خبر موسم الصيد -هآرتس

الساعة 09:26 ص|10 فبراير 2011

موسم الصيد -هآرتس

بقلم: آري شبيط

(المضمون: ينعى الكاتب على الادارة الاسرائيلية حالة الفساد فيها وتلمس الأخطاء من جهات ما لجهات اخرى خصمة للقضاء عليها بلا موضوعية وبلا عدل - المصدر).

        جرى تنكيل  بوآف غالنت. وقد أسهم غالنت بنصيبه في التنكيل. فقد اخطأ اخطاءا شديدة، واستعمل القوة في سلوكه ولم يفهم العالم الجديد الذي نعيش فيه. لكن أعمى فقط أو شريرا لا يفهم أن شكل علاج غالنت لم يكن متناسبا ولم يكن موضوعيا ولم يكن نقيا. لو أن المستشار القانوني للحكومة فُحص عنه كما فُحص عن غالنت لما كان المستشار القانوني للحكومة. ولو فُحص عن رئيس الاركان كما فُحص عن غالنت لما كان رئيس الاركان. ولو تم الفحص عن اسحق رابين واريئيل شارون كما فُحص عن غالنت لما كانا رئيسي حكومة.

        لم يُفحص عن غالنت باجراء منظم وسليم يستعمل المساواة. فقد أُعلم غالنت وسُدد اليه وقُضي عليه. صيد اللواء يوآف غالنت على أيدي مجموعة صيادين.

        كانت عملية غالنت واحدة من عمليات الاغتيال اللامعة التي نفذت في اسرائيل في السنين الاخيرة. وقد تم تحديد الهدف في مرحلة سابقة وهو ضابط شجاع يعلم ان الجيش الاسرائيلي فاسد ويقول إن الجيش فاسد ويحذر من الفساد في الجيش. وبعد تحديد الهدف في الحال استُعملت الاستخبارات بجمع منهجي لمواد مُجرّمة. بعد أن جُمعت المواد المجرمة، استُعملت الذراع الاستراتيجية الطويلة أي وسائل الاعلام. وللأسف الشديد لم تنجح العملية الاعلامية الاولى نجاحا جيدا. فلم تنجح وثيقة هرباز كما كان يفترض ان تنجح. لكن العملية الاعلامية الثانية نجحت نجاحا باهرا. تحت قصف اعلامي ثقيل لعب مراقب الدولة والمستشار القانوني للحكومة الدور الذي خُصص لهما في خطة العملية.

        هكذا تم القضاء على رئيس الاركان المرشح. وهكذا أُبعد خطر أن يوجد من يُنقي الفساد العميق في الجيش الاسرائيلي. كان يمكن الاستمرار على قول إن الجيش أُعيد بناؤه وان الجيش قوي وان الجيش لا عيب فيه حتى تسقط الصواريخ على رؤوسنا. وكان يمكن اعتقاد ان المشكلة القيمية للجيش الاسرائيلي تكمن في بضع قطع ارض في قرية عميكام، الى أن تسقط الصواريخ على رؤوسنا.

        هل كان يوآف غالنت مناسبا ليكون رئيس اركان؟ فعل غالنت افعالا خطيرة ويستحق سلوكه انتقادا لاذعا. بل يمكن ان نزعم انه مرفوض ان يكون رئيس هيئة القيادة العامة. والجدل في هذه القضية صعب ومعقد وشرعي. لكن غير الشرعي هو الاجراء العام القبيح العنيف الذي أُعدم به غالنت. لم تجر محاكمة عادلة هنا. جرت عملية براقة من الاغتيال المركز.

        ليست المشكلة شخصية. المشكلة هي أن جهاز المعايير في اسرائيل قد انهار. خسرنا المقياس الذهبي القانوني ومتر الحديد الاخلاقي. كان مسار تنظيف الاسطبلات الذي جرى علينا في السنين الاخيرة أمرا سليما وحيويا. لكنه اختطفه في نقطة ما أصحاب مصالح وأصحاب بواعث اجنبية، يستغلونه في تهكم مطلق. وكان من نتاج ذلك انه لا يوجد مقياس قيم واضح سليم. لا يوجد هنا تطبيق متساو لمعايير متساوية على أناس مختلفين. فمن السهل جعل مخالفة طفيفة مخالفة شديدة والشديدة طفيفة. ومن السهل عرض رمادي فلان باعتباره اسود، ورمادي آخر باعتباره ابيض. إن جدالات موضوعية تخلي مكانها لتراشق بالنيران الشخصية والطائفية والصفراء. واستيضاح الحقيقة يخلي مكانه لحملات المطاردة. وفي احيان كثيرة يصبح صنع العدل غير عادل. الجو مسموم، وميدان المدينة ملوث، وأنهار من الدم الفاسد تجري في الشوارع.

        إن حالة غالنت هي حالة متطرفة لكنها ليست حالة فردية. فقد أصبح جمع مواد التجريم في اسرائيل 2011 اسم اللعبة. وأصبح تطبيق القانون الانتقائي وباء دولة. وليس السؤال الذي يحدد المصير ماذا فعلت وما قيمتك، بل هل توجه حزمة ضوء خلايا الاغتيال إليك ايضا. الموسم موسم صيد. وتتجول جماعات صيادين في الشوارع تصطاد كما تهوى. لا تبحث عن الحقيقة والعدل بل تستعمل اجراءات تتنكر بلباس اجراءات حقيقة وعدل للقضاء على الخصوم.

        ومع عدم وجود زعيم ومع عدم وجود سيد فلا يوجد من يحسم الجنون. ومع عدم وجود سلطة قضائية واخلاقية فلا يوجد من يُعيد الاتزان، ونقاء الرأي والتناسب والموضوعية. لا حكم ولا حاكم ولا حد. الفوضى هي فوضى مفترسة. وكل شخص يبسط يده الى أخيه.