خبر ثقافة مظاهرات -هآرتس

الساعة 09:47 ص|28 فبراير 2011

ثقافة مظاهرات -هآرتس

بقلم: تسفي بارئيل

(المضمون: في ظل احباط الناس من الفارق الذي بين النجاح في الشارع وقلة الانجازات من شأن المظاهرات ان تصبح نمط حياة عامة لا يتيح التجدد السياسي والاقتصادي - المصدر).

بعد شهرين من المظاهرات في تونس، وشهر منذ بدء المظاهرات الكبرى  في مصر والتي طيرت مبارك من كرسيه الى ملجأه في شرم الشيخ يبدو أن "ثقافة المظاهرات" آخذة في الاحتلال لمكان التحولات السياسية وتطبيق الديمقراطية الجديدة. النموذج حديث العهد هو ليبيا التي اصبحت هذه الايام ميدان معركة مع عدد القتلى الذي يصل حسب التقديرات الى ألف، ومع الخوف من مذبحة أكبر بكثير وتوقع بحرب أهلية كاملة. في ليبيا ايضا يهتف المتظاهرون "الشعب يريد اسقاط النظام" ومثلما في دول اخرى ليس واضحا من سيحل محل الحكم. وخلافا لمصر المؤطرة بالمؤسسات، حيث أخذ الجيش مسؤولية الادارة، ويتخذ اجراءات اولى لتغيير الدستور من أجل نقل الحكم الى حكومة مدنية منتخبة، تنقص ليبيا مثل هذه البنية التحتية. القوة السياسية والجماهيرية الاكبر توجد في يد نحو 140 من رؤساء القبائل والعشائر، منهم نحو 30 نشيطا سياسيا ذوي تأثير جماهيري واسع. في فترة عهده نجح القذافي في أن يبني منظومة قبلية داعمة من خلال دفعات طائلة لرؤساء القبائل وادخالهم في اجهزة حكمه. وفي نفس الوقت لم يسمح بنشاط مدني لجمعيات واحزاب، وهكذا خلق تعلقا مطلقا به.

        الان يتبين ان بان طريقة الحكم هذه آخذة في الانحلال الى أن قررت القبائل التي وفرت للقذافي اساس جنوده ادارة ظهر المجن له. سقوط القذافي من شأنه أن يفكك الدولة الى امارات قبلية او ائتلافات محلية للقبائل في افضل الاحوال يمكنها أن تدير على نحو مشترك مناطق في الدولة وفي اسوأ الاحوال ستتقاتل بينها على السيطرة على المقدرات. القاسم المشترك الذي يوحد في هذه اللحظة معظم القبائل – معارضة القذافي والغضب على المذبحة – من شأنه ان يخلي مكانه لحروب داخلية دون أن يكون ممكنا التنبؤ بكيفية نشوء ائتلاف للقبائل يمكنه أن يدير الدولة ويمنع تحولها الى طراز توأم لافغانستان.

        للدول الغربية مثلما للدول العربية لا يوجد أي سبيل لمنع هذا التفكك. في لحظة فزع تسعى الدول الغربية والزعماء العرب الى فرض عقوبات على ليبيا، وهذه على ما يبدو ستفرضها الامم المتحدة. ولكن مدى تأثيرها محدود للغاية. تجميد حسابات القذافي، منع تأشيرات الزيارة عن شخصيات في حكمه وحظر بيع السلاح، لن تمنع القذافي من مواصلة حربه ضد مواطني الدولة. اذا كانت العقوبات على دول اخرى كالعراق او السودان ترمي الى تشجيع المواطنين على تغيير نظام الحكم او الايضاح للانظمة بان من شأنها أن تفقد تأييد الجمهور، ففي ليبيا التمرد المدني حصل دون العقوبات ولم يعد يهم الزعيم الشرعية المدنية. يخيل الان ان العقوبات تأتي لاظهار التضامن مع الجمهور الليبي أكثر مما هي رافعة لمنع الحرب او معاقبة القذافي.

        مع ان ليبيا تعرض النموذج الاكثر عنفا حتى الان للصراع بين الحكم ومواطنيه، الا أنه في دول عربية اخرى بدأت مرحلة الصحوة من احتفال المظاهرات، وتجرى منذ الان مباحثات حول اليوم التالي. "الديمقراطية والثورة لا تضعان الطعام على الطاولة"، قال أول امس المؤرخ سيمون شاما في البي.بي.سي . في العراق المواطنون يعرفون جيدا هذه الحقيقة والمشاكل التي تحدثها الديمقراطية الجديدة. ثماني سنوات بعد سقوط صدام حسين وسنة بعد الانتخابات للبرلمان يبدو أن الديمقراطية العراقية هي الاخرى لا تلبي احتياجات الجمهور. المظاهرات الضخمة يوم الجمعة والتي قتل فيها اكثر من 11 شخصا، توضح بان هناك حاجة الى اكثر بكثير من اسقاط الدكتاتور من أجل بناء دولة. "ثقافة المظاهرات" التي تنتج شعارات شبه مشابهة في كل الدول التي خرج فيها الجمهور الى الشارع، خلقت منذ الان طرازات جديدة من الانظمة: تلك التي لا يزال لم يتغير الزعيم، تلك التي فر زعيمه أو على وشك الفرار وتلك التي نجحت حتى الان في تفادي "المس بالجمهور". في فترة زمنية قصيرة لا يمكن لاي منها أن ينتج نتاجات حقيقية، مثلما يطالب المتظاهرون قصيرو النفس.

        وهكذا يتعاظم الاحباط من الفارق الذي بين النجاح في الشارع وقلة الانجازات، وهكذا من شأن المظاهرات ان تصبح نمط حياة عامة لا يتيح التجدد السياسي والاقتصادي، في الوقت الذي تكون فيه المظاهرات هي غاية كل شيء.