خبر الوضع الفلسطيني بعد انتصار الثورة المصريَّة ..ياسر الزعاترة

الساعة 10:43 ص|18 فبراير 2011

الوضع الفلسطيني بعد انتصار الثورة المصريَّة ..ياسر الزعاترة

 

الخاسرون بسبب ثورة الشعب المصري العظيم كثر، يأتِي في مقدمتهم دون شك الكيان الصهيوني الذي استمتع لعقود بنظامٍ لم يحافظ على معاهدة كامب ديفيد فحسب، بل أضاف إليها خدمات جليلة للكيان الصهيوني (أمنية وسياسيَّة)، بل واقتصادية كما هو حال صفقة الغاز، ولعلَّ الأهم بين تلك الخدمات ما يتعلق بتركيع الوضع العربي الرسمي للمطالب الإسرائيليَّة، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ إسرائيل تعيش وضعًا استثنائيًّا بعد الثورة المصرية عبَّرت عنه فعاليات سياسيَّة مختلفة، وسيكون أكثر وضوحًا بمرور الوقت، ولا قيمة لمحاولتهم بثّ الطمأنينة بين أوساط شعبهم إثر تأكيد المجلس العسكري المصري على التزامه بكافة تعهدات مصر الدولية والإقليميَّة؛ لأن معاهدة كامب ديفيد لا تنصّ على تقديم كل الخدمات التي أشرنا إليها، والأرجح أن حالة الخوف وعدم اليقين التي تحدثت عنها تسيبي ليفني، زعيمة المعارضة (رئيسة حزب كاديما) ستبقى قائمة خلال المرحلة المقبلة التي ستشهد معارك مختلفة ستؤدِّي إلى نهاية هذا الكيان برُمَّته بإذن الله.

 

الخاسرون الآخرون من الثورة المصرية كُثُر، وتُمثِّلهم في المقام الأول تلك الأنظمة التي ترفض الإصلاح والاستجابة لمطالب الشعب، والتي سيزعجها كثيرًا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي دوَّى في جنبات مصر المحروسة، وقبلها في تونس الخضراء.

 

علَى أنّ سلطة رام الله ستكون بدورها أحد الخاسرين الكبار إذا لم تعدل مسارها السياسي والأمني خلال المرحلة المقبلة، وذلك على نحوٍ يستجيب لمطالب الشعب، وقبل ذلك لمتطلبات المرحلة الجديدة بعد سقوط النظام المصري.

 

الأكيد أنّ سلطة رام الله لم تكن تتمنّى بحال هذا السيناريو الذي وقع في مصر، ولم يكن غريبًا تجاوزها لمنع المظاهرات المؤيدة لثورة الشعب المصري إلى تسيير مظاهرات من شبيبة فتح تدعم بقاء حسني مبارك، وإذا قيل إنّ سلطة قطاع غزة قد فعلت ذلك، فلأن موقفها ضعيف أمام سطوة النظام المصري الذي يمسك بخناقها عبر معبر رفح، دون أن يكون ثَمّة خلاف على أن الفرحة التي اجتاحت غزة بعد انتصار الثورة كانت عارمة، بخاصَّة وسط مؤيدي حماس والجهاد.

في المرحلة الأخيرة كان نظام حسني مبارك هو الراعي لسلطة رام الله ورموزها، فهو الذي مرَّر قتل ياسر عرفات، ورتَّب انتقال السلطة بسلاسة للذين حاولوا الانقلاب عليه، وما كان لمحمود عباس أن يصبح رئيسًا لو أراد النظام المصري شيئًا آخر، من دون أن ننسى القول إن ما جرى كان استجابةً لمطلب أمريكي إسرائيلي نشأ في ظل ظروف التوريث ومطالب قمع المعارضة دون اعتراض أمريكي.

اليوم لا يفقد هؤلاء سندهم في القاهرة فقط، لكنهم يواجهون أيضًا مرحلة كلها جديد ومخيف، فالثورة المصرية تعني صحوة عربيَّة واسعة النطاق، وهي تعني أن لغة أوسلو والتنسيق الأمني ستغدو أكثر رفضًا عند الشعب الفلسطيني ومن ورائه الجماهير العربيَّة التي فتح لها الانتصار المصري بابًا واسعًا لأحلام انتصار أكبر على المشروع الصهيوني، ولعلَّ من سوء طالع القوم في رام الله أن يأتي انتصار الثورة المصريَّة بعد أقلّ من ثلاثة أسابيع على كشف الوثائق الخطيرة التي أوضحت من دون لبس حجم التنازلات الخطيرة التي قدموها للصهاينة، والتي لم تكن كافية لإشباع شهيتهم ودفعهم للموافقة على توقيع اتفاق نهائي.

 

اليوم لن يقبل الفلسطينيون بسهولة أن يتمَّ جرُّهم إلى ذات المربع من جديد، سواءً منه ما تعلق بالتنسيق الأمني، بما في ذلك منع ما يسمى التحريض (من طرف واحد بالطبع)، أم ذلك المتعلق بالجانب السياسي، وحيث يجري المضي في برنامج السلطة- الدولة التي تتمدد تباعًا بإشراف خليفة الجنرال دايتون (مولر) نحو دولة في حدود الجدار سيقال عنها مؤقتة، بينما هي في حقيقتها دائمة ذات نزاع حدودي مع جارتها، ولن يفيد السلطة الحديث عن انتخابات تشريعيَّة ورئاسيَّة تعلم استحالة إجرائها في ظلّ الظروف الراهنة، وبالطبع لكي تثبت ثقتها بموقف الجماهير منها.

 

في ظلّ استمرار عمليات الاستيطان والتهويد، بخاصة في مدينة القدس (بعد كشف الوثائق سأل نتنياهو: إذا كانوا قد تنازلوا عن مستوطنات القدس، فلماذا يطالبوا بوقف الاستيطان فيها؟!) في ظلّ ذلك لن يكون مستبعدًا أن ينتفض الشارع الفلسطيني في وجه السلطة والاحتلال في آنٍ، معلنًا انتفاضة جديدة ستشعل الوضع العربي برمته، ولن يكون بوسع الأنظمة أن تقف في مواجهته خوفا من غضب جماهيرها التي ستضيف غضب الداخل إلى التفاعل مع القضية الأكثر قداسةً في وعيها الجمعي.