خبر الثورة تبلبلت -هآرتس

الساعة 08:54 ص|09 فبراير 2011

الثورة تبلبلت -هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

 (المضمون: مع عدم وجود قيادة بديلة لدى حركة الاحتجاج في مصر، فان إصرار حسني مبارك على أن يُحدث التغييرات المطلوبة هو نفسه قبل أن يعتزل يبدو الشيء الصحيح لمصر - المصدر).

        بين من ومن يجري التفاوض في مصر؟ أهو تفاوض بين نظام حكم حسني مبارك وبين الادارة الامريكية، أم بين متظاهري ميدان التحرير وبين من يقترح النظام أن يحلوا محله؟ ومن يملك قوة أكبر في هذا التفاوض؟ ومن تم تخويله أصلا باجراء التفاوض؟.

        يُخيل الينا أن واشنطن أخذت تعترف بأن كل تغيير يتم في طريقة نظام الحكم في مصر، يحسن أن يتم ويراقبه النظام القائم أي مبارك. ليس الحديث هنا عن بارقة عبقرية سياسية بل عن تصحيح خطأ.

        إن الادارة الامريكية، التي وقفت الى جانب المتظاهرين في ميدان التحرير تصحيحا مفرطا لعدم وجود موقف من الثورة في تونس تتعوج: فقبل نحو من اسبوع قالت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، إن من الضروري أن تؤسس فورا ديمقراطية في الشرق الاوسط، وطلبت أن يتم نقل السلطة الآن. لكن الادارة تقترح الآن ترك مبارك يُتم ولايته كي يستطيع تنفيذ "الديمقراطية". ومع ذلك كله، يمكن اغتفار هذه التغييرات المفاجئة في السياسة، ولا سيما حينما تأتي وبين يديها ادراك أنه لا بديل الآن عن الرئيس أو الاجهزة التي يسيطر عليها.

        إن عدم وجود قيادة بديلة يلاحظ من كثرة تصريحات اشخاص أو صحفيين أو ممثلين للمتظاهرين. على سبيل المثال نشأت على عجل "لجنة الحكماء"، التي تشتمل على عدة اشخاص ذوي مكانة وصيت في الجمهور المصري كالبروفيسور أحمد زويل، الفائز بجائزة نوبل والذي يسكن لوس انجلوس، وعمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، ونجيب ساويرس صاحب المليارات القبطي واعضاء آخرين بارزين. نشروا في نهاية الاسبوع خريطة طريق لتغيير طريقة نظام الحكم بالتدريج مع اجراء تفاوض مع عمر سليمان. لكن عندما سُئل عدد من ممثلي حركات الشباب هل يقبلون هذه الطريقة، أجابوا بأن لجنة الحكماء لا تمثلهم وأنه لا أحد خولّهم العمل باسمهم.

        الاخوان المسلمون مستعدون لمفاوضة سليمان، لكنهم يشترطون عدة شروط مسبقة لن يتابعوا التفاوض من غيرها. وهذه أول مرة يقترح فيها نظام مبارك على الحركة التي حُظر نشاطها بحسب القانون، شراكة سياسية. لكن يبدو أن لكل حركة لحظات فقدانها صوابها، ولا يعلم الاخوان المسلمون الآن ايضا كيف يردون. فزعيمهم احمد بديع يؤيد على العموم قطع صلة منظمته بالسياسة. وبسبب صراعات داخلية في المنظمة فقط وافق على المشاركة في انتخابات مجلس الشعب وكانت النتيجة فشلا مطلقا. ولا يسود الفرح ايضا الحركات التي أحدثت المظاهرات. فحركة كفاية ترى نفسها صاحبة الحق في الحملة التي أفضت الى تحريك الجمهور على مبارك، ورائدة معارضة توريث جمال مبارك السلطة. لكن بعد ان أعلن مبارك رجوعه الى الترشح واستل جمال من الساحة السياسية، خرجت الريح كلها من أشرعتها ولم يبق من برنامجها الكثير.

        إن النشيط السياسي أيمن نور، الذي نافس في الانتخابات السابقة للرئاسة وخسر في ضجة كبيرة، يزعم أنه الزعيم البديل الحق، لكن ليس هذا ما تعتقده احزاب المعارضة الرسمية كالوفد والتجمع اللذين يُجريان تفاوضا مع سليمان، لكنهما لا يمثلان إلا ناخبيهما القلّة ولا يُريان بديلا مناسبا. مع عدم وجود تمثيل سياسي لجمهور المتظاهرين فانهم وعلى نحو من المفارقة يضطرون الى الاعتماد على الولايات المتحدة باعتبارها أداة ضغط. وهنا يكمن التهديد الكبير لحركة الاحتجاج. لان الاعتماد على امريكا كي تُحدث التغيير من اجلهم، يشبه خيانة الثورة نفسها. لن يشاء المتظاهرون أن يظهروا بعد زمن ما بمظهر من غيّروا طريقة نظام الحكم على حراب الامريكيين وأن يخسروا بذلك شرعيتهم عند الجمهور.

        والنتيجة في هذه الاثناء أن كل تنازل وكل تغيير وكل اصلاح تأتي من أعلى. ما يكون مبارك مستعدا لاعطائه هو ما سيحصل الجمهور عليه. في الحقيقة أن الحزب الحاكم اهتز في نهاية الاسبوع. ولم تعد الحكومة تشتمل على رجال اعمال تولوا اعمالا فيها مدة سنين وأصبحوا رمز فساد نظام الحكم. فعلى سبيل المثال أُقيل صفوت الشريف – الامين العام للحزب الذي كان ظل مبارك، وركيزة الحزب، وسيطر على جميع وسائل الاعلام الحكومية – واحمد عز، رئيس قسم التنظيم في الحزب الذي كان مركز الانتقاد العام اللاذع بسبب ثروته الضخمة التي مصادرها مجهولة. وكذلك استقال جمال مبارك رئيس لجنة الحزب السياسية. لكن الحزب الذي أسسه أنور السادات في 1978 ما يزال حيا قائما، واجهزته تسيطر سيطرة جيدة على مؤسسات الدولة وعدد من الاتحادات المهنية.

        إن مبارك مستعد لتعديل مواد الدستور على نحو لا يُقيد ترشح مرشحين في الانتخابات، بيد أن هذه التنازلات حتى الآن، وبرغم التغييرات الجوهرية والتاريخية الكامنة فيها، لم تُرض جمهور المتظاهرين. فهم يريدون الآن رأس مبارك أكثر مما يريدون الاصلاح. ومبارك مستعد من جهته أن يعطيهم الكثير بشرط أن يُحدث التغيير الكبير هو نفسه.

        لم يحدث في مصر انقلاب عسكري، ولم تُهدم اجهزتها حتى الأساس، كما حدث في العراق بعد اسقاط صدام حسين. فما يزال الحديث عن دولة ينجح فيها جهاز القضاء في حالات كثيرة بعرض موقف مستقل، وفيها مؤسسات برغم فسادها تمنح الجمهور خدمات حيوية. ليس طموح مبارك طموحا أنانيا فقط الى أن يُذكَر باعتباره مُصلح مصر. الحديث عن ادراك مناسب أن هذه الاصلاحات تقتضي اجراءات دستورية تطول.