خبر إلى أن يمر الغضب.. هآرتس

الساعة 09:52 ص|28 يناير 2011

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: من يتوقع انتشار وباء الثورة في الشرق الاوسط او في شمال افريقيا سيضطر في هذه الاثناء الى الانتظار حيث توجد في كل دولة مفاعيل مختلفة عن غيرها لا تشبه ما أدى الى سقوط الحكم في تونس -  المصدر).

"الشعب يريد أن يسقط الحكم!" "ثورة، ثورة حتى النصر! ثورة في تونس وثورة في مصر!" "فليسقط مبارك!" هذه هي الهتافات التي اطلقها عشرات الاف المتظاهرين، وربما مئات الالاف – هذا متعلق بمن الذي يحصي – ابتداء من يوم الثلاثاء. اذا كانت الارقام هي التي تقرر النجاح، فلا ريب ان حركات المعارضة سجلت انجازا هائلا.

نشطاء المعارضة المصريون لم يسارعوا الى الخروج الى الشوارع بعد الثورة في تونس، وكادت تمر ثلاثة اسابيع الى ان اسمعت الجماهير صوتها، ولكن التخطيط أثبت نفسه. مراجعة الصفحات الشخصية على الانترنت، صفحات الفيس بوك والتويتر تفيد بالنية لتصميم العرض الاكبر هذا كرد شعبي، وليس سياسيا. في التعليمات التي نقلت على الانترنت طلب من المتظاهرين الامتناع عن رفع يافطات او اعلام لاحزاب المعارضة. كما وجهوا الى عدم الهتاف باسماء مرشحين للرئاسة. زعماء حركات المعارضة طولبوا الا يمتثلوا في الصفوف الاولى بل والامتناع عن المشاركة في المظاهرات، كي لا تتمكن السلطات من تقزيم الاحتجاج وتقليصه الى المجال الضيق للنزاع بين الحركات والاحزاب.

هذا اختبار أعلى للنظام. في اليوم الاول للمظاهرات، وبأمر من الرئيس، وجهت قوات الامن للامتناع عن استخدام العنف. سمح لها باستخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، كما تم الترحيب بالاعتقالات ولكن حظر الضرب واطلاق النار. ومساء يوم الثلاثاء، كان يبدو أن هذا التكتيك يحقق النجاح، وان كان واضحا بان النظام على علم بانه فقد السيطرة على التغطية الاعلامية. صحيح أنه قادر – مثلما فعل حقا – على قطع خدمات تويتر او تشويش الاتصالات الخلوية، ولكن ليس في وسعه أن يمنع المواطنين من أن يصوروا في هواتفهم عنف الشرطة ونشر الصور على الانترنت.

مصر، خلافا لتونس، هي دولة مجربة للمظاهرات، الاضرابات والاحتجاجات، تعرف كيف تأخذ بالحسبان الرد الجماهيري والدولي على سلوك الحكم. اذا كان في تونس تحطم السد وسقط الحكم، فان حكام مصر يفهمون بانهم مسؤولون ليس فقط عن أنفسهم بل وعليهم أن يمنعوا انفجارات اضافية في المنطقة.

ولكن التجربة الكبيرة التي اكتسبوها في التصدي للاحتجاج الشعبي لم تمنع انتشار المظاهرات في الايام الاخيرة. رغم الامر الذي صدر في بداية الاسبوع بتفريق المظاهرات لمنع يوم اضافي من الاحتجاج، بقي المتظاهرون في الشوارع أول أمس وأمس واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والعيارات المطاطية. عدد المصابين حتى اغلاق هذا العدد، على الاقل 4 قتلى وبضع مئات من الجرحى، هو لا يزال ثمنا منخفضا بالنسبة لحجوم الاحداث – في تونس كان اكثر من 60 قتيلا، ولكن العرض نفسه سيبقى في الذاكرة.

الاحتجاج في مصر لن يسقط الحكم ولن يغير  طريقة نظام الحكم، ولكنه كفيل بان يدفع الى الامام بجودة الحياة ويدفع النظام الى التعاطي بجدية اكبر مع مشكلة البطالة وضائقة السكن بل وربما يؤثر على الحملة الانتخابية للرئيس حسني مبارك. خبراء مصريون قدروا منذ الان بان مبارك كفيل بان يعلن بانه في الانتخابات في ايلول سيتنافس لفترة ولاية اخرى. وهكذا يزيل، مؤقتا على الاقل احد اسباب الاحتجاج: المعارضة لتوريث الحكم لابنه.

الغضب

تونس، مصر، لبنان، اليمن ودول عربية واسلامية اخرى تختزن منذ عشرات السنين براميل متفجرة اجتماعية، سياسية واقتصادية. ظاهرا، تكفي شرارة لتحرق دفعة واحدة هذه الدول وتحدث اشتعالا شاملا. ولكن هذا الوصف مضلل. كل دولة تدير شبكة علاقات خاصة بها بين الحكم والمواطنين، وفي كل دولة توجد منظومة مختلفة لمنع الاهتزازات الاجتماعية والسياسية وعليه فان الاحتجاج سيؤدي الى نتائج مختلفة.

مثال على ذلك هو الاضطرابات التي اندلعت هذا الاسبوع في لبنان وفي مصر ايضا. العنوان الرئيس الذي اعطي للمظاهرات في الدولتين كان مشابها – "يوم الغضب" – ولكن في كل واحدة منهما كان سبب آخر للاحتجاج. في لبنان الاحتجاج مزدوج – ضد "سرقة" رئاسة الوزراء من مجموعة الاغلبية ونقلها الى مرشح مدعوم من حزب الله وسوريا، والاعراب عن الغضب على شق الصوت السني في الدولة.

خلافا لتونس أو مصر، هذه ليست مظاهرات شعبية احتجاجا على الوضع الاقتصادي، البطالة او قمع حرية التعبير. لبنان هو الدولة الاكثر حرية في الشرق الاوسط، ورغم السيطرة السياسية لحزب الله، فانه ايضا الدولة الاكثر علمانية. مقابل تونس ومصر، طابع المظاهرات في شوارع لبنان يتقرر حسب الخصومات السياسية. رئيس الوزراء الجديد، نجيب ميقاتي، لن يختبر في قدرته على تقليص البطالة او تجنيد مستثمرين اجانب، بل اساسا في نجاحه في تهدئة الخصوم السياسيين وازالة رعب المحكمة الدولية التي تحقق في قضية اغتيال رفيق الحريري عن لبنان.

الخوف

فارق جوهري قائم ليس فقط بين مصر وتونس وكذا ليس بينهما وبين لبنان، الاردن او سوريا. الفوارق توجد ايضا بين دولتين مجاورتين مثل تونس والجزائر. تونس تتفكك، ولكن الجزائر تحافظ على وحدتها، وليس لانها دولة قدوة.

"السرقة، القتل، التنكيل العنيف، التزييف، تجارة المخدرات، كل هذه هي جرائم لم نسمع عنها الا في دول مثل كولمبيا. لاسفنا هذا هو الواقع في دولتنا ولا يوجد احد يمكنه ان يقف ضد هذه الظواهر، فيكشف عن علاقاتها او يمزق شبكاتها"، كتب هذا الاسبوع مختار سعيدي، محرر "الشعب" احدى صحف المعارضة الهامة في الجزائر. "حتى متى نواصل العيش حياة خوف؟".

الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الرجل الذي احدث المصالحة الوطنية بين الحكومة واغلبية المنظمات الاسلامية، سارع الى الاعلان عن نيته اجراء "حوار وطني" لسماع شكاوى المواطنين. ومقابل الرئيس التونسي، الذي فر من بلاده، فان توتفليقة يتمتع بقدر كبير من الثقة بين الجمهور، رغم انه متهم بالفساد وبتوزيع ارباح الدولة بين مقربيه. ضد حكم بوتفليقة ينطلق انتقاد مزدوج. منظمات حقوق الانسان تشرح بان الجيش والشرطة يواصلان استخدام ذريعة مكافحة الارهاب لتصفية الحسابات مع خصوم سياسيين. محافل محافظة تدعي بالمقابل بان الجيش يواصل سياسة المصالحة تجاه نشطاء في منظمات الارهاب.

 ولكن يبدو ان الفارق الاهم بين الجزائر وتونس، الذي سيقرر كم ستتمكن "ثورة الشارع" من الانتقال الى الدولة المجاورة، يكمن في شبكة العلاقات بين الجيش والسياسة في الجزائر. في تونس كان الجنرالات منقطعين عن السياسة. أما في الجزائر فالجيش، ولا سيما المخابرات العسكرية، هو هيئة سياسية حقيقية.

في رئاسة الاستخبارات العسكرية يقف منذ أكثر من عشرين سنة الجنرال محمد توفيق ميدين، ابن 72 سنة. في 1999، بعد سنوات من الحرب الاهلية الفتاكة، صعد بوتفليقة الى الحكم. عندما خاف الجنرال توفيق من أن يستولي شقيق بوتفليقة سعيد لمرض عبدالعزيز بوتفليقة بالسرطان، سارع الى الكشف عن قضية فساد في شركة النفط الوطنية، سوناتراش. فالشركة توفر نحو 98 في المائة من العملة الاجنبية التي لدى الدولة. وليس فقط رئيس سوناتراش، صديق بوتفليقة، اضطر الى الاستقالة من الشركة. خمسة نوابه، وزير الطاقة شكيب خليل ووزير الداخلية القوي نور الدين زهروني – كلاهما من الموالين للرئيس، اقيلوا هم أيضا. ومنذ ذلك الحين لم يذكر ايضا اسم سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس كمرشح للحكم.

في هذه الشبكة المعقدة والمركبة من السياسيين والجنرالات، من الصعب معرفة بالضبط من ضد من. شيء واحد واضح، الجيش، الذي هو شريك كامل في الساحة الاقتصادية والسياسية، لن يدع الجمهور يتصرف كما يحلو له. احد الادعاءات الخطيرة ضد الجيش يقول ان قادته، ولا سيما الاستخبارات، استخدموا في احيان قريبة ذريعة عملهم ضد الارهابيين الاسلاميين لتبرير قتل مواطنين أبرياء. وغير مرة استخدم الجيش العنف فقط لان المواطنين جلسوا على أراض تطلع لان يجعلها ذخائر مدرة للدخل.

المعالجة التي يعرف الجيش الجزائري كيف يمنحها لمعارض النظام لا تشبه طريقة عمل قوات الامن التونسية. في تونس درجوا على اعتقال منتقدي الحكم، محاكمتهم ومعاقبتهم. الفساد في تونس قادته عائلة الرئيس، ولكن قليلة الحالات التي "اختفى" الناس فيها في تونس. اما الجزائر فهي امبراطورية الخوف.

نحو 40 حزبا ينشط في الدولة، وتعبير ديمقراطية يندرج في اسمائها بهذه الشكل او ذاك. ولكن في هذه المرحلة معظم نشاطات الاحتجاج هي للحزب العلماني "الاتحاد من اجل التعليم والديمقراطية" برئاسة سعيد صادي. الحزب، الذي يطالب بحرية التعبير ومعالجة نظام الطوارىء، يعتبر ممثل الاقلية البربرية الكبيرة، بين خمس وثلث السكان. في بداية العقد تظاهرت الاقلية فاستعرضت قوتها واخرجت الالاف من ابنائها الى التظاهر.

الاحتجاج البربري هدأ بعد أن وقعت قيادته على اتفاق مع الرئيس في 2005. ولكن يبدو ان الثورة في تونس اثارت من جديد طموح الاقلية الكبيرة لاحداث تغيير جوهري في مكانتها في الدولة. هنا، كما يبدو، يكمن الاخفاق الثاني للاحتجاج الجزائري: فهو يعتبر كاحتجاج من الاقليات وليس كاحتجاج شعبي مدعوم من محافل اجنبية. من يتوقع "وباء الثورات" في الشرق الاوسط او في شمال افريقيا، سيضطر الى الانتظار في هذه الاثناء.