خبر حملة التطهير..هآرتس

الساعة 11:47 ص|23 فبراير 2011

بقلم: تسفي برئيل

        كان يجب على الممثل المصري طلعت زكريا ان يُخمن أن يُشمل اسمه في القائمة السوداء، التي أعدها نشطاء في حركات العصيان المصرية، لا لأنه وصف المتظاهرين في ميدان التحرير بأنهم "تجار مخدرات ومشغولون بالجنس" فقط. فقد جسد قبل ثلاث سنين دور الطباخ في فيلم "طباخ الريس"، الذي أخرجه عمر عرفة. يقول الطباخ في هذا الفيلم – أي زكريا – للرئيس الحقيقة عن ازمات الشعب، وعن الأكاذيب التي يأتيه بها مستشاروه ووزراؤه، وعن نوعية الخبز وسائر منتوجات الغذاء الفظيعة التي يعيش عليها المصريون.

        كان هذا أول فيلم عن رئيس يلي عمله هو حسني مبارك، سمحت الرقابة بعرضه. وذلك لأنه يوصف في الفيلم بأنه رئيس خيّر، يدعو اليه في أعقاب أحاديث طباخه الوزراء ويأمرهم بأن يأكلوا الخبز المعيب المليء بقطع الزجاج والمسامير.

        عرف زكريا آنذاك أن الدور الذي جسده مثل الفيلم كله خدعة، لكنه بقي مخلصا للرئيس حتى اللحظة الأخيرة، بل حظي بلقائه شخصيا مدة ساعتين، وكان لقاءا خرج منه ممتلئا تأييدا لرئيسه. هو الآن في القائمة السوداء مع نحو من ثلاثين فنانا مصريا آخر يريد قادة الثورة – كانوا من كانوا – مقاطعتهم. يوجد بينهم الممثل الكبير عادل إمام الذي دعا المتظاهرين الى العودة الى بيوتهم، والممثلة مي كساب، التي اتهمت المتظاهرين بالجهل لكنها رجعت عن ذلك قبل يوم من اعلان مبارك تنحيه وزعمت أنها لم تكن عالمة حقا بفظائع السلطة. وكذلك ايضا غادة عبد الرازق التي قالت للمتظاهرين انهم لا يمثلون الـ 85 مليونا من مواطني مصر – وأسماء مشهورة اخرى من كبار عالم السينما والمسرح والغناء المصري.

        هذا هو موسم "القوائم السوداء"، وهو مسار معروف من تصفية الحسابات، يأتي بعد كل ثورة أو انقلاب. قد يكون في جزء منه عنيفا جدا كما في العراق، ويتم جزء منه في المحاكم كما يفعل الآن المدعي العام في مصر الذي يحاكم وزراء وموظفين كبارا بتهم الفساد، وقد يلبس في جزء منه صورة حملة قطيعة عامة مثل القوائم على الفنانين. هذا هو الموسم الذي يُفرقون فيه بين الخونة الذين تعاونوا مع السلطة "الآفلة"، وبين المخلصين الذين انضموا الى المتظاهرين في آخر لحظة.

        لكن عندما يُحتاج ايضا الى التصفية والتصنيف تتبين البلبلة. على سبيل المثال طُردت مجرية اللقاءات المصرية المعروفة منى الشاذلي من ميدان التحرير عندما صاح بها عدد من المتظاهرين "خائنة"، في حين صفق لها متظاهرون آخرون وهم يصيحون "منى الشاذلي صوت الشعب". بالمناسبة أجرت الشاذلي بعد ذلك مقابلة مع وائل غنيم الذي يُعد هو الذي قاد الثورة بواسطة الفيس بوك. يبدو انه ليس لغنيم مشكلة مع "خيانة" الشاذلي.

        "لست أفهم كيف يمكن جعل لاعب كرة قدم خائنا لانه كان نجما في فترة ولاية مبارك فقط"، تساءل عبد الرحمن الراشد الذي كان محرر شبكة العربية الرئيس، في مقالة نشرها هذا الاسبوع في "الشرق الاوسط". "ولست أفهم ايضا كيف يستطيع اولئك المطربون الذين تنافسوا في مشاركتهم في احتفالات رسمية في فترة مبارك، التحلل من ماضيهم، وهم الآن يشاركون في احتفالات بسقوط النظام السابق… إن من كان نجما سينمائيا أو أديبا ذا شأن، أو لاعب كرة قدم في فترة مبارك، لم يحظ بالصيت بسبب مبارك بل بسبب مواهبه". لكن هذا التعبير المنطقي ليس ساري الفعل في هذه الايام.

        الى جانب حملة التطهير بين الفنانين، يُثار ايضا انتقاد شديد على لجنة صياغة الدستور الجديد التي عينها المجلس العسكري الأعلى. وهنا يتم التعبير عن الاختلافات بين جميع المنظمات المدنية وجمعيات حقوق الانسان.

        على سبيل المثال يزعم مندوبون عن 91 رابطة قضائية ان اللجنة برئاسة رجل القانون طارق البشري التي فيها سبعة اعضاء لا تمثل جميع طبقات السكان، وليس فيها حتى امرأة واحدة وهي تشتمل على اشخاص ساسة خدموا في النظام السابق. وتزعم 31 جمعية ان بعض اعضاء اللجنة كانوا شركاء في صياغة تعديلات الدستور التي بادر اليها مبارك والتي أثارت خلافا عميقا. وتشير مجموعة اتحادات اخرى تشتمل على 15 منظمة قبطية الى أن صبغة اللجنة تشهد على ميول اسلامية. ويوجه انتقادهم في الأساس على البشري الذي يرونه مفكر الاسلام السياسي، "هذا شيء يعارض مباديء الدولة المدنية التي تريد الثورة انشاءها".

        يثير تعيين البشري خوفا عند الأقباط في الأساس – الذين هم نحو من 10 في المائة من السكان؛ فهم يخشون أن "تصبح مصر افغانستان"، كما قال شخصية قبطية رفيعة المستوى لموقع "إيلاف". وتطلب منظمات قبطية خارج مصر ان يتم تغيير الدستور بحيث لا يكون الدين مصدر سلطة رئيس للتشريع كما هو اليوم. لكنه بحسب تصريحات اعضاء لجنة الدستور، لا توجد أية نيّة لتغيير مكانة الدين في الدستور.

        تشهد هذه الاختلافات في الرأي أكثر من كل شيء على الصعاب المتوقعة للسلطة العسكرية قُبيل صياغة تعديلات الدستور، ولا سيما عدم اليقين قُبيل عرض الدستور الجديد لاستفتاء الشعب. وكل ذلك في حين تسخن رويدا رويدا حملة الانتخابات للرئاسة التي لم يُحدد موعدها الجديد بعد، وتتعلق بصياغة الدستور الجديد. على سبيل المثال، أعلن عمرو موسى بأنه ينوي الاستقالة من الامانة العامة للجامعة العربية لينافس في الرئاسة، لكن أيمن نور ايضا يريد ان يكون رئيسا، وربما محمد البرادعي ايضا. ولا يُنتظر ان يسود ما بينهم حب كبير.