خبر ثورة مصر وممكنات نهوض الأمة../ نزار السهلي

الساعة 08:58 ص|01 فبراير 2011

ثورة مصر وممكنات نهوض الأمة نزار السهلي

 ** كات بفلسطيني مقيم في دمشق

أمام واقع الحال الراهن الذي وصلت إليه الأمور، على الصعيدين الوطني والقومي، تنبثق في العقل أسئلة كبيرة ومتعددة، لماذا جرت الأمور بهذا الشكل؟ وهل ما يطرحه الشارع العربي من شعارات خيالية لا يزكيها الواقع ومسارات الأحداث؟

 

 يقف الإنسان وبإحساس عال من المسؤولية أمام هذه الأسئلة، لينفض عن العقل نزعة التبرير لواقع الأمة الذي حكمه نهج التعاطي مع صراع العقل العربي، وعمق الصدمة الناجمة عن مستوى نهوض الأمة ليخطئ من يعتقد أن فقدان الإيمان بالشعب العربي هو ضد منطق التاريخ الذي صنعته شعوب الأمة العربية، وما شهدته تونس بالأمس وما تشهده مصر اليوم هو انهيار لكل النزعات القطرية وضد إزاحة البعد القومي وجسر الهوة بين القطري والوطني، ليشمل تعزيز الانشداد للمصلحة القومية العليا باعتبارها الإطار الأشمل لتوحيد الجماهير العربية وقواها السياسية، بعد أن اجتهدت بعض النظم العربية في تحويل نقمتها إلى علاقات ارتهان بالكامل للاحتكارات الخارجية، لتصبح رهينة للسياسات الاستعمارية وربط وجودها بمدى استجابتها لتلك المشاريع، وأن الخطر الذي يتهدد تلك النظم هو داخلي وأن حليفها الطبيعي هو القوى الاستعمارية وحليفتها إسرائيل كقوة كابحة ورادعة للأهداف والطموحات والتمردات الشعبية.

 

ثورة الشارع العربي في مصر، تعمق الإيمان العميق بإرادة الأمة العربية القادرة على النهوض بممكنات الأمة ماديا وبشريا وكفاحيا وسياسيا، فمن غير المعقول أن يتم استنزافها ونهبها لخدمة المشروع المعادي وبما يتناقض مع أدنى المصالح والحقوق والكرامة القومية.

 

اعتمد النظام الرسمي العربي منذ نشأته على مظاهر خاطئة، ارتبطت عضويا مع سيطرة الامبريالية العالمية الممثلة بنجاح المشروع الصهيوني في فلسطين الذي يحشد كل مكونات قوته، ويوظفها في الصراع ضمن رؤية شاملة، جعلته منصة انطلاق لإجهاض أي تحول ونهوض في النظام السياسي العربي. تجلى ذلك في النظرة والمفهوم الخاطئ في تعامل النظام الرسمي العربي مع القضية الفلسطينية والقفز عن الدور الذي يمثله الشعب الفلسطيني في صراعه الوجودي مع الحركة الصهيونية، فالذهاب بعيدا بممارسات الأنظمة القامعة لشعوبها في إثارة التناقض الداخلي من خلال الترويج بأن موجبات الصراع مع المشروع الصهيوني تتطلب عدم تلبية مصالح الجماهير العربية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بينما المنطق السليم يقول إن تعزيز البناء الداخلي في المجتمعات العربية يشكل أحد الأعمدة المناعية لخوض الصراع.

 

العجز الذي أظهره النظام الرسمي العربي في إدراك طبيعة وأبعاد تحرك الشارع العربي في تونس ومصر واليمن، تظهر هشاشة الوجود لتلك الأنظمة التي وجدت باتصالاتها الساخنة مع واشنطن وحلفائها في المنطقة عامل اطمئنان خادع لها، بعد اختراق الثورة التونسية ووصولها إلى مصر لتفتح أبواب التغيير وتمهد الطريق أمام ممكنات نهوض الأمة من جديد بعد عقود من الاستكانة الخادعة أيضاً لتلك النظم المستبدة. والتآكل المحزن لقرار الدعم الذي توفره القوى الاستعمارية للنظم المستبدة تهاوى سريعا أمام حركة الجماهير العربية، التي أعادت صورا من أشكال نهوضها التاريخي ضد الاستعمار وضد الاستبداد أيضا، الذي شكل حائطا بين النظم الرسمية والجماهير العربية.

 

في المراحل السابقة تصرف النظام الرسمي العربي على أساس فرض القمع والإرهاب وتغييب الديمقراطية تحت حجة أن ذلك من شروط المواجهة مع العدو وأياً يكن هذا العدو طالما أن النظام العربي يستحضر مسمياته من واشنطن وتل أبيب، واليوم لم يعد لتلك التبريرات لسوء الأوضاع وبؤسها مكانا في قاموس الجماهير العربية المنتفضة على الغزو الاقتصادي والثقافي والسياسي المعلب بغطرسة أمنية عمادها الرئيسي حماية إسرائيل ورعاية مصالح الامبريالية الأمريكية.

 

تظهر ثورة الشارع المصري حقيقة الإيمان بالشعوب أكثر من أي وقت مضى، على قدرتها على تخطي العجز والتناقض الوهمي الذي أصبغت به في محاولات التشويه والترويض والإخضاع وفق منطق الطرف الأقوى، لتظهر بصورة فاعلة ومتجذرة لم نشهدها من قبل، وأن أشياء كثيرة قد تغيرت مع بداية الألفية الثالثة ومفاعيل جديدة وهائلة أضيفت للوحة المجابهة لتسقط طرائق وأوهام عمل وشعارات انكشفت نقاط عجزها وضعفها، كذلك نقطة الانطلاق الرئيسية تتمثل في بناء حركة شعبية متجددة وتنوعه تنهي العجز والتآكل الذي وصمت به الأحزاب السياسية نفسها من بوابة الصراعات المدمرة والاحتراب الإيديولوجي المنهك والذي ابتعد عن تناقضه وصراعه الأساسي مع العدو القومي والقوى المرتبطة به في المنطقة العربية

 

نفض الجمهور العربي بالأمس في تونس واليوم في مصر ما خطط ورسم من متناقضات، وأعاد الثقة واليقين بأن الأمة العربية والشعب الفلسطيني سيتخطيان المرحلة الأصعب والأهم وأن قسوة الواقع تؤسس لبداية نهوض يمتلك ممكناتها الشارع العربي الذي سار على الطريق السليم في إدارة معركته ضد الاستبداد وضد الهيمنة الصهيونية الأمريكية عليه.