خبر الانتفاضة تمتد إلى الخليج ..عبد الباري عطوان

الساعة 07:22 ص|18 فبراير 2011

هرع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الى المنامة يوم امس لعقد اجتماع طارئ فيها لتأكيد تضامنهم مع الاسرة الحاكمة في مواجهة المظاهرات الصاخبة التي اجتاحت البحرين للمطالبة بالتغيير.

دول الخليج قلقة لاكثر من سبب، قلقة لانها خسرت النظام المصري الذي كان يشكل الدعامة الرئيسية لمحور الاعتدال التي هي عضو مؤسس فيه، وقلقة لان البحرين هي احد اهم خطوط الدفاع الامامية الخليجية في مواجهة التمدد المذهبي والسياسي والعسكري الايراني في المنطقة.

لا نعرف ما اذا كانت الجهود الخليجية المبذولة حاليا كفيلة بانقاذ نظام الحكم في البحرين، والحيلولة دون سقوطه مثلما حدث للنظامين المصري والتونسي، ولكن ما نعلمه ان الضغوط الكبيرة التي مارستها 'عميدة' مجلس التعاون اي المملكة العربية السعودية على الادارة الامريكية من اجل منع سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك قد باءت بالفشل.

الدول الخليجية تملك المال، بل الكثير منه، وصناديقها الاستثمارية السيادية تطفح بمئات الآلاف من المليارات الدولارية، والمال سلاح مؤثر، ولا يوجد ادنى شك في ذلك، ولكن هذا السلاح يبدو بلا قيمة حقيقية اذا جاء متأخرا، وجرى استخدامه في المكان والزمان غير المناسبين، ونعتقد ان هذا ينطبق على الحالة البحرينية.

صحيح ان البحرين هي الاكثر فقرا في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن الفقر والبطالة ليسا المفجر الحقيقي للاضطرابات الحالية، وانما غياب الاصلاحات الديمقراطية الحقيقية، واستئثار مجموعة صغيرة بالسلطة، والوظائف الهامة، ووجود ممارسات تمييزية تتم على اسس طائفية.

جيران البحرين الاثرياء كان باستطاعتهم تخفيف الاحتقان الداخلي من خلال ضخ المليارات من الاستثمارات لخلق وظائف جديدة لاستيعاب العاطلين ولكنها كانت 'مقترة' جدا في هذا الصدد. فالمملكة العربية السعودية التي تنتج تسعة ملايين برميل يوميا من النفط عارضت بشدة استجداءات الاسرة الحاكمة في البحرين لرفع انتاج حقل السعفة النفطي المشترك الى خمسمئة الف برميل يوميا، بدلا من سقفه الحالي المقدر بحوالي 300 الف برميل يوميا، وبما يوفر بعض العوائد النفطية اللازمة التي تحتاجها حكومة المنامة لاصلاح الخدمات العامة، وتوفير الوظائف وتحسين الظروف المعيشية للفقراء في البلاد.

وقد كان نصيب البحرين من انتاج هذا الحقل اقل من خمسين الف برميل (الانتاج مناصفة) حتى عشر سنوات مضت.

' ' '

العاهل البحريني ادرك ان الانتفاضة الشعبية التي انطلقت شرارتها في تونس ومصر واحرقت النظامين في البلدين ستصل الى ميدان اللؤلؤة وسط المنامة، فبادر الى توزيع ألفي دولار على كل فرد في البلاد كمنحة، ولكن هذه الخطوة كشفت عن عدم فهم اسباب تضخم الاحتقان الداخلي، علاوة على كونها جاءت متأخرة.

الدول الملكية في المنطقة العربية ليست محصنة في وجه الانتفاضات والثورات الشعبية، لان تكريس جميع السلطات في يد الأسر الحاكمة، يواجه معارضة شديدة من القاعدة الجماهيرية، فلا بديل عن التعددية السياسية والانتخابات الحرة، ورفع سقف الحريات التعبيرية.

الملكيات الدستورية التي يقوم نظام الحكم فيها على سلطة تشريعية برلمانية قوية، وسلطة تنفيذية ممثلة في البرلمان يحاسبها ويراقب اداءها ومدعومة من نظام قضائي مستقل هي المطلب الشعبي الاساسي الذي ستؤدي تلبيته الى عودة الهدوء والاستقرار والتعايش بين مختلف الطوائف والجنسيات.

البحرين كمركز مالي تحتاج الى الاستقرار السياسي حتى لا تهرب الصناديق الاستثمارية الموجودة فيها وتقدر قيمتها بحوالى عشرة مليارات دولار، وحتى لا تفقد قيمتها ومكانتها كمركز بنكي في منطقة الخليج بأسرها، ويبدو ان هذه المكانة قد اهتزت بفعل الاحتجاجات الشعبية المتفاقمة، والقمع البوليسي الشرس لها الذي اوقع العديد من القتلى والجرحى.

لا نجادل بان هناك شبهة صبغة طائفية للمظاهرات الاحتجاجية في البحرين، ولكن لا بد من الاعتراف بان لابناء الطائفة الشيعية مظالم واضحة في البحرين، وهم الأكثر تأثراً من سياسات التمييز في الوظائف وتوزيع الثروة، ومشاريع التنمية في البلاد.

' ' '

يرتكب ابناء الطائفة الشيعية خطأ فادحاً اذا سقطوا في مصيدة السلطة التي تريد اضفاء الطابع الطائفي على انتفاضتهم، وعليهم الاستفادة من دروس الثورة المصرية واولها الابتعاد عن الطائفية ورموزها، والتأكيد على الوحدة الوطنية، والاصرار على شمولية الاصلاحات، واحترام حقوق الانسان، فالبحرين للجميع، وفوق الطوائف جميعاً.

تطورات الاوضاع في البحرين ستغير نتائجها منطقة الخليج بأسرها، ومعادلات القوة والضعف فيها، مثلما ستشكل الاختبار الحقيقي للوجود الامريكي وصراعه العلني والخفي في مواجهة القوة الايرانية المتنامية، ومدى قدرته على حماية حلفائه، والتأثير عليهم في الوقت نفسه في التجاوب مع مطالب شعوبهم في الاصلاحات السياسية والعدالة الاجتماعية، والانظمة الدستورية.

البحرين هي مفتاح الخليج، ونقطة ضعفه الاساسية، ومثلما أرادها بعض الحكام قاعدة خلفية للترفيه، ونحن نتحدث هنا عن حكام المملكة العربية السعودية، فان جسر 'المحبة' الذي اقيم لخدمة هذا الهدف، يمكن ان يصبح طريقاً في اتجاهين، وليس في اتجاه واحد، اي انتقال الانتفاضة الشعبية البحرينية الى الشاطئ السعودي المقابل.

انتفاضة البحرين لن تظل محصورة في ميدان اللؤلؤة، ولن نفاجأ اذا ما امتدت الى دول الجوار في ظل ثورة الانترنت، وتفاقم الاحتقانات الداخلية، والفروقات الاجتماعية الضخمة، والتفاوت الكبير في الدخول المالية، وتغول احتكار الثروات، واتساع نطاق دوائر الفساد.

ولا نستطيع ان ننسى في هذه العجالة، حجم المظالم الواقعة على العمالة الاجنبية التي تشكل اكثر من اربعين في المئة في مجلس التعاون الخليجي، من حيث تدني الاجور، وساعات العمل الطويلة، وانعدام النقابات العمالية، وجور نظام الكفيل الاستعبادي. فهذه يمكن ان تفجر ثورة مختلفة مشابهة 'لثورة الزنج' في منتصف القرن الثالث الهجري في البصرة، اذا ما عمت الفوضى، وانتشرت عدوى الانتفاضات الشعبية.

المال لن يمنع التغيير، وكذلك عصا الامن الغليظة، البوابة الوحيدة للنجاة هي الاصلاحات الحقيقية، والتخلي عن اساليب المكابرة والغطرسة المتبعة حالياً في معظم ارجاء الحكم في الوطن العربي، ومنطقة الخليج من ضمنها.

ـ

إسرائيل" والمتغيرات في المنطقة .. محمد الصياد

إذا كانت “إسرائيل” قد استطاعت كظم غيظها على ضياع الحالة التونسية “الصديقة لبيئتها” الاستعمارية والإجرامية، وإن عبّرت مواربة، تلميحاً، وتصريحاً في بعض الأحيان، عن حسرتها على فقدان “امتيازات” تلك الحالة العربية الشمال إفريقية . إذا كانت قد استطاعت فعل ذلك في الحالة التونسية، فإن ما جرى في مصر قد هزها هزاً عنيفاً من الأعماق، وأفقدها كل طاقة ممكنة لافتعال الكياسة الدبلوماسية والهدوء الظاهر، المضلل في آن .

فلقد تدرج الموقف “الإسرائيلي” المتململ، النزق بطبعه، منذ بداية الأحداث في مصر، من تعبير المسؤولين الحكوميين “الإسرائيليين” عن “قلق “إسرائيل” مما يجري في مصر”، و”متابعة تطور الأحداث هناك أولاً بأول”، وصولاً إلى تحذير رئيس الحكومة نتنياهو من أن “التغيير في مصر سيؤدي إلى اضطراب الأوضاع في الشرق الأوسط”، ثم تصريح الرئيس “الإسرائيلي” “العبقري” العجوز شيمون بيريز بأن “إسرائيل” تفضل الدكتاتوريات العربية على الديمقراطية التي يمكن أن تنطوي على عداء للحالة الاستعمارية “الإسرائيلية” .

فلا غرو والحال هذه، أن تكون “إسرائيل” المجرمة والمنحطة أخلاقياً، أكثر الدول قلقاً مما حدث في تونس، ومما يدور من أحداث في مصر . صحيح أن تكرار مشاهد صور حلفائها المرجفين من قادة العالم الرأسمالي الغربي وهم يعبرون بارتباك وتخبط وتضارب عن “قلقهم البالغ” تجاه ما يجري في مصر، ربما أوحت كأن هؤلاء على أعتاب خسارة صفقة عمرهم، إذ لا تكاد تنقطع اتصالاتهم البينية واجتماعاتهم الماراثونية المكرسة لمناقشة آخر تطورات الأحداث الجارية في مصر، فضلاً عن مهاتفة المسؤولين في مصر وإرسال المندوبين إليها للاطلاع عن كثب على حقيقة الأوضاع، لكي يبنوا عليها مواقفهم ويحددوا مستوى الضغط أو شوط التنازلات الذي يمكن أن يذهبوا إليه .

وهذا أمر مفهوم في العلاقات الدولية، فما بالك بعلاقات دول رئيسة في النظام الدولي بدولة إقليمية مركزية في ثقل مصر وأهميتها العالمية، حتى وإن بدت بهذه المواقف “الراقصة” غير عابئة بحجم الحرج الذي أوقعت نفسها فيه، وحجم النفاق السياسي الذي تمارسه وافتضاح ازدواجية معاييرها في تعاطيها اللاإنساني واللاأخلاقي، قبل أن يكون لا ديمقراطي، مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان العالمية الواحدة الموحدة .

وتوخياً للدقة فإن هذه المواقف الغربية “الراقصة” يمنة ويسرى، ليست كلها نابعة من القلق على مصالح الغرب الاقتصادية ونفوذها السياسي في منطقة الشرق الأوسط، فهناك جزء لا يستهان به من ذلكم التذبذب مرده الخوف على “إسرائيل” والمصير المجهول الذي سينتظرها جراء تداعيات الحدث المصري الهائل، فضلاً عن ضغط المكالمات الهاتفية والرسائل التي انهمرت من “إسرائيل” على قادة المعسكر الرأسمالي في الغرب، مطالبة إياهم بممارسة نفوذهم لمنع حدوث ما لا تحمد عقباه بالنسبة ل”إسرائيل” والحصول على ضمانات بأن لا يطال التغيير في مصر معاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات في عام 1979 باسم مصر، ووقعها عن “إسرائيل” رئيس وزرائها الراحل مناحيم بيغن . ف”إسرائيل” تريد أن تضمن، كما ضمنت من قبل أن لا يؤدي غياب الرئيس السادات إلى تغير في موقف مصر من “إسرائيل”، تريد أن تضمن أن لا تؤدي التغييرات الحادثة في مصر إلى تغير في ميزان القوى القائم في المنطقة .

لطالما تبجحت “إسرائيل” بديمقراطيتها، وداومت على ترويج نفسها في الإعلام الغربي، مخاطبة الرأي العام الأوروبي والأمريكي، واحة للديمقراطية تعيش وسط غابة من الاستبداد والأوتوقراطيات المنغلقة، اليوم انكشف هذا الزيف، حيث أظهرت مواقف قادة “إسرائيل” من تطورات الأحداث الجارية في المنطقة، وكشفت الجوهر الإقصائي والاستعلائي العنصري للدولة الصهيونية.

عضو الكنيست الحالي ووزير الحرب “الإسرائيلي” الأسبق بنيامين بن أليعيزر من حزب العمل انتقد موقف الإدارة الأمريكية حيال الأحداث الجارية في مصر، ودعوتها المسؤولين المصريين لإحداث التغيير المطلوب، مضيفاً بأن الأمريكيين تسببوا بكارثة في الشرق الأوسط بسبب هذه المواقف غير المسؤولة على حد زعمه .

جورج سورس الملياردير اليهودي الأمريكي كتب في ال”واشنطن بوست” يوم الرابع من فبراير/شباط الجاري “انه ليس من مصلحة “إسرائيل” وجود أنظمة ديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ستكون حرة في خياراتها السياسية”، وعلى هذا المنوال عزف غابي اشكنازي رئيس هيئة الأركان “الإسرائيلي” السابق وعاموس جلعاد وحتى ماري لونغ مساعدة وزير الدفاع الأمريكي السابق .

يمكن القول إن التعاطي الغربي مع تطورات الأحداث في المنطقة، ينطلق من زاويتين اثنتين هما المصالح الاقتصادية، لا سيما النفطية منها، ومستقبل “إسرائيل” ووجودها، من دون أدنى اعتبار لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان التي شنف الغرب آذاننا بالحديث المجتر عنها .