خبر مقدمة للديمقراطية- هآرتس

الساعة 09:19 ص|20 فبراير 2011

مقدمة للديمقراطية- هآرتس

بقلم: آفي يسسخروف وعاموس هرئيل

(المضمون: من ايران حتى ليبيا، الدرس الذي سيستخلصه الدكتاتوريون ليس ضرورة احداث التغييرات بل قمع المظاهرات منذ بدايتها بل وبكل القوة - المصدر).

الحكمة الدارجة في الغرب كما وجدت تعبيرها في الكثير من التحليلات في وسائل الاعلام الدولية هذا الاسبوع تعتقد بان هناك درسا واحدا من الثورة المصرية: سعي الجماهير في الشرق الأوسط الى الحقوق الكاملة، حرية التعبير، العمل والمساواة يكاد يكون غير قابل للمنع. ما يحصل في القاهرة وفي تونس، حكمه ان يحصل آجلا أم عاجلا أيضا في دمشق، في صنعاء وفي المنامة عاصمة البحرين. وحسب هذا المنطق، فانها وحدها الأنظمة التي تعرف كيف تتكيف مع روح العصر وتنفد على وجه السرعة تغييرات تلبي الحقوق، سيكون لها أمل في البقاء.

        في الوقت الذي شعر الناس في كل أرجاء المنطقة بموجات الصدى من القاهرة، أشار الحكام العرب بحذر إلى استعدادهم للاعتراف بالانعطافة. في سوريا خرج الرئيس بشار الاسد، على نحو تظاهري لمصافحة المواطنين خارج المسجد الأموي في دمشق (وان كان يمكن التقدير بان معظم المارة الأبرياء كانوا في واقع الأمر عملاء للمخابرات السورية). في الاردن حلت الحكومة. في الضفة الغربية أعلنت السلطة الفلسطينية عن قرارها إجراء انتخابات للمدن على نحو متأخر.

        ولكن، الدرس الأول في سموه للدكتاتوريات في المنطقة من سقوط نظيرهم، الرئيس المصري حسني مبارك، قد يكون معاكسا من ناحية جوهرية. مع أن المواجهة في مصر ارتدت احيانا طابعا عنيفا، الا ان مبارك امتنع عن ذبح معارضيه. قد يكون هذا احساسا بالمسؤولية من الرئيس تجاه الشعب المصري، الذي حكمه على مدى نحو ثلاثين سنة وربما أملى عليه قادة قوات الامن لديه كبح الجماح هذا. في كل الاحوال، فان استنتاج الدكتاتوريين من طهران وحتى الرباط قد يكون انه يلزم استخدام القوة القصوى بالسرعة الممكنة كي لا ينتهوا كما انتهى مبارك. من الصعب مثلا تخيل آيات الله في ايران يظهرون كبحا للجماح مشابها امام التحدي المتجدد الذي وضعه امامهم المتظاهرون "الخضر" هذا الاسبوع. اذا كانت اسرائيل، في خلاف واضح عن اوروبا والولايات المتحدة، عقبت بمرارة عن سقوط حكم مبارك، فان احداث ايران يفترض بها أن تبث الامل هنا. فبينما يمكن لسقوط انظمة اخرى في المنطقة ان تبشر بصعود الاخوان المسلمين، يكاد يكون كل تغيير في ايران مثابة إنباء طيبة (الا اذا وقعت سيطرة كاملة من الحرس الثوري، الاكثر تطرفا). سيمر وقت آخر قبل أن نعرف اذا كان اثر الدومينو سيصل ايضا الى طهران. الانطباع الناشيء في هذه اللحظة هو أن المظاهرات هناك لم تنل بعد زخما هاما. ويضاف الى الصعوبة المعروفة في توقع ردود فعل الجماهير تحت نظام قمعي، التعتيم، الواسع نسبيا، الذي تنجح السلطات في طهران في فرضه على المعلومات التي تتدفق من الدولة الى الخارج. في مصر، حيث شركات توريد الانترنت قليلة والسيطرة عليها مركزية، نجح نظام مبارك في قطع الانترنت تماما تقريبا على مدى عدة ايام حرجة.

        في ايران نحن نتغذى الان من فتات تقارير تترافق وصور خلوية مشوشة من مراكز المظاهرات. ومع ذلك، فان الاهتمام الدولي يتركز على ما يجري هناك هذا الاسبوع. هذا يحصل ايضا لانه بعد ثورة القاهرة تخاطر ادارة اوباما اكثر قليلا في تشجيع المعارضة في طهران (الامر الذي خشيت أن تفعله عند فشل الثورة الخضراء في حزيران 2009). سبب آخر هو الفشل المطلق لوسائل الاعلام ومحافل الاستخبارات في توقع الثورات في مصر وفي تونس. والان بات يستقبل كل معلومة جديدة من الشرق الاوسط بانصات كبير.

        المال يتحدث

        في هذه المرحلة يخيل أن لا مجال للمقارنة بين الاضطرابات التي وقعت بعد الانتخابات الرئاسية في 2009 وجولة المظاهرات الجديدة في ايران. في حينه تظاهر مئات الالاف وربما الملايينِ، في المدن الكبرى. اما مظاهرات يوم الاثنين من هذا الاسبوع فاجتذبت عددا اصغر بكثير من المشاركين وقتل شخص واحد في المواجهات مع قوات الامن. البروفيسور مئير لتباك، رئيس المجلس للدراسات الايرانية في جامعة تل أبيب يقول ان المعارضة الايرانية لا تزال حية ترزق. وهو يقول ان "هذه جمرات تضطرم". وبالمقابل، فان النظام وقوات امنه مستعدة على نحو افضل من مبارك وشرطته للتصدي للمظاهرات.

        يقدر لتباك بان نظام ايات الله لا يزال يتمتع بقاعدة تأييد مستقرة جدا من 20 – 30 في المائة من السكان. "هؤلاء اشخاص يؤمنون حقا بصحة طريق الثورة الاسلامية"، يشرح ويضيف بان "هناك ايضا مجموعات مختلفة، تعمل انطلاقا من المصلحة، مثل البسيج والبسدران (الحرس الثوري)، والتي سيبشر انتهاء الثورة بنهايتها". جماعات اساسية، مثل العمال والتجار لم تنضم بعد الى الاحتجاج في المرحلة الحالية.

        ولكن، اذا طرأ تغيير يقلق النظام بالقياس الى العام 2009، فهو يتعلق بالوضع الاقتصادي. مشاكل داخلية، الى جانب تشديد العقوبات الدولية ضد البرنامج النووي، فرضت ضائقة اقتصادية على طبقات واسعة. الغاء الدعم الحكومي للبضائع بحجم 100 مليار دولار رفع اسعار الوقود على نحو بارز. وفي المرحلة القادمة من المتوقع ارتفاع دراماتيكي في التضخم المالي من المحتمل أن يحدث هياجا شعبيا اوسع.

        ويصف لتباك خلافات داخلية، داخل النظام وفي اوساط المعارضة. في المعسكر المحافظ تنشأ مواجهة بين الرئيس احمدي نجاد وبين رفسنجاني ورئيس البرلمان علي لاريجاني وبين الرئيس والعلماء. وفي المعارضة نشأ تياران: واحد يضم اثنين من قادة المعارضة في 2009: نير حسين موسوي ومهدي كروبي يسعى الى ادخال تعديل على النظام القائم. اما التيار الثاني، الذي برز في المظاهرات الاخيرة سيطالب بنظام جديد ديمقراطي وتقدمي. ويقول لتباك ان "المشكلة هي ان مظاهرات الخضر شجعت المعسكر المحافظ على اعادة التكتل من جديد".

        د. الداد بردو، خبير في الشؤون الايرانية من دائرة الشرق الاوسط في الجامعة العبرية في القدس، يلاحظ هو ايضا تناقضا معينا في الحراك السياسي في ايران فيقول: "طالما بدت الحركة الخضراء مهزومة كان يمكن الحديث عن انشقاق في المعسكر المحافظ. اما اليوم فهم متراصون". وبزعم بردو، يشكل ا حمدي نجاد الان عبئا على الزعيم الروحي علي خمينئي. ويقول بردو انه "حتى رجال الحرس الثوري لا يرون في الرئيس شخصية محترمة. وهو يبدو كطير غريب، يحاول أن يقود ثورة المهدي الكبرى. احمدي نجاد يربط عودة المهدي بالمشروع النووي ايضا. وفي الشهر الماضي قال انه لن يبعد اليوم الذي يتحدث فيه 7 مليار انسان بالفارسية، أي – كل سكان العالم".

        الاستنتاج الاساس لبردو من البحث الذي تابع على مدى السنين منتجات الثقافة ومواقع الانترنت المركزية في ايران هو ان الشعب الايراني يخاف ثورة اضافية. "الشعب يطلب التغيير. وقد سبق لهم ان اجتازوا ثورة واحدة، اسلامية، وبنظرهم فان ثورة اخرى من شأنها ان تجلب معها دكتاتورية اخرى. لا يطلب الايرانيون نظاما على نمط الغرب بل شيئا ما مرغوبا فيه اكثر من ذلك".

        منذ يوم أول أمس بدت محاولة ايرانية للانتقال من الدفاع الى الهجوم. في تزامن يحتمل الا يكون بالصدفة، انطلق في لبنان خطاب حماسي على نحو خاص على لسان الامين العام لحزب الله حسن نصرالله ونشرت معلومات عن عبور متوقع لسفينتين حربيتين في قناة السويس، في الطريق الى الشاطىء السوري. نصرالله، من موقع عميق في القبو في بيروت، هزأ من تداول رئاسة الاركان في ا سرائيل وهدد بان منظمته ستحتل الجليل اذا ما بدأ الجيش الاسرائيلي في جولة حربية اخرى.

        حركة السفينتين الغيت اخيرا، ولكنها ما كانت لتكون ممكنة في عهد مبارك. مجرد الحديث عنها هي اشارة الى ان الايرانيين يؤمنون بان الازمنة تغيرت. حتى الان كانت السفن الاسرائيلية هي التي تمر في السويس، وتهدد ايران. الخطوتان تدلا على انه رغم المظاهرات في الجبهة الداخلية، تسعى طهران الى نقل المعركة على ساحة الخصم. كما أن هذا يتم من خلال المناورة المعروفة لصرف النار نحو اسرائيل. حقيقة أن واشنطن، رغم تصريحاتها الاخيرة، لا تتخذ تجاه طهران ذات الخط المصمم الذي اتخذته تجاه القاهرة، تدل ان لديها هي ايضا ما تخشاه. فقد اثبت الايرانيون في الماضي قدرتهم على ادارة هجوم متشعب من العمليات ضد اهداف في ارجاء العالم.

        خوف وجمود

        فضلا عن ايران ولبنان، فان الانتباه الاسرائيلي يتركز الان على حدود السلام مع مصر والاردن. النظام العسكري المؤقت في مصر اعلن عن التزامه بالاتفاقات بما فيها اتفاق السلام مع اسرائيل. التخوف الاساس في اسرائيل هو التغيير الى الاسوأ على المدى البعيد، وان كان القلق من صعود الاخوان المسلمين هدأ قليلا. المشكلة الاكثر اشتعالا الان هي سيناء، حيث سمحت اسرائيل هذا الاسبوع بادخال الجيش المصري بمزيد من القوات، في ظل الخروج عن اتفاق السلام.

        الحدود السائبة مع اسرائيل تشجع التهريب، التسلل ويحتمل العمليات ايضا – وتستدعي المسارعة الى بناء الجدار على طوله، الخطوة التي تتلبث لسنوات لانها كانت على درجة منخفضة في سلم الاولويات المالية.

        رسميا يعولون في اسرائيل على معرفتهم الطويلة مع الرجل القوي في هذه اللحظة في القاهرة، المشير محمد حسين طنطاوي، الذي قاتل حيال وزير الدفاع ايهود باراك في معركة المزرعة الصينية في 1973. عمليا، كان طنطاوي دوما هو الابعد والاكثر انغلاقا في القيادة المصرية بالنسبة لاسرائيل. الاردن هو الاخر تحت ضغط التطورات وبعض المؤشرات هنا مقلقة. وزير العدل الاردني دعا الى تحرير زبونه السابق، قاتل الفتيات اليهوديات السبعة في نهرايم في 1997. جنرال اردني زار غزة والتقطت له صور وهو يتلقى وسام اعتباري من رئيس حكومة حماس اسماعيل هنية. زعماء بدو وقعوا على وثيقة علنية ضد الملكة رانية ويشتبهون بها بالفساد. عمان هي مثابة ورقة اختبار اقليمية، حساسة للغاية تجاه التغييرات المحيطة وتخاف اساسا الحراكات التي يحدثها خروج القوات الامريكية من العراق في سياق هذا العام.

        في المناطق، بتأثير الاحداث في مصر، قررت السلطة الفلسطينية اجراء انتخابات للبلديات. من ناحية اسرائيل، المعنى هو صد كل احتمال لاستئناف المسيرة السلمية في الاشهر القريبة. في الوقت الذي تجري فيه حملة الانتخابات، لن تتمكن السلطة من السماح لنفسها بان تظهر متصالحة تجاه اسرائيل. وعليه يخيل أن اللقاءات المصورة مع ممثلي اسرائيل للمفاوضات وزيارات كبار رجالات الجيش الاسرائيلي الى رام الله، لن تعقد حتى الانتخابات.

        كل هذا يخدم، بالطبع، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. الخوف والجمود، صفر الفعل وتطوير المخاوف؛ لا توجد صيغة أكثر حبا من هذه لرئيس الوزراء. في خطابه هذا الاسبوع حول احتفالات تداول رئاسة الاركان، أكثر نتنياهو من ذكر الهزة الاقليمية التي تستدعي التصميم والحذر. باراك هو الاخر اتخذ خطا مشابها. ولكن رحلة وزير الدفاع ورئيس الاركان الجديد، بني غانتس الى الحدود الشمالية يوم الثلاثاء، كانت موجهة اساسا الى الساحة الداخلية. باراك، الذي يمكنه أخيرا ان يظهر مع رئيس الاركان في صورة واحدة يريد أن يبث الانسجام والاستقرار في القيادة.

        نصرالله ليس الشخص الذي يفوت الفرصة لضرب اسرائيل علنا، اقترح في الغداة على الجنرالات الاسرائيلية وعلى رأسهم غانتس الخوف من انتقام منظمته على اغتيال عماد مغنية. في غضون بضع دقائق رد نتنياهو بخطف من جانبه ودعا نصرالله الى البقاء في القبو. هل اسرائيل واللبنانيون في مناكفة لفظية نشطة، تماما مثلما قبل سنة؟ يبدو مع ذلك ان هناك أمورا في الشرق الاوسط لا تتغير ابدا.