خبر الحملات الصليبية.. اسرائيل اليوم

الساعة 09:26 ص|04 مارس 2011

بقلم: حامي شيلو

(المضمون: العالم الغربي متعجل الآن لانشاء حل سريع للصراع العربي الاسرائيلي ولو اقتضى الأمر الضغط الشديد على اسرائيل بسبب الزلزال الذي أصاب العالم العربي في المدة الأخيرة - المصدر).

قد لا تكونون سمعتم بذلك، لكن حكومات اسرائيل تقوم منذ سني جيل بحرب عالمية على الكلمة الانجليزية (crux) التي هي المصدر اللاتيني للكلمة الانجليزية (cross) وعلى اسم مجموعة النجوم المعروفة باسمها الأصلي cross australis. ليس لهذا النضال أي صلة بالتوترات بين الأديان ولا بالرمز المسيحي المعروف، وهو موجه فقط على الاستعمال المقبول اليوم للكلمة باللغة الانجليزية، والتي يُستمد معناها من نقطة الوصل المركزية بين ذراعي الصليب والتي تعني: الشيء الرئيس أو لب الموضوع أو العامل الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو مفتاح الحل أو نقطة أرخميدس.

منذ حرب الايام الستة جُندت أذرع دعاية اسرائيل لمواجهة مقولتين مع كلمة Crux، أصبحتا كليشيهي سياسة حديدية وهما أن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هو الـ " crux" أي المفتاح المركزي لحل الصراع العربي – الاسرائيلي، وان الصراع العربي – الاسرائيلي من جهته هو الـ crux ، أي نقطة أرخميدس التي يمكن ان يعتمد عليها السلام والسكون في الشرق الاوسط كله. أعلن الرئيس المصري انور السادات من فوق منصة الكنيست في 20 تشرين الثاني 1977 انه "لا أحد يستطيع إنكار ان الفلسطينيين هم " crux " المشكلة"، لكن اسرائيل لم تقتنع واستمرت في الإنكار.

إن وضعنا التاريخي في ظاهر الامر غير سيء على الاطلاق. فعداوة الدول العربية، لا الشأن الفلسطيني، هي التي كانت في مركز الحروب الكبيرة التي قامت بها اسرائيل من حرب الاستقلال الى سيناء الى الايام الستة ثم يوم الغفران، وليس من الصعب ان نبرهن على ان الزعماء العرب استخفوا بالفلسطينيين وداسوا كرامتهم وهم يرددون حقوقهم.

لا يستطيع أحد ايضا أن يُنكر حقيقة ان الشرق الاوسط مفجر على نحو مفرط بحروب وصراعات ليس لها أي صلة باسرائيل، من حرب ايران مع العراق في الشرق الى الصراعات في سهارة في الغرب، مرورا بالحروب الأهلية في لبنان وكردستان في الشمال حتى المواجهات في الصومال والسودان واليمن في الجنوب. لا تخطئوا في أوهام ان حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني أو حتى الاسرائيلي العربي سيفضي الى هدوء في الشرق الاوسط، زعمت اسرائيل، لان الحرب راسخة في المنطقة دونما صلة باليهود ودولتهم.

يحلمون بحطين

استمر هذا الصراع اللغوي بكامل قوته حتى بداية التسعينيات تقريبا، ما ظلت اسرائيل تصد عنها الهوية الفلسطينية، لكنه خفت تماما تقريبا بسبب الانتفاضة واتفاقات اوسلو والاعتراف المتسع بضرورة انشاء دولة للفلسطينيين والحقيقة البسيطة ان هذه الحملة الدعائية قد انتهت بهزيمة.

وهنا في الاسابيع الاخيرة حظيت حركة مقاومة الـ " crux " بحياة جديدة فجأة، على أثر التمرد العربي الكبير في 2011. يقول أناس الدعاية عندنا مرة اخرى أنظروا الى الجماهير المنتفضة في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا: انهم لا يتظاهرون بسبب اسرائيل ولا يجعلون اسرائيل في مقدمة انتفاضتهم، وهذا برهان آخر لكم على ان الصراع مع الفلسطينيين هامشي تماما بالنسبة للتطورات في المنطقة. أتركونا في هدوء والعاصفة من حولنا، فنحن لسنا المشكلة ولا الحل ايضا.

إن ادعاءاتنا مع ذلك تقع الآن على آذان أشد صمما مما كانت قط. يستعد زعماء الغرب لمعركة مصيرية لا يمكن الاقلال من أهميتها، على مستقبل الشرق الاوسط ومصير احتياطي النفط. لا يجب أن نُذكرهم – برغم أن هذا لن يمنعنا لذتنا – بأن الحديث عن صراع حياة أو موت مع ايران والاسلام المتطرف. لان فكرة ان تقع الشواطيء الجنوبية للبحر المتوسط من مصر الى ما يليها غربا في أيدي منفذي أوامر آيات الله من طهران – هو أكبر كابوس لزعماء الغرب، وخطر وجودي حقيقي على القارة الاوروبية التي تملك كما يجب أن نُذكر، ذكريات تاريخية أكثر فظاعة مما عندنا، منذ ايام احتلال الأمويين في القرن الثامن لاسبانيا ثم بعد ذلك الحملات الصليبية ومعركة حطين التي هزم فيها صلاح الدين الصليبيين الاوروبيين في القرن الثاني عشر الميلادي، ثم الى ما يقرب من 500 سنة احتلال وحرب وصراع دائم مع الدولة العثمانية حتى هُزمت في مطلع القرن الماضي.

يستعد الامريكيون والاوروبيون الآن لجهد سياسي واقتصادي مكثف لمحاولة الاستيقان من ان الدول العربية "المحررة" ستتحول قدر المستطاع الى نظم حكم شبه ديمقراطية تهتم بالحفاظ على الاستقرار وتحسين حياة مواطنيها حتى لو لم تتبنَ كلها سياسة موالية للغرب واضحة بل سارت إثر النموذج التركي وهذا أخف الضرر. قد لا يكون الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لب الصراع في نظرهم ايضا لكنه عضو حيوي مع كل ذلك. قد لا يكون الملك فوق لوحة الشطرنج لكنه ملكة تستطيع ان تحسم المعركة أو تثبط على الأقل احتمال الدمار والخراب على أيدي الحركات الجهادية التي تطمح الى الحكم.

أصبح العاجل الآن عند الاوروبيين مُلحاً بذعر، وتحول الحيوي الى ضرورة حياة أو موت، وبيت الجيران يشتعل ومفتاح اطفائه كما يعتقدون في يد الحكومة في القدس. فضلا عن ذلك، يوجد من اجل تسوية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني خريطة طريق مرسومة وحل ثمنه معروف سلفا، وكل ما بقي هو "قرع الرؤوس معا"، كما قال ذات مرة الرئيس الراحل عيزرا وايزمن حتى يخرج الدخان الابيض.

نحو الخطبة الثالثة

كانت اسرائيل معزولة حتى قبل الاضطرابات الاخيرة، ولم يعد لاوروبا صبر علينا حتى قبل ان يحتل المتظاهرون تونس والقاهرة وبنغازي، لكن ما كُتب في الجدار أخذ يزداد حدة الآن، والرسالة لا تشجع من يريد الحفاظ على الوضع الراهن. فحتى لو كان الرئيس اوباما قد أراد ان يدع الشرق الاوسط وشأنه كما ظن بعض المحللين، فان الاوروبيين يستعملون ضغطا ثقيلا وقد تغيرت الظروف من النقيض الى النقيض، وكذلك العجلة والإلحاح على تحصين المواقف والتوصل الى انجازات. ينوي اوباما ان يخطب في الفترة القريبة في "العالم الاسلامي" خطبة ثالثة بعد الكلام الذي قاله قبل سنتين في اسطنبول والقاهرة، وبدأت تُسمع في القدس صافرات تحذير تعلو وتنخفض لا بسبب عُطل هذه المرة.

تحدث موظف رفيع المستوى هذا الاسبوع عن نية رئيس الحكومة أن يعرض خطة لتسوية بينية، لكنه بحسب المزاج السياسي الذي أخذ ينشأ في واشنطن أو خاصة في عواصم اوروبا، فمن المحتمل افتراض ان تُستقبل هذه الخطة اذا عُرضت باعتبارها قليلة جدا ومتأخرة جدا خصوصا. لا يجب ان تكون عبقريا في الجيولوجيا كي تدرك ان الزلزال في العالم العربي سيُنشيء في نهاية الامر أمواج تسونامي سياسية قد تُغرق ايضا فروضنا الأساسية وصراعاتنا. هذا هو " crux " المسألة الآن.