خبر مصر على جدول أعمال مؤتمر هرتسليا ..بقلم علي بدوان

الساعة 10:17 ص|16 فبراير 2011

مصر على جدول أعمال مؤتمر هرتسليا ..بقلم علي بدوان

يمت انتفاضة مصر العربية (التي حققت انتصارها الأول بازاحة نظام حسني مبارك) وألقت بظلالها العميقة على أعمال الدورة الحادية عشرة لمؤتمر هرتسليا «الإسرائيلي» السنوي، والذي افتتح أعماله الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريس يوم السابع من فبراير الجاري، في أجواء ومناخات غير عادية، مع تسارُع الأحداث الجارية في مصر وتونس، وهي أحداث دفعت المؤسسات العليا السياسية والأمنية والعسكرية داخل «إسرائيل» لتتبعها ومحاولة فهم ما يجري، وقد أصبح واضحاً ان هذه الأحداث فاجأت العقل السياسي والأمني والعسكري «الإسرائيلي» وأصابته بالذهول، فلم يكن في الحسبان لديها ان مصر سوف تشهد هذه الأحداث، حتى بعد المؤشرات التي بدأت في تونس.

فمؤتمر هرتسليا بدوراته السنوية المتعاقبة، والذي يعقد تحت مسمى «مؤتمر المناعة القومية» كان قد خصص جدول أعمال دورته الجديدة لمناقشة عدة عناوين ذات بعد استراتيجي، لها علاقة بمستقبل الدولة العبرية الصهيونية، خصوصاً ما يتعلق منها بالنسبة لسوريا ولبنان وفلسطين والملف النووي الايراني، لكن اندلاع الحدث المصري دفع برئاسة المؤتمر إلى اعادة جدولة أعماله من جديد ليصبح الحدث المصري هو العنوان الأبرز في نقاشات وأعمال المؤتمر بكافة جلساته، بل وشكّل الحدث الأبرز في استخلاصات أعمال الدورة الحادية عشرة، بينما تم قذف القضايا الثانية إلى آخر جدول الأعمال والاهتمامات. فما هي دلالات ذلك، وهل من أهمية بمكان لما تمخض عن أعمال المؤتمر بالنسبة لصناع القرار في «إسرائيل» في تقديراتهم للحدث المصري، وكيفية البناء عليه..؟

ماذا يعني مؤتمر هرتسليا؟

للاجابة عن التساؤل أعلاه، نقول، ان مؤتمر هرتسليا وبدوراته المتعاقبة، وما يمثله من نقاشات تعتمل داخله، يعكس صورة التفكير الاستراتيجي «الإسرائيلي» الجديد لكل مرحلة من المراحل بعد مجموعة من التحولات التي تقع من دورة إلى دورة بمشاركة النخب السياسية والعسكرية والأمنية داخل الدولة العبرية الصهيونية وعلى أعلى المستويات.

فالمؤتمر بات تقليدا سنوياً في «إسرائيل» منذ عام 2000، ومن أكبر المراكز والمؤسسات البحثية الإسرائيلية الصهيونية التي تناقش المواضيع ذات الحساسية العالية بالنسبة «لإسرائيل» ومستقبل وجودها في المنطقة، كما في نقاش القضايا الجوهرية التي تخص ما يسمى بـ «الأمن القومي الإسرائيلي» و«ميزان المناعة» في دولة تعيش القلق الدائم كنتيجة منطقية لطبيعة وحيثيات نشوئها كطفرة طارئة، واستخلاص النتائج المستمدة منها لتزويدها لأصحاب القرار السياسي والعسكري في «إسرائيل»، لتصبح مقترحاته دليل عمل للحكومات «الإسرائيلية» مهما كان تركيبها أو كانت توجهاتها، ولصناعة القرار من خلال الأطر الاستراتيجية التي تجري فيها المناقشات والمقترحات التي يقدمها المؤتمر للحكومة «الإسرائيلية» والمنظمات اليهودية داخل «إسرائيل» وخارجها.

وقبل انعقاد جلسات المؤتمر بأشهر كثيرة عادة ما تكلف هيئة المؤتمر رجال الأبحاث وبعض القادة السياسيين السابقين في أوروبا والولايات المتحدة ومن بلدان مختلفة في العالم، باعداد موضوعات اقليمية ودولية استراتيجية وعسكرية مدفوعة الأجر. وبهذه الطريقة تقوم «إسرائيل» بتجنيد بعض العقول المختصة بهذه الموضوعات لمصلحة برامجها السياسية وطرق أدائها الاقليمي والدولي وعلى كل المستويات.

أضف إلى ذلك، أن دورات المؤتمر وبموجب ما ذكرته مصادر أميركية و«إسرائيلية» تتلقى دعماً واسنادا مالياً بشكل عام وضمن النفقات الأمنية الأميركية - الإسرائيلية المشتركة، وهناك من يعتقد أنه يشكل الجسر الذي يربط بين الباحث السياسي الأكاديمي وأجهزة المخابرات الأميركية و«الإسرائيلية»، وهذا النوع من المشاركين في أبحاث المؤتمر السنوي يصبح من السهل عليهم تقديم أبحاثهم عن طريق هذا المركز إلى أجهزة التجسس التي يتعامل معها مركز هرتسليا ويتلقون مقابل ذلك امتيازات وثمناً لكل دراسة أو بحث بشكل مغر.

الظروف المحيطة بالدورة الأخيرة للمؤتمر

لقد بدأت أعمال الدورة الحادية عشرة لمؤتمر هرتسليا في ظروف مغايرة للدورات العشر السابقة، فقد اعتملت داخل قاعاتة وأروقته مجموعة ارباكات كبيرة نتيجة الحدث الأخير الذي هز مفاصل ومراكز القرار في الدولة العبرية الصهيونية، حيث قلبت الانتفاضة الشعبية المصرية، كل المعطيات وكل التقديرات بما فيها التقديرات الأمنية «الإسرائيلية»، وفرضت على المؤتمرين اعادة جدولة بنود مؤتمر هرتسليا، ليصبح العنوان المصري هو العنوان الرئيس والطاغي على نقاشات وأعمال المؤتمر بدءاً من كلمات الافتتاح وصولاً إلى حلقات النقاش التي جرت داخل قاعات وكواليس وجنبات المؤتمر.

وقد عبر الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريس عن الهلع «الإسرائيلي» تجاه ما يحصل في مصر بكلمات صارخة وواضحة، تلخص الذهول في «إسرائيل» بقوله «لقد فقد التاريخ الصبر، كل شيء يحصل بسرعة جنونية، فاما أن نسير مع رياح التاريخ واما سيكتب من دوننا، البعض ينصح بترك العاصفة تمر، لكن لا أحد يعرف متى تنتهي».

وقد استتبع كلام بيريس موقفاً أخر وراءه، عندما دعا رئيس المؤتمر البروفسور (الجنرال داني روتشيلد) ومن على منصة المؤتمر إلى استباق التطورات المستقبلية ولما ستؤول اليه النتائج الممكنة لانتفاضة الشعب المصري، واتخاذ قرار حاسم بانجاز صفقة تسوية مع الفلسطينيين قبل أن لا يسعف الوقت الطرف «الإسرائيلي» وقبل أن يصبح تحقيق الصفقة أمراً مستحيلاً، وهو ما يترك الموضوع الفلسطيني ومتاعبه جاثماً على صدر «إسرائيل».

وعليه، ومع مشاركة عدد كبير من الباحثين والساسة الصهاينة في أعمال مؤتمر هرتسيليا بدورته الحادية عشرة، والتي تعقد في ظل سيطرة المشهد بمصر على مجرياته، ألقى عدد من صناع القرار كلمات ومحاضرات تناولت المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاستراتيجية، وقد تقاطعت في اجماعها على القول بأن «إسرائيل» تعيش مأزقاً استراتيجياً مفصلياً، في ضوء ما أطلق عليه من قبل البعض «انفضاض الحلفاء» أو (تهتك جبهة الحلفاء مع إسرائيل) في اشارة للضعف الذي بات واضحاً في بنية النظام المصري، ومايحمله هذا الأمر من دلالات بالنسبة لمستقبل عملية التسوية وحتى بالنسبة لمعاهدة كامب ديفيد الموقعة عام 1979.

من هنا، يمكن أن نفهم، المغازي العميقة للكلمات التي تحدث بها رئيس الحكومة «الإسرائيلية» وزعيمة المعارضة (تسيبي ليفني) ورئيس هيئة الأركان وقادة عسكريون، ومفادها أنَ الوضع القائم حالياً يتطلب من «إسرائيل» المزيد من اليقظة، والاستعداد لأي حرب متوقعة قد تندلع، أو تُشن عليها، من عدة جبهات في آن واحد، في ظل ما يعتبره أعداؤها «ضعفا» يبدو على سياساتها العامة، على الصعيدين الداخلي والخارجي، بل حدا برئيس الأركان «الإسرائيلي» للتحدث عن ضرورة اعادة بناء الفلسفة والعقيدة العسكرية «للجيش الإسرائيلي» على ضوء امكانية احتمال انفتاح الجبهة الجنوبية أو (تقلقل) استقرارها الذي اعتادت عليه طوال الثلاثين عاما الماضية.

وعليه، ان ارتسامات الوقائع التي فرضتها انتفاضة الشعب المصري المدوية، فرضت نفسها على أعمال مؤتمر هرتسليا بدورته الحادية عشرة، وقد بدت تلك الارتسامات على هيئة خوف ورعب حقيقي انتاب الصهاينة ازاء مستقبلهم ومستقبل الدولة العبرية الصهيونية، وحصول تراجع في مقاييس ودلالات مايسمى بـ «ميزان المناعة القومية».

دلالات ومؤشرات «المناعة القومية»

وبحسب تعريف مؤتمر هرتسليا، فان المناعة «القومية في إسرائيل» ليست سوى مصطلح نفسي بالدرجة الأولى، اضافة لكونه مصطلح للقياس والبناء السياسي والأمني والعسكري، وهو مقياس يعكس قدرة صمود الأفراد والمجتمع في واقع صراع متواصل على مواجهة الضغوط والتحديات وابداء مرونة كافية تمكن من عدم الانكسار وصيانة الاستقرار من ناحية المعتقدات والمفاهيم الأساسية التي تبني معا النسيج الاجتماعي الجماعي.

ويقوم مقياس «المناعة القومية» لدى صناع القرار في «إسرائيل» والذي ينجزه مؤتمر هرتسليا سنوياً على استطلاع واسع يفحص الأساس الاجتماعي لـ «المناعة القومية» من خلال خمسة أبعاد، حيث جاء مقياس البعد الأول المسمى بـ (البعد الوطني) منخفضاً من (4.89) عام 2009 إلى (4.18) عام 2010. وهو ما حدا بالبروفسور (جبرائيل بن دور) للقول «ان نتائج الاستطلاع الجديد تظهر انخفاضاً جوهرياً في منسوب وطنية اليهود في «إسرائيل» وجاهزيتهم للقتال من أجلها، وهو انخفاض لم تشهده الاستطلاعات التي تم انجازها منذ عشرة أعوام» مشيراً إلى دور عامل اتساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والفساد وأزمة القيادات وغيرها.

أما الخوف من الارهاب وهو مقياس البعد الثاني، فوصل إلى أقل مستو له منذ عشر سنوات اذ بلغ (4.4). أما الخوف من مهاجمة «دولة معادية» وهو البعد الثالث، فانخفض من (4.7) عام 2009 إلى (4.0) عام 2010. وانخفض بنسبة قليلة البعد الرابع وهو المسمى بـ «التفاؤل القومي» من (4.7) عام 2009 إلى (4.5) عام 2010. كما انخفضت قياسات البعد الخامس والأخير والمسمى بـ «الثقة بمؤسسات الدولة» انخفاضاً حاداً من (3.4) عام 2009 إلى (2.4) عام 2010 خصوصاً بعد تتالي بروز العديد من ملفات الفساد التي أصابت بعض الرؤوس القيادية في «إسرائيل» بما في ذلك قادة الأحزاب والرئيس السابق (موشي كتساب).

ومختصر القول، ان أجوء القلق غير الاعتيادي سادت أعمال الدورة الأخيرة لمؤتمر هرتسليا، نتيجة التحولات المتتالية في البيئة الاقليمية للمنطقة بعد الحدثين التونسي والمصري، فيما بات الحدث المصري وتحولاته اللاحقة المتوقعة يقض مضاجع أصحاب القرار في «إسرائيل».