماسيين الإسرائيليين من مصر ونحو اربعين سائحا اسرائيليا طلبوا مغادرة البلاد. وفي غضون ذلك وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان يجري اتصالات مع السفير الصهيوني في القاهرة، ويتناول معه تقييماً للوضع، فيخبره الأخير أن كرة اللهب تندفع بقوة ، ولكن وسط ضباب كثيف يعيق إمكانية التنبؤ بوقائع اللحظة التالية.

وعلى وقع الأحداث، يعقد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو اجتماعا لمستشاريه دعي اليه رئيس الموساد تمير باردو ورئيس المخابرات يوفال ديسكن، ويجري بحث "التطورات المقلقة في مصر". فيما تقول صحيفة يديعوت أحرونوت إن "التخوف الأساس في إسرائيل ينبع من أثار خطيرة للأحداث الأخيرة على الأمن في الحدود الإسرائيلية – المصرية، مع التشديد على تهريب السلاح عبر الأنفاق إلى قطاع غزة والخشية من أن يتعزز موقف حماس، فضلاً الآثار على الأمن الإقليمي".

في الخلفية هناك استنفار شامل : سياسي وإعلامي ودبلوماسي، ورسائل إسرائيلية إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية عنوانها "ادعموا نظام مبارك"، والسيناريو الأسوأ لكل ما يدور هو – كما تقول صحيفة معاريف - أن  "تصبح  مصر جمهورية إسلامية.. وتبتعد عن الغرب وتلغي اتفاقات السلام مع إسرائيل".

المفاجأة

لكن الصهاينة الفخورين – إلى جانب الجيش – بجهاز الموساد، وقفوا حائرين أمام مسألة أخرى هي "المفاجأة"، إذ كيف أخفق جهاز استخباراتهم ذو التاريخ "الحافل بالإنجازات" في التنبؤ بالإعصار العربي؟. يتردد هذه التساؤل بصدى كبير وقتها في أوساط وزارتي الحرب والخارجية ويزيد في أثره وقع المفارقة: فقبل يومين من اندلاع ثورة مصر كان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "امان" اللواء أفيف كوخافي يعرض أمام الكابينت تقديراً للوضع الاستخباري للعام 2011 لم يتوقع فيه أحداثا خارج السياق المعهود. وفي اليوم التالي يعترف  مصدر امني صهيوني  بأن "التطورات في مصر جاءت بمفاجأة تامة، وان هناك حاجة الى مراجعة عميقة للأحداث التي من شأنها أن تؤثر بشكل جذري على مفهوم الأمن الإسرائيلي".

في هذه الأجواء الإسرائيلية الغارقة في الذهول، يحوم في المخيلة الصهيونية شبح الثورة الإيرانية والسقوط المفاجئ للشاه. ثمة تشابه كبير في المفاجأة وطبيعة الحدث والخسارة وهي أمور تتحمل مسؤوليتها الولايات المتحدة بتقدير تل أبيب، وهكذا مثلاً، كتبت صحيفة هآرتس تقول: " نتذكر الآن جيمي كارتر في التاريخ الأمريكي باعتباره الرئيس الذي "فقد ايران"، التي انتقلت في مدة ولايته من كونها حليفة مركزية للولايات المتحدة لتصبح جمهورية إسلامية ثورية. وسوف نتذكر باراك  اوباما بأنه رئيس "فقد" تركيا ولبنان ومصر، وانهار في زمن حكمه نظام أحلاف أمريكا في الشرق الأوسط".

إسرائيل وحدها

كيف ستبدو مصر في اليوم التالي؟

 قبل عشرة أيام من سقوط مبارك، بدأ الصهاينة يطرحون هذا السؤال وبشكل واسع في وسائل الإعلام. لا أحد يعرف ولا يستطيع أن يتنبأ ، ولا تجد صحيفة معاريف مثلاً سوى أن تدعو الإسرائيليين إلى الصلاة من أجل أن تبقى اتفاقيات كمب ديفيد، "فالسلام مع مصر هو الذخر الاستراتيجي الأهم لدينا، بعد العلاقات مع امريكا" كما تقول الصحيفة.       

لكن الصهاينة لا يأخذون الأمر كله إلى حائط المبكى، ولا يكتفون قطعاً بالصلاة، فمبكراً أيضاً بدأ في الكيان الصهيوني جدل عن ضرورة تغيير العقيدة القتالية حيال مختلف الجبهات العربية وخاصة مصر، وفي هذا السياق تعتبر جهات عسكرية صهيونية أن اسرائيل، وفي تقديراتها عن "إدارة الأخطار" الاستراتيجية،  "ترجمت الاحتمال الضئيل لانفراط السلام مع مصر الى توفير في القوة النظامية وزهد في النشاطات الاستخبارية الحساسة".

يصاحب ذلك نظرة إلى الوضع الميداني الجديد، وهو ما تختصره صحيفة يديعوت أحرونوت بكلمتين "بقينا وحدنا" ، فبعد تراجع تركيا خطوات واسعة عن العلاقات مع إسرائيل " باتت الصورة كالتالي: من الجنوب مصر التي تعصف فيها الثورة وتعد بتحول هائل، من الشمال سوريا وحزب الله، ومن الشرق، بقيت اسرائيل مع نظام الملك عبد الله الذي لا يمكنه أن يضيف الكثير ويتولى دوماً طرح الشكوك" – حسب الوصف الإسرائيلي - وفي رام الله ثمة تخوف من أن يقود التغيير المصري إلى انتفاضة فلسطينية.

وإذ يحاول الصهاينة إدراك المشهد السياسي، فإن تعبير "الزلزال" كما في وصف نتنياهو، يشرحه أحد أقطاب مركز بيغن للشؤون الاستراتيجية على النحو التالي:        

"يكفي التفكير في اثار سقوط الشاه في ايران في 1979 على اسرائيل اليوم كي نفهم المصيبة التي تحيق بنا مما يجري أمام أنظارنا. نتيجة كهذه ستعيد اسرائيل الى الوضع الذي كانت تعيش فيه في 1966، حين كاد يكون الجميع حولنا اعداء ألداء. ويمكن التقدير بانه في اعقاب الحلف الذي سيعقد بين مصر الاخوان وبين ايران فان دول الخليج ستنضم الى المحور الايراني – المصري – حزب الله ".

خطر حقيقي

قبل خمسة أيام من سقوط نظام مبارك، تتسع شرنقة الهلع في الكيان الصهيوني، ويكتب إيتان هابرفي يديعوت أحرونوت أن " دولة اسرائيل في خطر" حقيقي، وثمة مطر أسود قادم عندما سيهطل – يقول هابر – " لن تحمينا من الطوفان أوروبا أو اميركا ، أما الدول العربية المعتدلة، تلك التي وقعت على سلام معنا، فستتعرض للتغييرات، وسندفع أثمانا باهظة جدا".

هذا التقدير للمستقبل، دفع كثيراً من الأوساط الحزبية والسياسية في الكيان الصهيوني إلى إطلاق دعوات لنزع فتيل القنبلة، أي المبادرة ومبكرا إلى عرض اقتراحات جدية لتسويات سياسية تؤدي إلى سلام شامل مع العالم العربي. فقبل يومين من سقوط الرئيس المصري المخلوع، طرح يوسي بيلين الرئيس السابق لحزب ميرتس، أن تسارع إسرائيل إلى "نداء سلام" مع العرب، قبل أن يفوت الأوان.

التوجه نفسه تحدثت  به مصادر سياسية وصحفية صهيونية، واعتبرت قبل يوم واحد من سقوط النظام المصري، أن على إسرائيل أن تبادر إلى تقديم  تسويات مع الفلسطينيين ومع سوريا، وان تساعد الولايات المتحدة  في العودة إلى نقطة التوازن في المنطقة بما يضمن المصالح الأميركية والإسرائيلية معاً.

عصر جديد

الحادي عشر من شباط، كآبة شاملة وتوتر يغلفه سكون الخوف الذي يفرد جناحيه فوق الكيان الصهيوني. خبر تنحي مبارك يبدو بالنسبة لتل أبيب مقدمة عصر عربي جديد ، "تغيير دراماتيكي يثير بطبيعته الخوف" كما تصفه هآرتس، أو " الاستيقاظ المفاجئ بلا مبارك" كما تكتب يديعوت أحرونوت في صدر افتتاحيتها في اليوم التالي، ففي مصر الجديدة التي تبزغ من ميدان التحرير، ليس لاسرائيل شريك".

إلا أن وزير الخارجية الصهيوني يحاول أن يبسط الأشياء وأن يهدئ مخاوفه على الأقل، فيصرح بأن تل أبيب ليست معنية بالحدث المصري وأنها "لا تتدخل في الشؤون الداخلية لمصر. الأمر الوحيد الذي يشغلنا هو ان يبقى الاستقرار الاقليمي وأن يُحترم اتفاق السلام".

على أن الاعتقاد السائد اليوم في الكيان الصهيوني هو أن اتفاقات السلام السابقة وإن بقيت فهي لن تحمي أمن إسرائيل، كما لن تبقى في صيغتها الأولى في أقل الأحوال إن لم يتم تمزيقها. وفي السابع عشر من فبراير الماضي، وإذ يفاجأ الصهاينة بأن الشرارة انتقلت إلى ليبيا واليمن، يتسع ظل الفأل السيئ على تصورات المستقبل، وكما تقول صحيفة  اسرائيل اليوم في 18/2 ، " اين اسرائيل في كل هذا؟" وتستطرد مستدركة أن الأساليب السابقة من التسويات مع أنظمة حكم عربية لم تعد قادرة على البقاء في الواقع العربي الجديد فـ" مع الجماهير تصبح هذه قصة اكثر تعقيدا بكثير. ولا سيما عندما يكون القاسم المشترك الاوسع في الشارع العربي هو كراهية دولة اسرائيل".

إسرائيل في القبو

شهران من الإرهاق الصهيوني بدأا من مطلع العام الجديد 2011 الذي وصفه بعضهم بأنه مطلع حقبة نهضة سياسية عربية لم تعشها المنطقة من قبل. ولقد أتعب الصهاينة أن تتقافز أنظارهم وراء كرة  اللهب من بلد إلى آخر، ولتحط أخيرا في ليبيا واليمن.

ومع أن الصهاينة لم يتجهموا بالقدر ذاته الذي كانوا عليه حيال ثورة مصر وتونس، فإنهم مضوا يراقبون الحدث الليبي لحظة بلحظة. ويختصر الموقف الصهيوني ما قالته معاريف في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، فهي اعتبرت أن  "الثورة الليبية، كما تنعكس في التويتر والفيس بوك تحمل علائم إسلامية والى جانبها نبرة مناهضة لإسرائيل ولاسامية حادة – على حد تعبير الصحيفة -  فعلى صور القذافي الذي يسميه كارهوه في ليبيا "اليهودي"، رسمت نجمة داود وكتب عليها "صهيوني". في مدينة بنغازي رشت شعارات على الحيطان تقول: "انصرف الى تل أبيب، يا كافر".

ما هو شديد الوقع بالنسبة للصهاينة أن "العالم العربي ينقلب رأسا على عقب، وكذا عالمنا أيضا"- كما قالت صحيفة إسرائيل اليوم في التاريخ ذاته، ". الأرض التي تهتز تحت الدول المجاورة تهتز أيضا تحت إسرائيل" .. وبصيغة اكثر ذهولاً "يكفي النظر في ما يحصل الآن في الشرق الأوسط كي نفهم أننا لا نفهم شيئا"..  

و"في قبو نتنياهو"، يبدو أيضاً أن رئيس الوزراء الصهيوني لا يفهم شيئاً، او يخفق في البحث عن التوازن، هكذا وأمام الطوفان العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن، يسخر عكيفا ألدار في هآرتس،  من عبارات نتنياهو التي قابل بها تصريحات السيد حسن نصر الله عن احتلال الجليل الفلسطيني في أي اعتداء صهيوني محتمل على لبنان.. لقد تباهى نتنياهو "في رد صبياني" بالقول إن "من يوجد في القبو عليه أن يبقى في القبو". وبعد بضعة أيام – يقول ألدار – " دعا نتنياهو مواطني إسرائيل من على منصة الكنيست للانضمام إلى قبوه هو" خشية من وعيد العاصفة العربية التي لم يستوعبها رئيس الوزراء الصهيوني.

ثمة بطولة جيدة في العالم العربي اليوم كما يقول الصهاينة أنفسهم ، بطولة الثورات التي تنسج في كل لحظة زمناً مختلفاً، ستجد إسرائيل نفسها وحيدة فيه.