خبر ثورة العرب وتهاوي الغرب- هآرتس

الساعة 09:13 ص|03 فبراير 2011

ثورة العرب وتهاوي الغرب- هآرتس

بقلم: آري شبيط

يجري ازاء نواظرنا مساران عظيمان. الاول هو ثورة التحرر العربية. فبعد نصف قرن حكم المستبدون فيه العالم العربي، أخذ يتضعضع سلطان المستبدين. وبعد خمسين سنة من الاستقرار العفن، يزعزع العفن الاستقرار. لم يعد الجماهير العرب مستعدين لتحمل ما تحملوه من قبل. ولم تعد النخب العربية مستعدة للصمت كما صمتت من قبل.

        إن الامور التي كانت تغلي تحت السطح مدة عشر سنين انفجرت فجأة بانتفاضة حرية. إن الحداثة والعولمة وثورة الاتصالات والاسلاموية تنشيء كتلة حرجة لا يمكن الصمود لها. ونموذج العراق الديمقراطي مهتز، ونشرات "الجزيرة" التأليبية تؤجج الامر. لهذا سقط باستيل تونس، ويسقط باستيل القاهرة وستسقط باستيلات عربية اخرى.

        تشبه المناظر مناظر الانتفاضة الفلسطينية في 1987، لكن الانهيار يشبه الانهيار السوفييتي في 1989. لا يعلم أحد الى أين ستفضي الانتفاضة. ولا يعلم أحد هل تأتي على آثارها الديمقراطية أو الحكم الديني أو ديكتاتورية من نوع جديد. لكن ما كان لن يكون بعد. والترتيب الذي رتب الشرق الاوسط ينتقض. فكما أسقطت ثورات ضباط الخمسينيات الحكم الملكي العربي الذي اعتمد على القوى الاستعمارية، تُسقط ثورات ميادين 2011 حكم الطغيان العربي الذي اعتمد على الولايات المتحدة.

        والمسار الثاني هو تسارع تهاوي الغرب. لقد منح الغرب العالم مدة ستين سنة نظاما غير كامل لكنه مستقر. وقد بنى نوعا من امبراطورية بعد استعمارية ضمنت هدوءا نسبيا وسلاما في الحد الأقصى. إن صعود الصين والهند والبرازيل وروسيا، والازمة الاقتصادية في الولايات المتحدة وفي اوروبا، بيّنت ان الامبراطورية بدأت تتهاوى. ومع ذلك كله حافظ الغرب على نوع ما من الهيمنة الدولية. فكما لم يوجد بعد بديل عن الدولار لم يوجد بديل عن الزعامة السياسية الشمال اطلسية. لكن الشكل الفاشل الذي تجابه عليه قوى الغرب الشرق الاوسط يثبت انها لم تعد تقود الامور. فهي تتحول بازاء نواظرنا من قوى عظمى الى قوى كلام.

        لن تُسوغ أي تعلاّت التناقضات. كيف يمكن ان تكون امريكا بوش قد فهمت مشكلة القمع في العالم العربي، لكن امريكا اوباما تجاهلتها الى ما قبل اسبوع؟ وكيف يمكن ان مبارك قد كان في أيار 2009 رئيسا محترما يحترمه الرئيس اوباما، أما في كانون الثاني 2011 فان مبارك قد أصبح ديكتاتورا ظلاميا يطرحه الرئيس اوباما؟ وكيف يمكن ان اوباما لم يؤيد في حزيران 2009 الجماهير التي خرجت على احمدي نجاد المتطرف، أما الآن فانه يقوم الى جانب الجماهير التي تخرج على مبارك المعتدل؟ الجواب واحد: وهو ان الموقف الذي يأخذ به الغرب ليس موقفا اخلاقيا يعبر عن التزام حقيقي لحقوق الانسان. يُعبر موقف الغرب عن الأخذ بتصور جيمي كارتر وهو تملق الطُغاة الظلاميين والأقوياء في مقابلة التخلي عن الطُغاة المعتدلين والضعفاء.

        إن خيانة كارتر للشاه جلبت علينا آيات الله، وستجلب علينا في القريب آيات الله المسلحين بالذرة. وستكون لخيانة الغرب لمبارك تأثيرات لا تقل خطرا. ليست هذه خيانة لمن كان مواليا للغرب فحسب وخدم الاستقرار وشجع الاعتدال. انها خيانة لكل حليف للغرب في الشرق الاوسط وفي العالم الثالث. والرسالة هي رسالة حادة واضحة وهي ان كلمة الغرب ليست كلمة، والحلف مع الغرب ليس حلفا، لقد أضاع الغرب هذا. لم يعد الغرب هو القوة القائدة التي تجعل العالم الذي نعيش فيه مستقرا.

        ستُغير ثورة التحرر العربية الشرق الاوسط من الأساس. وسيُغير تسارع تهاوي الغرب العالم. ستكون احدى نتائج ذلك الانطلاق السريع نحو الصين ونحو روسيا والقوى الاقليمية كالبرازيل وتركيا وايران. وستكون النتيجة الثانية لذلك سلسلة اشتعالات دولية ستنبع من ضياع قدرة الردع الغربية. لكن النتيجة العامة ستكون ان الهيمنة السياسية الشمال اطلسية لن تنهار في غضون عقود بل في غضون سنين. عندما تدفن الولايات المتحدة واوروبا الآن مبارك فانها تدفن ايضا القوى العظمى التي كانت ذات مرة. أخذ عصر الهيمنة الغربية يتلاشى في ميدان التحرير في القاهرة.