خبر العيب على الاستقرار في الشرق الاوسط -هآرتس

الساعة 09:27 ص|10 فبراير 2011

 

العيب على الاستقرار في الشرق الاوسط -هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: استقرار الشرق الاوسط الذي تحبه اسرائيل والغرب هو في غير مصلحة شعوب الشرق الاوسط وقد حان وقت القضاء على هذا الاستقرار المتوهم - المصدر).

كيف يُسمون بالعبرية الاسرائيلية وضعا تدخل فيه دبابة اسرائيلية حيا سكنيا، تزرع الرعب والدمار في طريقها، ويرميها أولاد الحي بالحجارة؟ "اخلالا بالنظام". وكيف يُسمون اعتقال رُماة الحجارة هؤلاء، الذي يُمكّن من استمرار سير الدبابة بلا عائق؟ "اعادة النظام الى ما كان عليه".

        هكذا اعتدنا بلغتنا المغسولة الى حد القُبح، التي جُندت لخدمة روايتنا الواحدة والوحيدة، أن نصف لأنفسنا الواقع المُتعتع الذي نعيش فيه. ما زالت الدبابات لم تدخل الأحياء السكنية، ويتم الحفاظ على النظام الجيد من غير وجودها في المناطق: فالمحتل يتقدم والواقع تحت الاحتلال يضبط غرائزه ونضاله – ويتم الحفاظ على النظام الجيد حتى الآن. هذا استقرار.

        تجرأت مصر ايضا على "الاخلال بالنظام" فجأة. فقد ضاق جماهيرها ذرعا بسلطة الفساد والاستبداد والاسكات وخرجوا الى الشوارع. أحداث شغب. تأهب العالم الغربي وفيه اسرائيل: خطر كبير، يوشك الاستقرار في الشرق الاوسط أن يتضعضع. لكن من الجيد ان يتضعضع هذا الاستقرار. إن الاستقرار في الشرق الاوسط، الذي أصبح قيمة غربية وذخرا اسرائيليا محبوبا، يعني تخليد الوضع الراهن، وقد يكون هذا الوضع جيدا لاسرائيل وللغرب، لكنه سيء جدا لملايين الناس الذين يضطرون الى دفع الثمن.

        إن الحفاظ على الاستقرار في الشرق الاوسط يخلد الشذوذ الذي لا يطاق، حيث يعيش نحو من مليونين ونصف مليون من الفلسطينيين بلا أية حقوق تحت أحذية السلطة الاسرائيلية؛ وملايين آخرون من اللاجئين الفلسطينيين من حرب 1948 في مخيمات في الدول العربية، مسلوبي الحقوق والأمل ومصادر الرزق وحياة الكرامة.

        يشتمل هذا الاستقرار على ملايين العرب الذين يعيشون تحت نظم حكم جريمة واستبداد شرير. في السعودية المستقرة؛ النساء مثل غبار الناس، وفي سوريا المستقرة يقمعون كل مظهر من مظاهر المعارضة، وفي الاردن والمغرب المستقرتين، وهما هوى قلوب الغرب واسرائيل، يخاف السكان إسماع كلمة انتقاد على ملكيهما، حتى في محادثة عادية في مقهى.

        يشتمل استقرار الشرق الاوسط المُشتهى على عشرات ملايين الفقراء والجهلة في مصر، في حين تتمتع العائلات الحاكمة بثروة مليارات. ويشتمل على نظم حكم تُخصص أكثر ميزانياتها على نحو فاضح للجيش، وتسلح لا ينتهي، لا حاجة اليه ألبتة سوى للحفاظ على نظام الحكم، على حساب مخصصات التربية والصحة والتطوير والرفاه. وهو يشتمل على سلطة تنتقل من الأب الى الابن لا في نظم الحكم الملكية في المنطقة فحسب، وعلى انتخابات مزورة لا يجوز فيها التنافس إلا لممثلي الاحزاب الحاكمة فقط.

        وهو يشتمل على حروب عبثية خاسرة، وحروب أهلية وحروب بين دول يُسفك فيها دم السكان بسبب أخطاء حكامها وغرائزهم العجيبة فقط. وهو يشتمل على اضطهاد الفكر الحر، وحق تقرير المصير والنضال للحرية. وهو يشتمل على الجهل، وعدم النماء والتطور، وعدم احتمال الانجاز والاسهام المعدوم للجماهير الذين وضعهم مستقر على نحو مخيف: انهم مستقرون في فقرهم واضطهادهم.

        إن منطقة مشحونة بالموارد الطبيعية والموارد البشرية، كانت تستطيع أن تنمو مثل الشرق الاقصى على الأقل، واقفة في استقرارها هذا منذ عشرات السنين: وهي أكثر الاماكن تخلفا بعد افريقية.

        هذا هو الاستقرار الذي نريد الحفاظ عليه. وهذا هو الاستقرار الذي أرادت امريكا الحفاظ عليه دائما. وهذا هو الاستقرار الذي أرادت اوروبا الحفاظ عليه. وكل اخلال به يُعد اخلالا بالنظام وهو أمر سيء بحسب تعريفنا. هلّم نتذكر اقامة الدولة: كانت أم جميع الاخلال بالنظام في المنطقة، والأكثر زعزعة لاستقرارها، والأكثر تعريضا لسلامتها للخطر، لكنها كانت اخلالا بالنظام عادلا، في نظرنا وفي نظر الغرب. وقد حان الآن أن يُخل بالنظام ويُزعزع الاستقرار الخاسر الذي يعيش فيه الشرق الاوسط.

        بدأ شعبا تونس ومصر ذلك، وترددت الولايات المتحدة واوروبا في البداية لكنهما تنبهتا سريعا. فقد أدركتا في نهاية الامر ان هذا الاستقرار ليس ظلما فحسب بل مضللا ايضا سينتهي الى أن يتضعضع. عندما تغزو الدبابة حياتنا يجب ان تُرمى بالحجارة – لقد حان وقت القضاء على هذا الاستقرار الذي يثير الغضب في الشرق الاوسط.