خبر لتحملنا أساطيلك يا سيادة العقيد ..ياسر الزعاترة

الساعة 07:56 ص|21 فبراير 2011

لتحملنا أساطيلك يا سيادة العقيد ..ياسر الزعاترة

في واحدة من تجلياته الجديدة بعد ثورتي مصر وتونس، وحزنه اللافت على الرئيسين المخلوعين، دعا العقيد معمر القذافي اللاجئين الفلسطينيين للاستفادة من الثورات الشعبية في الدول العربية عن طريق التجمع السلمي على حدود الدولة العبرية "حتى تستسلم لمطالبهم". وأوضح العقيد أن أساطيل من القوارب يمكن أن تأخذ الفلسطينيين لينتظروا على السواحل الفلسطينية، معتبراً أن ذلك ليس دعوة للحرب وإنما دعوة للسلام.

 

يأتي ذلك وسط مسلسل من التصريحات واللقاءات التي أخذ العقيد يدلي بها ويعقدها منذ ثورة الشعب التونسي (وصل به الحال حد المشاركة في مسيرات لمؤيديه)، والتي تشي بحجم القلق الذي يساوره من انتقال العدوى إلى بلاده التي تعتبر الأكثر قابلية للانفجار، هي التي تمتع بثروات هائلة يضيعها العقيد بطرق بائسة يعرفها القاصي والداني، فيما يعاني الشعب الليبي من القمع وغياب الحريات على نحو يتفوق على أي بلد عربي آخر.

 

نحمد الله أن ذلك كله لم يجد نفعاً، فها هي ثورة الشعب الليبي تندلع بقوة، وهذه المرة صراحة من أجل تنحية العقيد عن السلطة، وليس مجرد الإصلاح كما كان يحدث في السابق، ما يشير إلى قناعة أخذت تسود المجتمع الليبي مفادها أنه لا مناص من تغيير النظام، لا مجرد الاكتفاء بعمليات ترقيع يتبناها نجل العقيد (سيف الإسلام) الذي يجري تقديمه بوصفه الخليفة القادم، مع أن أوساطاً غربية أخذت تحدثت عن صراع في العائلة حول المنصب.

 

وفي حين يعتقد العقيد أن تصعيد آلة القمع يمكن أن يؤدي إلى وأد الثورة، فقد ثبت أن وصفة من هذا النوع لن تؤدي إلا إلى مزيد من الغليان، حتى لو استخدم قطاعات البلطجية وعناصر الأمن باللباس المدني الذين يرفعون صوره ويهتفون باسمه، بينما يهاجمون المحتجين على نحو همجي (استخدمت ضدهم الأسلحة الثقيلة) أسفر عن عشرات القتلى ومئات الجرحى حتى الآن.

 

العقيد للتذكير هو أقدم الزعماء العرب على الإطلاق، بل ربما أقدم زعيم في العالم بأسره، إذ يحكم ليبيا منذ العام 69، لكنه لم يقدم للشعب الليبي خلالها غير الشعارات الثورية التي ما لبثت أن ذهبت هباءً نهاية الألفية الماضية إثر قراره القاضي بالخروج من عوالم الإرهاب إلى دوائر العولمة والرضا الغربي، والتي دفع ثمنها من ثروات الشعب الليبي مئات من المليارات يصعب حصرها.

 

ليس هذا موضوعنا، لكن الكلام يجرّ بعضه بعضاً كما يقال، فما يعنينا هنا هو المقترح العظيم الذي تقدم به العقيد لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ممثلاً في التجمع على حدود فلسطين حتى السماح لهم بدخول بلادهم، مع تسيير أساطيل من القوارب التي تحملهم وتتجمع على السواحل الفلسطينية حتى تفرض على العدو إدخالهم إلى مدنهم وقراهم.

 

والحق أننا إزاء مقترح مهم ومثير فكر فيه كثيرون من قبل، ونحن مع أن يجري تبنيه من قبل الجامعة العربية، بحيث يزحف الفلسطينيون بالملايين من كل الاتجاهات، مع أساطيل من القوارب في عرض البحر في وقت واحد، وهنا سيكون على العدو أن يبيدهم جميعاً أو يسمح لهم بالدخول.

 

لكن هذا المقترح ليس دعوة للسلام، بل هي الحرب بعينها، ما يعني حاجته إلى قرار سياسي عربي على أعلى المستويات، ونحن نتمنى أن يبادر السيد العقيد إلى إعلان الاستعداد لتمويل العملية من الألف إلى لياء، والأرجح أنها لن تكلفه الكثير قياساً بما دفعه من أجل الخروج من مربع الإرهاب أو دعم الإرهاب.

 

ليست هذه سخرية من الفكرة، لكنها سخرية من تجاهل الظروف الموضوعية التي تحول دون التنفيذ، ولو توفر قرار عربي جريء بتنفيذها والموافقة على زحف الفلسطينيين من البحر والبر، وفي وقت واحد نحو فلسطين لكانت ملحمة رائعة سيعجز العدو عن مواجهتها في ظل مراقبة العالم أجمع لها.

 

إنه شعب يريد العودة إلى وطنه وفق قرارات ما يسمى الشرعية الدولية، وليس من حق أحد أن يمنعه من ذلك، لكن المشكلة تكمن في القرار الرسمي العربي الذي ينبغي أن يُتخذ ولا تسمح به الإملاءات الخارجية. وللعلم فلو دعم العرب خيار المقاومة للشعب الفلسطيني بكل الوسائل لما كان انتصار الفلسطينيين صعباً إلى حد كبير، لكنهم فعلوا العكس كما يعلم الجميع.

 

نعلم أن العقيد لا يملك تبني فكرة كالتي تحدث عنها، ونتحدى أن يشرع في التنفيذ من خلال حشد الوضع العربي في هذا الاتجاه، لكن النظام العربي الرسمي الذي مرر المبادرة العربية التي تنص على حل متفق عليه لقضية اللاجئين (يعني بكل بساطة شطب ذلك الحق لأن أحداً في الكيان الصهيوني لا يوافق عليه)، هذا النظام لا يمكن أن يؤيد خياراً ثورياً كالذي تحدث عنه. لكن الامتحان هو امتحان العقيد الذي وجه الدعوة، وما إذا كان سيشرع في تحويلها إلى مشروع واقعي أم سيكون مصيرها مثل سائر المواويل التي يغنيها أمام الجماهير ثم ينساها بعد نهاية الجلسة؟.

 

صحيفة الدستور الأردنية