خبر سياسات قديمة بوجوه جديدة ..فهمي هويدي

الساعة 11:10 ص|08 فبراير 2011

سياسات قديمة بوجوه جديدة ..فهمي هويدي

 

ما أفهمه أن الصيحة التى دوت فى الفضاء المصرى داعية إلى رحيل الرئيس مبارك لم تستهدفه كشخص فقط، وإنما اعتبرته أيضا رمزا لنظام استنفد أغراضه وأجمعت الجماهير الغاضبة على رفضه.

 

وحين أعلن مساء أمس الأول «السبت 5/2) عن استقالة القياديين فى الحزب الوطنى فإن ذلك كان خطوة مستجدة على طريق تغيير الرموز والأشخاص.

 

ومن الواضح أن الإجراءات التى اتخذت منذ تفجير ثورة 25 يناير وحتى الآن تصب فى ذلك الاتجاه.

 

تندرج تحت هذا العنوان القرارات التى صدرت بإحداث تعيينات جديدة فى قمة السلطة، وتلك التى اتخذت بحق بعض الوزراء ممن أثيرت حولهم شكوك معينة، أو بحق بعض القيادات الأمنية التى اتهمت بالتآمر لإشاعة التخريب والفوضى فى البلاد.

 

وتلك كلها خطوات مرحب بها إلا أنها تظل محصورة فى دائرة تغيير الوجوه، ولم تمس تغيير السياسات من قريب أو بعيد.

 

استطرادا من هذه النقطة، فإنه يظل مستغربا للغاية أن يشمل التغيير رئيس الحكومة وقيادات الحزب الوطنى، فى حين يبقى رئيس مجلس الشعب فى مقعده الذى يجلس عليه منذ 21 عاما، وهى السنوات العجاف التى استخدم خلالها المجلس فى إحكام قبضة الاستبداد والتلاعب بالإصلاح السياسى، والتستر على مختلف مظاهر الفساد، كما تولى رئيس المجلس قمع وإجهاض كل محاولات محاسبة الحكومة أو ممارسة أية رقابة حقيقية عليها.

 

من المفارقات أن المجلس الحالى الذى يتفق الجميع على أنه تشكل بالتزوير والتدليس، يراد له أن يؤتمن على المرحلة المقبلة التى يفترض أن يتم خلالها ترتيب أوضاع ما بعد رحيل الرئيس مبارك.

 

 بما يعنى أننا حتى فى سياق تغيير الرموز والأشخاص أريد لنا أن نعول على مجلس مطعون فى شرعيته، على رأسه رمز مطعون فى استقلاله وعدالته!

 

من المفارقات أيضا إنه فى الوقت الذى تطلق فيه إشارات التغيير على مستوى الرموز والواجهات تتواصل عمليات اعتقال الناشطين.

 

وتتردد أنباء عن اختفاء أشخاص منهم وغياب أى أثر لهم. كما يجرى التضييق على الصحفيين القادمين لتغطية الأحداث. ولا أن ينسى أنه فى تلك الأجواء تم هجوم ميليشيات الأجهزة الأمنية ومعها مجموعات البلطجية على المتظاهرين فى ميدان التحرير. وقتلت ثمانية منهم فى يوم الأربعاء الأسود.

 

فى هذا الصدد فإننى لا أستبعد ما قيل إن هؤلاء وغيرهم من المجموعات التى أثارت الفوضى والتخريب يمثلون جهازا خاصا لا علاقة لوزارة الداخلية به، وذلك إذا صح فإنه إذا أخلى مسئولية الداخلية فإنه لا يبرئ النظام من المسئولية، لأنه هو الذى أنشأه وهو الجهة الوحيدة المستفيدة من ممارساته.

 

النقطة التى أريد أن أركز عليها هى أننا مازلنا بصدد إحداث تغيير محدود فى الوجوه والإجراءات، ولكن السياسات لم تتغير.

 

إن شئت فقل إن النظام لايزال يتبع نفس السياسات القديمة ولكن بوجوه جديدة.

 

وينبغى أن نلاحظ أنه حتى تلك التغييرات التى تمت فى الوجوه لم يقدم عليها النظام إلا بضغط من الجماهير الغاضبة،

 

بدليل أن استقالة قيادات الحزب الوطنى (الذى لا وزن له فى حقيقة الأمر) لم تتم إلا بعد عشرة أيام من انطلاق ثورة الغضب،

 

وأن التغييرات التى سبقتها لم تحدث دفعة واحدة، وإنما تمت على مراحل واكبت مؤشرات صمود الغاضبين المعتصمين فى ميدان التحرير، بحيث إنه كلما استمر ذلك الصمود كلما اتخذت خطوة متقدمة لاسترضاء المتظاهرين وامتصاص غضبهم.

 

وهذا الضغط الجماهيرى ترجم إلى ضغوط دولية عبرت عنها التصريحات التى صدرت عن المسئولين فى عدة عواصم عالمية.

 

الخلاصة أن ما يحدث الآن هو محاولة لكسب الوقت لإجراء جراحات تجميلية تتم بصورة تدريجية لتحسن وجه النظام وللإيهام بأنه يلبى رغبات الجموع الغاضبة، فى حين أن تلك التغييرات لا تتناول جوهر السياسات القائمة التى لم يطرأ عليها تعديل بعد.

 

وإذا قيل إن الوقت لايزال قصيرا لتقييم موقف الحكومة الجديدة، فردى على ذلك أن ثمة قرارات فورية تتعلق بالسياسات لا يتطلب إصدارها وقتا يذكر، مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء حالة الطوارئ وتنفيذ الأحكام القضائية النهائية واجبة النفاذ التى تسوِّف السلطة فى الالتزام بها.

 

إن القضية الأساسية التى يعنى بها النظام المصرى هى الاستمرار، وإذا كان قد أبدى استعدادا لقتل 300 شخص وجرح خمسة آلاف لأجل ذلك، فلا غرابة فى أن يضحى ببعض أبنائه وأعوانه لأجل بلوغ الهدف ذاته.