خبر ما تخشاه « إسرائيل » من رحيل مبارك؟-- صالح النعامي

الساعة 06:36 م|13 فبراير 2011

ما تخشاه "إسرائيل" من رحيل مبارك؟-- صالح النعامي

 

من تنقّل بين شاشات التلفزة الإسرائيلية مساء الجمعة الماضي كان يُمْكِنه بسهولة أن يلمس حالة الإرباك والذهول التي أصابت المُعلِّقين الصهاينة، في حين توارَى نتنياهو ووزراؤه عن الأنظار ورفضوا الإدلاء بأيِّ تعليق، بعد أن نجحت الثورة المصرية المجيدة في خلع الرئيس حسني مبارك. ولعلّ الوحيد من المستوى السياسي الصهيوني الذي وافق على التعليق على ما انتهت إليه الأمور هو الوزير السابق، عضو الكنيست عن حزب العمل بنيامين بن اليعازر، الذي يعتبر صديقًا شخصيًا لمبارك، والذي تبيّن أنه بقي على الاتصال به حتى قبل 24 ساعة على خلعه من سُدّة الحكم، حيث عبر بن اليعازر بشكل دبلوماسي عن حجم الأزمة التي تعيشها إسرائيل في هذه الأثناء، عندما قال: "هذا التطور ترك الكثير من الأسئلة دون أن يقدم أجوبة". ويمكن للمرء أن يدرك ما يعنيه بن اليعازر الذي قال بعد زيارة قام بها لمصر قبل عدة أشهر: "مبارك كنز استراتيجي لإسرائيل". والسؤال الذي يطرح نفسه، هنا بقوة، ما الذي تخشاه إسرائيل بالضبط بعد خلع مبارك؟ وما الذي يمكن أن تخسره تل أبيب بعد ما حدث؟ وهل هذا السيناريو الذي تَمنّاه الصهاينة لمستقبل الحكم في أرض الكنانة؟. وإن كان المسئولون الصهاينة يصمتون حاليًا لأسباب معروفة، فما هي آليات التحرك التي يقومون بها في هذه الأثناء، وفي المستقبل من أجل تقليص "الأضرار" التي يمكن أن تنجم عن هذا التحول الكبير في القاهرة؟

 

"كامب ديفد" ومستقبل دور مصر الوظيفي

 

مما لا شكَّ فيه أن أكثر ما يثير القلق لدى صناع القرار الصهاينة هو موقف الحكم الجديد في مصر من اتفاقية " كامب ديفيد"، وهي الاتفاقية التي حرمت الدولة المصرية من معظم مظاهر السيادة في صحراء سيناء، حيث إنّ "كامب ديفيد" فرضت قيودًا على التواجد العسكري المصري في سيناء، بحيث إنه يقتصر على عمل رجال الشرطة والأمن الداخلي. وتخلو سيناء تمامًا من أي مظهر من مظاهر الوجود العسكري، فلا معسكرات للجيش، ولا مطارات حربية، علاوة على أنه تمّ حرمان مصر من الحق في استغلال أراضي سيناء الشاسعة في إجراء تدريبات ومناورات عسكرية. وتخشَى إسرائيل أن يؤدّي أي تغيير في الموقف المصري من بنود الاتفاقية إلى أن يتبلور تهديد إستراتيجي كبير على العمق الصهيوني. لكن كما هو معروف فإنّ نظام الرئيس مبارك لم يحترم فقط اتفاقية "كامب ديفيد"، بل إنه سخر مصر وإمكانياتها الأمنية والعسكرية في أداء دور وظيفي ضمن الإستراتيجية الأمريكية. وقد سوق نظام مبارك لدوره الوظيفي، من خلال مهمتين  أساسيتين:

 

أولاً: التعهُّد بعدم السماح بأي دور للحركات الإسلامية في مصر من خلال القمع المتواصل وتجفيف المنابع، علاوة على توظيف مقدرات مصر في محاربة الحركات الإسلامية خارج مصر.

 

ثانيًا: الاضطلاع بدور رئيس في تحقيق المصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة.

 

 من هنا فقد تحوّل نظام مبارك إلى لعب دور رأس الحربة في مهاجمة ومحاربة الأطراف التي تصنفها تل أبيب وواشنطن كـ"أعداء". وهذا الذي يفسّر العداء الكبير الذي كان يُكِنّه نظام مبارك لكل من حركة حماس وحكمها والمقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله، علاوة على أن هذا النظام تطوع لمحاربة إيران والتحريض عليها، على الرغم من أنه لا يوجد هناك محاور احتكاك حقيقية تسوغ هذا الموقف. ولا يمكن هنا تجاهل الدور الذي لعبه نظام مبارك في مساعدة أمريكا في حربها على العراق من أجل تجريد هذه البلاد من مقوماتها الاستراتيجية وإخراجها من دائرة التهديد لإسرائيل. في نفس الوقت لعب نظام مبارك دورًا مركزيًا في الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية الهادفة لتثبيط همم الأمة وحصر خياراتها في قبول الفتات الذي تتفضل به تل أبيب، وذلك من خلال انطلاق هذه النظام من هذه النظرة في بلورة علاقاته العربية. من هنا فلم يكن مستغربًا أن يوالي نظام مبارك سلطة رام الله ويتحالف معها في مواجهة حركة حماس، ناهيك عن أنّ هذا دفع مبارك لمباركة الحرب الإسرائيلية الإجرامية على قطاع غزة أواخر عام 2008، والتي هدفت بشكل واضح للقضاء بشكل نهائي على حركة حماس وحكمها. وكما قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم فقد أسْدَى مبارك معروفًا عظيمًا لإسرائيل بعدائه المطلق لحزب الله وتأييده غير المتحفظ لفريق 14 آذار الموالي للغرب.

 

مستقبل التعاون الأمني

 

وإلى جانب الدور الوظيفي فقد لعب نظام مبارك دورًا أمنيًا مباشرًا في خدمة إسرائيل، وذلك من خلال فتح الباب على مصراعيه أمام التعاون الأمني، الذي أشرف عليه مدير المخابرات ونائب الرئيس المخلوع عمر سليمان، مع العلم أن الإسرائيليين اعترفوا لأول مرة أن التعاون الأمني لم يقتصر على الأجهزة الأمنية والمخابرات، بل تَعدّاه للتعاون الأمني بين الجيشين. ولعل من أهم أوجه مظاهر التعاون الأمني، هو تبادل المعلومات الاستخبارية، حيث إنه حدث في كثير من الأحيان أن قامت السلطات المصرية بحملات اعتقال ضد الفلسطينيين والعرب زاروا مصر بعد تلقيها معلومات من المخابرات الإسرائيلية. وقد أكدت قنوات التلفزة الإسرائيلية أنّ اعتقال ما يعرف بـ "خلية حزب الله" تم بناء على معلومات قدمتها المخابرات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك فقد لعب الأمن المصري دورًا هامًا في منع تهريب السلاح من مصر إلى قطاع غزة، وتأمين الحدود المصرية مع فلسطين 48، ومنع ظاهرة المتسللين الأجانب، التي باتت تعتبر تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل.

 

إسرائيل تراهن على أمريكا والجيش المصري

 

على الرغم من أن إسرائيل تحافظ على الصمت من ناحية إعلامية، إلا إنها في المقابل تقوم بجهود هائلة في محاولاتها تقليص الأضرار الاستراتيجية الناجمة عن التحولات في مصر، وذلك من خلال التعاون مع الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية، لذلك فقد طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدول الأوربية بأن تطلب من الحكم الجديد إعلان التزامه باحترام اتفاقية "كامب ديفيد"، وهذا ما قام به العديد من الزعماء الأوروبيين بدون تردّد. إن أكثر ما تراهن عليه إسرائيل في هذه الأيام هو الدور الأمريكي في أن تسفر التحولات في مصر عن واقع سياسي يسمح بمواصلة إسرائيل بالاستفادة مما كانت تنعم به في ظلّ نظام مبارك. أكثر ما يراهن عليه الإسرائيليون هو أن تستغل واشنطن تأثيرها الكبير على الهيئات القيادية العليا في الجيش المصري وتضغط عليها من أجل ضمان توفّر بيئة سياسية داخلية تضمن تواصل ما حققته تل أبيب في عهد مبارك.

 

يجب أن تكمل الثورة أهدافها

 

قصارَى القول على الجماهير المصرية ألا تركن لأحد، وضمن ذلك قيادة الجيش، وتواصل الضغط من أجل تحقيق مطالبها السياسية كاملة، وذلك من أجل أن يتمتع الشعب المصري بحقّه المطلق في تقرير مصيره وتحديد خياراته الوطنية وتحريرها من التأثير الأمريكي الإسرائيلي.

 

إنّ هذا هو التحدِّي الأبرز الذي يقف أمام الثورة المصرية حاليًا.