خبر بعد الثورة، الغضب في مصر يُوجه على أرباب العمل -هآرتس

الساعة 09:33 ص|15 فبراير 2011

 

بعد الثورة، الغضب في مصر يُوجه على أرباب العمل -هآرتس

بقلم: عميره هاس

مبعوثة صحيفة "هآرتس" الى القاهرة   

(المضمون: دعا قادة الجيش المصري أمس الى وقف موجة الاضرابات التي تُغرق مصر الآن والتي ينظمها عمال يطلبون زيادة أجورهم - المصدر).

        إن سلطة الآثار المصرية ربما تكون آخر مكان في القاهرة كان يمكن ان يتوقع فيه أمس إظهار احتجاج اجتماعي. ومع ذلك كله – فان الصيحات الموقعة التي سُمعت مثل نسخة مصغرة من صيحات ميدان التحرير قد جاءت من هناك: من مبنى غربي حي الزمالك النضر قرب ضفة النيل.

وقف وجلس على الدرج التي تفضي الى الابواب الزجاجية للمبنى نحو من 200 أو 300 من الشبان. بدا ذلك وكأنهم يسدون الطريق الى المبنى أو يمنعون الخروج منه. وقد ظهرت من النوافذ في الطبقات العليا عدة رؤوس. "نحن جميعا خريجو معاهد ومدارس للآثار"، أوضحت شابة تلبس منديلا. "نحن نريد العمل في تخصصنا".

        كانت سلطة الآثار حتى الثورة جزءا من وزارة الثقافة. إن التغييرات التجميلية التي أجراها حسني مبارك على حكومته قبل اسبوعين أفضت الى انشاء مكتب حكومي مستقل للآثار يرأسه زاهي حواس. وقد رفع انشاؤه توقعات الخريجين أكثر. "عندما بدأنا الدراسة وعدونا بوجود عمل"، قالت احدى الشابات. "الطلبات منا عالية جدا، كما في الحقوق والعلوم. في كل سنة يكمل اللقب الجامعي عدد صغير من الطلاب قياسا بمعاهد اخرى. يجب ان توجد اماكن عمل في المكاتب انفسها، وفي البحث ومواقع الحفر والمتاحف".

        انضم الى الاحتجاج ايضا عدد من العمال القدماء من ذوي الأجور المنخفضة جدا. طلب المتظاهرون بتأثير من هذه الايام، إقالة حواس. وقالت الشابات انه قيل لهن انه كان في المكتب، وهرب من المبنى من باب خلفي. ولم يكن من الممكن تحقيق أو دحض هذا القول – لكنه مُشاكل ايضا لروح هذه الايام: فكل من يتبوأ مكانة رفيعة في مكتب حكومي أو عمل كبير – مستهدِف لاحتجاج اجتماعي ما.

الادارة لا تولي الأمر اهتماما

بدأ الاحتجاج في الصباح، بين الثامنة والتاسعة. وفي الثانية عشرة ظهرا أحدث زحامات مرورية في المنطقة. وكان في الثالثة بعد الظهر ما يزال مستمرا. وفي حوالي الثالثة والنصف أو الرابعة إلا ربعا ظهرت دبابة. وقفت قرب الرصيف، وخرج من السيارة التي صاحبتها نحو من ستة يلبسون الملابس العسكرية وقد وضع بعضهم الخوذات على رؤوسهم. شقوا طريقهم بين المتظاهرين ودخلوا الى المبنى.

        "جاءوا لحماية الموظفين في المكتب"، أوضحت احدى المتظاهرات. وسُئلوا: ألستم غاضبين لتدخلهم. "لا، لا ألبتة"، قالت مبتسمة، وتابعت مع أحد الكليشيهات الأكثر شيوعا في الايام الاخيرة: "الشعب يحب الجيش". وقُبيل المساء خرج الجنود الموظفون من المبنى، ووقفوا قرب المتظاهرين الذين لم يشعروا بأنهم مهددون بل أعلوا صيحاتهم فقط مطالبين باستقالة حواس وضمان العمل لعمال الآثار.

        يبدو ان المتظاهرين لم يعلموا انه في نفس الساعة بالضبط تلا متحدث عسكري البيان السادس عن المجلس الاعلى للقوات المسلحة. وقد وُجه البيان بالضبط الى موجة احتجاجات العمال التي تُغرق مصر. تتحدث قائمة غير كاملة نشرها نشطاء يسار في البريد الالكتروني عن سلسلة اضرابات واحتجاجات في اماكن عمل مختلفة في مطلع الاسبوع، طالبة رفع الأجور وتحسين الشروط.

        على سبيل المثال أضرب 200 من عمال الشركة المصرية لتجارة الادوية وتظاهروا يوم الاحد طالبين تحسين شروط العمل ومحاكمة "الفاسدين داخل الشركة". وقد أعلنت الادارة يوم عطلة إجباريا، ورفض رئيس مجلس المديرين لقاءهم.

        وفي شركة الغاز المصرية – تظاهر كما يزعم نشطاء اليسار – نحو من ألفي عامل ازاء مبنى الشركة، طالبين التمكين من اقامة اتحاد عمال ومنح العمال المؤقتين ثباتا؛ وفي بنك الاسكندرية أجرى عدد مشابه من الموظفين من جميع الفروع إضراب احتجاج طالبين إقالة اعضاء الادارة كلهم، وتقسيم الأجور على نحو أكثر مساواة؛ وأضرب نحو من 200 موظف في البنك الوطني للتطوير إضرابا احتجاجيا في بداية الاسبوع طالبين زيادة أجور واعادة ثلاثة عمال تمت إقالتهم.

        بنك القاهرة، ومصنع سكر، ومطاحن دقيق، وممرضات مستشفيات، وسائقو سيارات اسعاف وغيرهم: كل هؤلاء انتظموا في هذه الاحتجاجات المعلنة أو تلك، وتراوح مطالبهم بين رفع الأجور الى إقالة المديرين. وفي أكثر الحالات، رفضت الادارة لقاء العمال. بل تظاهر رجال شرطة أمس في ميدان التحرير الذي أُخلي من أكثر متظاهريه وفُتح من جديد لحركة السيارات المنتظمة. وقد طلبوا في الأساس رفع أجورهم.

        الجيش مع ذوي الثراء

        دعا قادة الجيش أمس العمال الى أن يأخذوا في الحسبان وضع مصر الاقتصادي الصعب وأن يُنهوا الاضرابات. بحسب وكالات الأنباء، حذر الجيش من انه سيعمل في مجابهة "جهات غير مسؤولة" تستغل الوضع للاحتجاج. وما زال لا يُتحدث عن تهديد صريح بوقف الاضرابات بالقوة.

        قال أحد نشطاء ميدان التحرير لصحيفة "هآرتس" انه بخلاف المطالب السياسية الليبرالية التي أيدها، لم يُعبر عن رأيه في شؤون العدل الاجتماعي. "إن طلب وقف الاضرابات يلائم مطالب أرباب العمل في الجهاز الاقتصادي"، قال. "يُلمح الجيش الى انه يؤيد الآن أصحاب المال لا العمال. وما زلنا لا نعلم ماذا سيكون رد النشطاء من المواطنين واعضاء الاتحادات المهنية المستقلة".

        ليس للمتظاهرين صوت واحد

        للجيش صوت واحد وله ايضا تجربة سياسية لاسماعه. وبخلافه، يتحدث منظمو الاحتجاج بأصوات كثيرة، ولم يطوروا حتى الآن اجهزة رد منظمة. ومن المؤكد انه ليس لهم متحدث واحد مخول، واولئك الذين يحاولون الحديث باسمهم أكثر بطأ من متحدثين رسميين ذوي تجربة. "نحتاج الى وقت آخر"، قالت احدى النشيطات في معسكر الخامس والعشرين من كانون الثاني الذي يتبلور في هذه الايام. ومن الواضح للجميع ان الفيس بوك لا يستطيع ان يبقى المنبر الوحيد.

        ربما بهذا يمكن ان نفسر الرسائل المتناقضة التي جاءت أمس عن ثمانية من منظمي الاحتجاج بعد لقائهم مع قادة الجيش، في محاولة للتوصل الى موافقة على مطالبهم. ففي حين تأثر اثنان منهم تأثرا ايجابيا من النظام الجديد وأبلغا وجود تقدم، قال آخرون ان الفروق بين الطرفين ما تزال كبيرة.

        أحد هؤلاء الآخِرين هو وائل غنيم، المسؤول في "غوغل" الذي تم اعتقاله في بداية الانتفاضة وأُطلق سراحه في الاسبوع الماضي. أبلغ غنيم أمس في موقعه على الفيس بوك ان الجنرالات أبلغوه انهم ينوون إحداث تغييرات في الدستور في غضون عشرة ايام وطرحها لاستفتاء الشعب في غضون شهرين. وقال انهم وعدوه بأن الجيش غير معني بأن يحكم مصر. وأكد ان الحديث عن انطباعه الشخصي لا عن تقرير رسمي.

        مع ذلك، أكد آخرون ممن حضروا اللقاء ان الجيش ما زال يرفض الاستجابة لجزء من مطالبهم، وفيها الغاء قوانين الطواريء التي كانت ترمي الى قمع الدولة، واطلاق سراح السجناء السياسيين واجراء انتخابات حرة نزيهة. وقال المنظمون انهم ينوون أن يُجروا منذ الآن فصاعدا كل يوم جمعة "مظاهرة مليونية" في ميدان التحرير، "كي يُذكروا بأن السلطة للشعب".