خبر الجيش الإسرائيلي وانتفاضة مصر .. بقلم علي بدوان

الساعة 09:22 ص|18 فبراير 2011

الجيش الإسرائيلي وانتفاضة مصر .. بقلم علي بدوان

استطاعت انتفاضة الشعب المصري التي حققت نتائجها الحاسمة برحيل النظام السابق، أن تزعزع الحالة العامة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأن تدفع المؤسسات الأمنية الإسرائيلية لتتبع مسار الأحداث المتسارعة والتحولات الجارية في مصر، في محاولة لفهم ما يجري هناك، وتقديم الأجوبة المطلوبة إسرائيليا وعلى مستوى الجيش الإسرائيلي، خشية من ولادة جبهة جديدة في الجنوب، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الهدوء عليها.

وقد أصبح واضحاً أن تلك الانتفاضة المصرية، فاجأت هذه المؤسسات الأمنية والعسكرية، وحتى السياسية، وأصابتها بالذهول. فلم يكن في الحسبان لدى جهاز الموساد ولا المخابرات والاستخبارات في إسرائيل، أن مصر سوف تشهد مثل هذه الأحداث، حتى بعد المؤشرات التي بدأت تتوالى بعد انتصار الشعب في تونس.

ففي أغلب التقديرات، وقبل أشهر خلت، كان جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وصناع القرار فيه، على قناعة تامة بأن العام 2011 هو عام استراتيجي، لما قد يحمله من تغييرات تتعلق بالملف النووي الإيراني، وموضوع حزب الله وحركة حماس، ومواضيع التسوية مع الطرف الفلسطيني. ولم تكن لتشير تلك التقديرات إلى أي احتمال لوقوع متغيرات استراتيجية قد تقع في مصر، سيكون لها الأثر العميق على مجمل منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك نمو «المحور المتطرف» وفق التسمية الإسرائيلية، وبالتالي في ولادة تحولات دراماتيكية، قد تضطر إسرائيل لدفع ثمن باهظ جداً، ولإعادة ترتيب أولوياتها، بما في ذلك إعادة النظر في «بنية الجيش الإسرائيلي».

إن صاعقة الأحداث المصرية وانتصار الشعب المصري، اللذين وقعا على رؤوس صناع القرار في إسرائيل، دفعا بـ«إفرايم هاليفي» قائد جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية (الموساد)، للقول مؤخراً «إنَّ إسرائيل تحقق انتصاراً في النضال الدولي ضد المشروع النووي الإيراني، وإيران تتقهقر في أي مواجهة تخوضها الجهات التي تدور في فلكها مع إسرائيل، لكن في المقابل فإن ما جرى ويجري في مصر سيقلب الأوضاع رأساً على عقب».

وانطلاقاً من ذلك، فإن أولى الاستخلاصات الرئيسية عند قادة الجيش الإسرائيلي، من الأحداث الجارية في مصر (وبعيد انتصار الانتفاضة ورحيل النظام ومجموعة قيادة المخابرات الحربية التي كانت تشكل سياجاً متيناً للنظام)، تتمحور في جانب مهم منها حول وضع الجيش الإسرائيلي، وضرورة إعادة النظر في بنيته وتشكيلاته التي سادت طوال الثلاثين عاماً الماضية من السلام مع مصر، ومن بين ذلك إعادة بناء عديد الجيش وتطوير تشكيلاته وملاكاته وإعادة النظر في جدولة تسليحه، والأخذ بعين الاعتبار احتمال عودة السخونة، ولو بحدودها الدنيا، على الجبهة الجنوبية، وبالتالي فرض إقرار اعتمادات مالية لميزانية الجيش، تختلف عن سابقاتها بشكل كبير.

وحسب التقديرات العسكرية الإسرائيلية، وحسب رأي رئيس الأركان الجنرال غابي أشكنازي، فإن بناء «القوة الإسرائيلية» لا يحتاج فقط لسلاح جوي قوي وطائرات «ئ-61» و«ح-61» مثلاً، لكنه يتطلب وفق «أشكنازي»، سلاحاً برياً قوياً لمواجهة جبهة طويلة وعميقة ومتسعة مع مصر، كما كان الحال قبل توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979، الذي أضاف أن الحرب باتت تختلف من نواحٍ عديدة عن الحروب السابقة، في حال عادت السخونة إلى الجبهة الجنوبية، فضلاً عن أن الجبهة الشمالية ما زالت أيضاً تشكل قلقاً لجيش الاحتلال، حيث يقول أشكنازي «إن حماس وحزب الله لا يمكنهما احتلال إسرائيل»، مستدركاً أنه لا يستخف بهما، و«لكن حينما نتوجه لساحة المعركة، فجنودنا لا يرون كتائب، لأن العدو يختفي في محيط مدني، منطقة شجرية، وفي مناطق طبيعية وتحت الأرض، والتغيير الكبير الذي حصل هو أن الحرب تدور رحاها في عمق دولة إسرائيل».

ومختصر القول، ان جنرالات القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي والقيادات الأمنية، ترى أن «مستقبل إسرائيل والمنطقة» في خطر استراتيجي، وأن ما يجري في مصر سيؤثر على كل المنطقة، وبالتالي يتوجب على إسرائيل عدم الجلوس مكتوفة الأيدي أمام هذه التطورات، وبعد هذه التحولات الجارية في مصر وفي البيئة الإقليمية، مؤكدين أن «قوة ردع إسرائيل» مقابل مصر، بثقلها وحضورها وفعلها وتأثيرها الجيوستراتيجي، هي قضية استراتيجية. فالجيش الإسرائيلي يفترض أن يكبر وأن يشهد تضخماً جديداً، إذا عادت مصر لتكون جزءاً من ساحة الصراع الساخن والمباشر مع إسرائيل.

وعليه، كان رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال (غابي أشكنازي) قد دعا خلال مؤتمر هرتسليا في دورته الجديدة الحادية عشرة، قبل أيام، إلى اعتماد ميزانية الدفاع التي ستحتاج المزيد من المخصصات في السنوات القادمة، في أعقاب التحولات المتوقعة في البيئة الإقليمية مع تداعيات الانتفاضة المصرية، وعلى ضوء تزايد قوة ما أسماه أشكنازي «الإسلام الراديكالي لدى الجيران»، واتساع «قوس الصراعات» المحيطة بإسرائيل والآخذة في الاتساع.

أما رئيس شعبة التخطيط في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال «أمير إيشيل» ومدير عام وزارة الخارجية «رافي باراك»، فقد قدما تقديرات متشائمة أمام جلسات مؤتمر هرتسليا الأخير، على ضوء ما حصل في مصر، معتقدين أن العام القادم «سيشهد تفاقماً في الوضع الاستراتيجي لإسرائيل بشكل خطير». وعلى ضوء هذه الحقيقة، طالب الاثنان بالقيام بمبادرة سياسية إسرائيلية التفافية، لامتصاص ما جرى أو للتقليل من آثاره في الحد الأدنى.

وانطلاقاً من ذلك، فإن قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية في إسرائيل، يعتقدون الآن أنها تقف في وضع استراتيجي بالغ الصعوبة، وأن عليها الاستعداد للحرب على أكثر من جبهة، في ضوء ما وصفوه بأنه ازدياد قوة المعسكر الراديكالي.