خبر إنذار في محطات الوقود- هآرتس

الساعة 09:10 ص|06 مارس 2011

إنذار في محطات الوقود- هآرتس

بقلم: ألوف بن

(المضمون: بقدر ما تأتي بدائل النفط بشكل اسرع الى السوق ليزيحوه عن القمة، يكون أفضل. الثورات في الدول العربية هي صافرة انذار لتحريك التغيير الايجابي جدا في اقتصاد الطاقة  - المصدر).

الدرس الناشيء عن الثورة العربية في الاسابيع الاخيرة هو أن العالم ملزم بالتحرر من التعلق بالنفط. التحذيرات المتكررة، من أن الاقتصاد العالمي يعتمد على مقدرات آخذة في النفاد توجد تحت أعماق اراضي دول غير مستقرة تتجسد امام ناظرينا. فالانتفاضات الشعبية في مصر والحرب الاهلية في ليبيا رفعت الى الاعلى اسعار الوقود. وهذا لا شيء مقابل الخوف المتزايد من ان تشتعل السعودية أيضا، وهي الضلع الاهم في اقتصاد الطاقة العالمي، بنار الثورة. اذا ما علقت صناعة النفط السعودية في أزمة وفي انعدام لليقين، فان الارتفاع في الاسعار من شأنه ان يضعضع النظام العالمي.

هذه هي اللحظة الكبرى لانبياء الغضب مثل توماس فريدمان، كاتب الرأي في "نيويورك تايمز" والذي يحذر منذ سنين من الادمان الامريكي على النفط المستورد". او مثل مستثمر السيارات الكهربائية شاي اغاسي، الذي ينشغل بتطوير بديل للذهب الاسود. ولكن لا تكفي مقالات الرأي او حتى مشاريع الطاقة. سلم اولويات الدول المتطورة يجب أن يتغير. عليها أن تضع في رأس هذا السلم تقليص الاستخدام للنفط. لا يوجد خطر أكبر على امنها القومي وازدهارها من المبنى الحالي لاقتصاد الطاقة.

عصر النفط بدأت قبل نحو 150 سنة، في أعمال تنقيب جرت في بنسلفانيا في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين اتسع الاستهلاك فقط – وهو يواصل الاتساع.

النفط سهل على الانتاج، النقل والاستغلال، اكثر من أي مصدر طاقة آخر. لا توجد مصلحة تجارية أكبر أو اهم من نهله وتوريده. من الشركات العشر الاكبر في العالم، خمس هي شركات النفط. لا يتأثر أي منتج آخر مثل النفط بالتحركات السياسية، او يؤثر مثله على ميزان القوى العالمي.

جدول بيان اسعار النفط في الاربعين سنة الاخيرة يصف بالضبط علاقات القوة بين القوى العظمى. هناك نسق واضح بين الحركات الحادة في أسعار النفط، الى فوق او الى تحت، وبين وضع العلاقات بين القوى العظمى.

ارتفاع الاسعار في السبعينيات في اعقاب حرب يوم الغفران وفي وقت لاحق الثورة في ايران مس شديد المساس بمكانة الولايات المتحدة – كبرى مستوردات النفط – وعزز قوة الاتحاد السوفييتي الذي يعتمد اقتصاده على تصدير الطاقة. ساعة الحساب حانت في العقد التالي: انهيار الاسعار في نهاية الثمانينيات دفع الاتحاد السوفييتي الى الانهيار. اقتصاده لم ينجح في الصمود امام عبء الاحتفاظ بالامبراطورية السوفييتي دون تدفق دولارات البترول.

سعر النفط ارتفع مرة اخرى في 2008 وبشر بالازمة المالية العالمية، التي أوقعت الى الارضية الولايات المتحدة وهزت ثقتها بنفسها. الرابح الاكبر هذه المرة كانت الصين التي هي ايضا مستوردة نفط ولكن تعلقها الاقتصادي به لا يزال اقل  من التعلق الامريكي. الازمة الاقتصادية أدت الى تحول سياسي رفع الى الحكم براك اوباما.

اسعار النفط انخفضت في هذه الاثناء مرة اخرى، وانتعشت من جديد مع ارتفاع الطلب في السنة الماضية. ضعف الولايات المتحدة اضر في نهاية المطاف بالدول المصدرة للنفط: الاصداء التي احدثتها الازمة الاقتصادية تسقط الان الانظمة في الدول العربية، التي كانت تحت رعاية واشنطن وتتمتع بحمايتها.

متعلقون بالنفط

التعلق بالنفط ينبع من سيطرته على المواصلات. السيارات، السفن والطائرات، وقسم كبير من القطارات تدور محركاتها بالبنزين وبالسولار. نمط الحياة الحديث يعتمد تماما على ادوات المواصلات هذه. غال لوفت، باحث اسرائيلي يتحدث للامريكيين عن "امن الطاقة" يعطي في محاضراته نموذجا يفهمه كل انسان: في دولة ضواحي مثل الولايات المتحدة لا يمكن شراء الخبز دون الدخول في السيارة والسفر الى البقالة. هذا يعني أنه بدون نفط متوفر فان سكان "الضواحي" ببساطة سيجوعون. في المدن الكبرى مثل نيويورك وشيكاغو توجد قطارات كهربائية، ولكن توريد الغذاء من القرية الى المدينة متعلق بالنفط.

الولايات المتحدة لا تزال مستهلكة النفط الاكبر، فهي ترضع نحو ربع الانتاج العالمي. الصين تغلق بسرعة الفارق: في السنة الماضي اجتاز الصينيون لاول مرة الامريكيين في الاستهلاك العام للطاقة (من كل المصادر وكل الاستخدامات). بقدر ما ينتقل  فيه الصينيون من القرية الى المدينة ومن الدراجة الى السيارة، فانهم يحتاجون أكثر فأكثر للبنزين والسولار. الصين تستهلك اليوم نحو عُشر انتاج النفط في العالم. وحسب توقعات الشركة البريطانية للبترول، فان استهلاكها سيتضاعف وفي العام 2030 ستتجاوز الولايات المتحدة.

الطلب الصيني على النفط سيملي، اكثر من أي عامل آخر، التطورات في سوق الطاقة العالمية وبالضرورة ايضا ميزان القوة بين القوى العظمى. منذ اليوم يصدر معظم النفط من الشرق الاوسط الى آسيا، ولا سيما الى اليابان والصين. حتى اليوم، الولايات المتحدة سيطرت على معظم مصادر التوريد، بفضل اتفاقات الدفاع مع السعودية وامارات الخليج، والاحتلال العسكري للعراق. في السنوات القادمة ستحتدم المنافسة على السيطرة على ابار النفط بين الولايات المتحدة والصين، التي تدعم اليوم ايران. الانظمة الجديدة التي ستنشأ في الدول العربية لا بد ستحاول ان تنفض عن نفسها العناق الامريكي وان تلعب بين القوى العظمى كي تزيد نفوذها ومكاسبها الاقتصادية.

استهلاك النفط العالمي هو الان في ذروة نحو 88 مليون برميل نفط في اليوم. المنتجان الاكبر هما روسيا والسعودية، اللذان يزودان معا نحو ربع السوق. للسعودية توجد أهمية خاصة، وذلك لانها وحدها لديها قدرة على الانتاج الزائد وهي يمكنها أن تسد النقص اذا ما علقت احدى الدول المصدرة الصغرى في مشكلة – مثلما حصل الان مع ليبيا. كل الموردات الاخرى تنهل نفطا بكامل قدرتها.

في السعودية توجد ايضا الاحتياطات  المثبتة الاكبر. مثل كل شيء تقريبا في سوق النفط، فان حجم الاحتياجات وقدرة الانتاج السعودية موضع شك ومليئة بالنظريات. ولكن المعطيات اقل أهمية من التوقعات التي تملي الثمن والسلوك على المستهلكين. عندما تسعل السعودية فان الاقتصادات في الغرب وفي آسيا تهتز.

أزمة الطاقة في السبعينيات أدت الى وقف استخدام النفط كمصدر طاقة لانتاج الكهرباء. واحتل مكانه الفحم والغاز الطبيعي. وكان التغيير أسهل في اقتصاد الكهرباء حيث ينبغي تغذية عدة محطات ثابتة لتوليد الطاقة فقط، وليس ملايين السيارات التي تسير في الطرقات. اما الان فحان دور التغيير في المواصلات.

تنوع المصادر

للبنزين والسولار يوجد ثلاثة بدائل محتملة: الوقود التي تنتج من النبات، الغاز الطبيعي الذي يحول الى وقود للسيارات والمحرك الكهربائي. استخدام الكهرباء يمنح المرونة الاكبر، وذلك لان الشبكة تصل الى كل مكان والطاقة يمكن توليدها من عدة مصادر – من وقود نفايات مثل الفحم والغاز الطبيعي، النووي، وفي المستقبل الريح والشمس.

الميزة السياسية للسيارة الكهربائية تكمن في تنوع مصادر التوريد: احتياطات الفحم، الغاز الطبيعي واليورانيوم. وبالطبع ايضا اشعة الشمس والريح، لا تتركز في بضع دول معظمها غير ديمقراطية وتعاني من عدم الاستقرار، مثل احتياطات النفط. اذا ما سافرنا في سيارات كهربائية، لن نخاف على كراسي ملك السعودية ورفاقه في الكويت، قطر، البحرين واتحاد الامارات. وتغيير الحكم في الرياض لن يهز زبائن السوبرماركت في اريزونا.

السيارات الكهربائية، او تلك التي تتحرك بالغاز الطبيعي، لن تحل مشاكل جودة البيئة، تلوث الهواء والاحتباس الحراري للارض. بالاغلب ستنقل الدخان والرائحة الكريهة من شوارع المدن المكتظة الى أقبية محطات توليد الطاقة. منفعتها ستكون سياسية واستراتيجية وليس بيئية. فقط حين تصل الى اختراق تكنولويا في تنمية الطاقة المتجددة من الشمس والريح، يمكن للكهرباء أيضا ان تكون خضراء. نحن لسنا هناك بعد. الان ينبغي معالجة السياسة في الطاقة وليس الخيال عن عالم عديم التلوث.

رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو شخص جيدا الحاجة الى تحرير العالم من النفط وبادر الى خطة وطنية لتطوير البدائل. بعد تأخيرات وصراعات بيروقراطية صودق على الخطة في الحكومة في الشهر الماضي. في المجلس الوطني للاقتصاد، برئاسة البروفيسور يوجين كندل، اقيمت مديرية مشروع صغير، مدير المشروع سجي دغان يبحث عن مستثمرين صغار يمكنهم ان يحدثوا تغييرا كبيرا. يوجد لهذا سابقة في عالم الانترنت، حيث حظيت شركات اسرائيلية بالنفوذ وبنصيب كبير في السوق في مجالات حيوية مثل التشفير. في المجلس الوطني للاقتصاد يؤمنون بانه مع دفعة ومساعدة من الحكومة سينهض هنا المزيد من شاي اغاسي.

التحدي هائل: حسب توقعات الشركة البريطانية للبترول فان السيارات الكهربائية ستؤثر على سوق الكهرباء بعد عشرين سنة فقط. هذه فترة انتقالية، سيصل فيها نفوذ الدول المنتجة للنفط الى ذروته امام الطلب المتصاعد. امريكا وحلفاؤها، بما فيهم اسرائيل يتعين عليهم أن يجتازوا ايام الغضب هذه وهم اقوياء قدر الامكان، والامل بان في نهاية الفترة سيستقر ميزان القوى بحيث يكون لهم فيه تفوق. بقدر ما تأتي بدائل النفط بشكل اسرع الى السوق ليزيحوه عن القمة، يكون أفضل. الثورات في الدول العربية هي صافرة انذار لتحريك التغيير الايجابي جدا في اقتصاد الطاقة.