خبر إخس، ثورة.. هآرتس

الساعة 10:39 ص|18 فبراير 2011

إخس، ثورة.. هآرتس

بقلم: الوف بن

(المضمون: لماذا فوجئوا في اسرائيل من انهيار الحكم المصري؟ ربما لعدم سماعهم الاصوات الاخرى التي أشارت منذ اشهر الى انتشار عدم الاستقرار - المصدر).

فوجئت المؤسسة الاسرائيلية من الثورة في مصر تماما. فالحكومة، اسرة الاستخبارات والاكاديميا آمنوا بان نظام حسني مبارك مستقر وسيبقى على حاله الى أن يورث الرئيس القديم الحكم لابنه جمال او لوزير المخابرات عمر سليمان. تقدير الوضع الاسرائيلي تلخص في القول انه "في العرب لا جديد، ولن يكون أي جديد".

وعندها ثارت الجماهير ضد مبارك، وشهدت اسرائيل مفاجأة ثلاثية الابعاد: من الطريقة التي اسقط فيها الحاكم، من التوقيت ومن رد الفعل الامريكي. وحتى الانتفاضة تمسكت شعبة الاستخبارات العسكرية والموساد بالتقدير بان "النظام في مصر مستقر" وانه "لا تهديد ثوري عليه". اهم المستشرقين في الجامعات تحدثوا بروح مشابهة: كما أن الدعم الامريكي لمبارك بدا غير مشكوك فيه. وفجأة إخس، ثورة.

الفشل الاستخباري يذكرنا بـ "الاحتمالية المتدنية" التي اولتها شعبة الاستخبارات لاحتمال نشوب حرب عشية يوم الغفران 1973، ولكن معناها مغاير. في حينه كان العدو يقف على الباب، والمفاجأة منعت تجنيد الاحتياط في الوقت المناسب ودفعت نحو انهيار القيادة العليا. هذه المرة لم تقع مصيبة كهذه. القيادة السياسية وحدها امسك بها غير جاهزة. وكانت النتيجة ان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، واصل دعم مبارك حتى عندما ادار له الرئيس الامريكي براك اوباما الظهر. كما عبر نتنياهو علنا عن مخاوفه من انهيار اتفاق السلام ومن أن تتحول مصر الى ايران جديدة. في محافل مغلقة حذر بان اسرائيل ستكون مطالبة بان تزيد ميزانية الدفاع، تكمل على وجه السرعة الجدار على الحدود الجنوبية، وتستعد لاغلاق محتمل لقناة السويس بل وحتى مضائق تيران. لو استعد نتنياهو للثورة لكان ربما تحدث بحذر أكبر وتعرض بقدر اقل لانتقاد دولي.

ما الذي ادى الى الخطأ في التقدير؟ مثلما في 1973 هذه المرة أيضا كان للمقدرين "مفهوم فكري" وجه تفكيرهم. هذه ميزة انسانية اساسية. نحو بحاجة الى قوالب تفكير تقيم نظاما في العالم الذي يحيطنا. وكان المفهوم الفكري يتمثل في ان في مصر نظام قوي ومتين ومعارضة ضعيفة، خاضعة لرقابة متشددة. التشويهات الخطيرة في الانتخابات للبرلمان المصري في الخريف الماضي، اعتبرت هنا كدليل على قوة حزب السلطة، وليس كتعبير عن ضعف النظام، الذي يحتاج الى التزوير والى اساليب القوة كي يبقى.

توجد اسباب اخلاقية ساهمت في الفشل. منذ التوقيع على اتفاق السلام مع مصر ركزت الاستخبارات الاسرائيلية على الاعداء من الشرق ومن الشمال – سوريا، لبنان، ايران والفلسطينيين. الساحة المصرية كانت بالنسبة لضباط الاستخبارات مثابة الاقصاء. فمن عني بالنووي الايراني او "بالارهاب العالمي" تلقى ترفيعا ونال فرصة السفر الى لقاءات استخبارية في خارج البلاد او الى استكمال الدراسة في معاهد البحث. كما أن قادة الاستخبارات كانوا يعرفون شخصيا نظرائهم في القاهرة واداروا معهم علاقات عمل جارية. من الصعب العودة من مثل هذه اللقاءات لكتابة تقرير يشكك باستقرار النظام المصري. القيادة السياسية واجهت مصاعب مشابهة. فلو عقد نتنياهو بحثا حول "مصر الى اين" وتسرب الامر، لكان أهان مبارك تماما واثار أزمة خطيرة في العلاقات الحساسة مع مصر.

العمر المتقدم لمبارك وتدهور حالته الصحية لم يخفيا عن ناظر الاستخبارات، المستشرقين والصحفيين، وفي السنة الاخيرة دار في اسرائيل وفي الاعلام الغربي نقاش يقظ في مسألة الخلافة. وتحدثت معظم التقديرات عن الاستقرار. ولكن كان هناك من تحدى التفكير الدارج. الصحفي الامريكي ادان شاتس، الذي زار مصر، كتب في ايار 2010 في مجلة "لندن ريفيو اوف بوكس": "ان الوضع السياسي هناك يذكر بمظاهر حكم الشاه في ايران. ومن كان أدق هو أسف اديب، الذي كتب في نهاية ايار في مجلة الانترنت "اتجار": "ان مصر تقف امام ثورة اجتماعية ستأتي من الاسفل. واقتبس عن "الاهرام ويكلي" – صحيفة للنظام – تقارير عن كثرة المظاهرات في مصر وتوقع لها أن تتسع. "خيار تخليد نظام مبارك ليس سوى وهم"، كتب معقبا على مقالي في "هآرتس"، عبر عن الامل الاسرائيلي في أن يدوم حكم الرئيس.

شاتس وأديب كانا محقين. ولكن مشكوك ان يكون في الاستخبارات وفي الاكاديميا ان قرأوهما. شاتس يكتب انتقادا حادا على اسرائيل، اما اديب فيعرف كرجل اليسار المتطرف. قد يقرأوهما في الدائرة المناهضة للتآمر في المخابرات الاسرائيلية، ولكن ليس في الساحة المصرية لشعبة الاستخبارات العسكرية. والاستنتاج هو أن من المجدي البحث عن معلومات من مصادر غير عادية، وان كانت تثير غضب الضابط او البروفيسور. احيانا يكون العقل موجود عندهم وليس في الجوقة المؤطرة في المؤسسات الرسمية. في الخريف، بعد الانتخابات المزيفة للبرلمان المصري، بدأت ايضا تظهر مؤشرات الابتعاد الامريكي عن مبارك. المقالات النقدية ضد حكمه تسللت من الهوامش الى الصحف المركزية مثل "نيو ريبابليك" و "واشنطن بوست" التي دعت اوباما للعمل في سبيل الديمقراطية في مصر، والتخلي عن الدكتاتور القديم. وكان الانطباع ان شيئا ما قد تغير ولكنه لم يترجم الى فهم آخر في المؤسسة الاسرائيلية. رئيس لجنة الخارجية والامن النائب شاؤول موفاز، تحدث في خطابه في مؤتمر هرتسيليا عن المفاجأة التي احدثتها "الهزة الارضية التي بدأت في تونس تواصلت في مصر ومن شأنها أن تنتشر". ودعا الى اعادة النظر في مصداقية الوعود الامريكية فقال: "السلوك الامريكي في السياق المصري يشكل خللا خطيرا للغاية"، قال محذرا. وهذا الاسبوع عقد موفاز لجانه الفرعية للبحث في الثورات الاقليمية. ولكنه لم يقرر التحقيق في الفشل الاستخباري.

ولعله لا ينبغي التحقيق: مبارك ذهب، ولكن النظام المصري بقي على حاله، تحت حكم "المجلس العسكري الاعلى" وتحت نظام قوانين الطوارىء. اذا ما احب الضباط كراسيهم وتمسكوا بها، فان التقديرات بشأن استقرار النظام ستتبين لاحقا كمحقة والمظاهرات في ميدان التحرير ستظهر كحدث لمرة واحدة تبدد.