خبر إذا تحولت « الجزيرة » إلى قضية، فمعنى ذلك أن شعبنا بلا قضية/ حنين زعبي

الساعة 09:22 ص|28 يناير 2011

إذا تحولت "الجزيرة" إلى قضية، فمعنى ذلك أن شعبنا بلا قضية/ حنين زعبي

عندما يكون الهدف هو إقامة دولة، وليس تحرير الأرض (إنهاء الاحتلال) وتحرير الإنسان (عودة اللاجئين)، كما شدد صائب عريقات 7 مرات خلال لقائه مع الجزيرة يوم الأربعاء في برنامج "بلا حدود"، عندها قد ينظر البعض للتنازل عن الحقوق الفلسطينية المتعلقة بتحرير كافة الأراضي المحتلة وبعودة اللاجئين، على أنه ثمن معقول مقابل الحصول على دولة فلسطينية.

لقد ثبّت أوسلو منذ بدايته، أي في عهد ياسر عرفات، مبدأ "الدولة" وليس "العدل"، وبشكل تدريجي استطاع هذا المنطق بعد عقد من الزمن أن ينتج مسارًا تفاوضيًا معزولاً تمامًا عن الحقوق التاريخية من جهة، وعن شرعية القرارات الدولية من جهة أخرى.

وحرف هذا المسار التفاوضي المسار النضالي للشعب الفلسطيني بشكل كامل، بدل أن يحتكم إليه، وبدل أن تتحول المفاوضات إلى وسيلة للحياة وللحرية، تحولت المفاوضات إلى الحياة بكاملها. ومعنى أن "الحياة مفاوضات" (إشارة إلى كتاب لصائب عريقات)، هو أن يعتمد النضال الفلسطيني على كبير المفاوضين، بدل أن يعتمد على كبير المناضلين، وأن يحتكم النضال لمنطق المفاوضات وأهدافها بدل العكس.

عندما ترى قيادة وطنية أنه لا شريك للسلام لها في الجانب الأخر، فإن المفروض بها أن تلجأ لشريكها الأول: شعبها، الذي فوّضها على مصيره وحياته ونضاله وحريته وكرامته وثمن الدم الذي دفعه دون تأتأه ولا تردد ولا ندم.

لكن، "الحياة مفاوضات" تعني أن الحياة هي غرفة وطاولة ومفاوضين، وهذه الغرف لا تتسع لشعب ولا لعشرات سنوات من نضاله، وهي غرفة "نظيفة" من دم آلاف من الشهداء.   

عندما تشكّ القيادات الفلسطينية الوطنية بقدرتها على مواصلة النضال، وعندما تفتقد للبعد الاستراتيجي العربي، يبقى شعبها الاحتياطي الإستراتيجي الأكبر. لكن "الحياة مفاوضات" تحوّل الشعب إلى عبء، وإلى مصدر "فلتان أمني"، على حد تعبير "كبير المفاوضين".  

النقاش الذي فتحته الوثائق، وأهم وأخطر منها، ذلك الذي أغلقته، يشير بأسى ليس فقط إلى بؤس حالة السلطة الفلسطينية، بل إلى بؤس الحالة الفلسطينية عمومًا. المشكلة مع السلطة، هي ليس في مضمون الوثائق فحسب، بل في عملها على إنتاج رأي عام فلسطيني لا يرى من هذه الوثائق، سوى "مؤامرة" من قبل "الجزيرة" في الإجهاز على السلطة الفلسطينية. والمشكلة الكبرى هي في محاولة إنتاج حالة سياسية ترى في سؤال تأثير الوثائق على ميزان القوى بين فتح وحماس اعتبارًا أهم من حقيقة في ما إذا وقّع على تنازلات تتعلق بالقدس أو بحق العودة، أو بدعم حصار غزة والحرب عليها.

ربما لا يكون تسريب الوثائق مفاجأة كبيرة، مع أن الفرق كبير بين تسريبات لتفاهمات، وبين تنازلات موّثقة وموّقعه، لكن التراجيديا الفلسطينية هي في رد الفعل الخافت على الوثائق، وفي حاله الخوف من الخروج للشارع، وفي عدم الوضوح السياسي بأن كشف هذه الوثائق يتطلب التخطيط لمرحلة جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني.

كان على الشعب الفلسطيني أن يخرج إلى الشارع، لكن ليس ضد أو مع "الجزيرة"، فالجزيرة ليست قضية سياسية، بل ضد أو مع شعبك، لأن شعبك هو القضية السياسية. كان على "فتح" و"حماس" وما بينهما أن ينزلوا إلى الشارع معًا، الأولى ردًا على تهمة التنازل وتأكيدًا على الثوابت وعلى عدم التنازل، وحماس وما عداها احتجاجا ضد التنازل أو احتمال التنازل.

لكن لا "فتح" خرجت تأكيدًا على الثوابت، بل خرج من خرج لاقتحام ومهاجمة طاقم "الجزيرة"، ولا "حماس" وغيرها خرج لأنها مقموعة من قبل السلطة، ولأن صوت الشعب تحول إلى "فلتان أمني"، ليس لكي نحافظ على "النظام" فلا نظام ولا دولة، بل لكي نحافظ على إمكانية العودة إلى المفاوضات.     

وإذا لم تستطع الوثائق أن تقنع أحدًا بأن الثوابت الفلسطينية والشعب الفلسطيني برمته في خطر، فعلى رد الفعل على الوثائق أن يقنعه بذلك. على الانشغال "بالجزيرة" وقطر ومن سرّب، وكيف، ولماذا، ولماذا الآن، بدل الانشغال بالشيخ جراح والحرم وغزة والحصار والداخل، أن يقنعه بذلك.

على الخوف من النزول للشارع أن يقنعه بذلك، على الصمت الشعبي الهادر والفاضح إثر "احتمال" التنازلات أن يقنعه بذلك، وإذا نجت السلطة الفلسطينية من تهمة الوثائق، فهي لن تستطيع أن تنجو من تهمة رد الفعل على الوثائق. وإذا تحولت "الجزيرة" إلى قضية، فمعنى ذلك أن شعبنا بلا قضية. 

وعودة إلى مضمون الوثائق، لأن مضمون الوثائق وليس غيرها هي قضية الشعب. ردّ السلطة الفلسطينية خلال اليومين الأولين هو الأصدق، فقد خرجت عشرات التصريحات والردود الرسمية، لم ينف واحد منها صحة ما ورد في الوثائق، تصريح أبو مازن الرئيسي هو أن "الدول العربية تعرف، ونحن لم نخف شيئًا عن أحد"، وهو تصريح يؤكد صحة الوثائق ولا ينفيها.  ياسر عبد ربه، لا يهمه ما ورد في الوثائق من حقائق، ما يهمه هو أمر واحد: ما هو هدف "الجزيرة"؟

فقط بعد 3 أيام تمّ تحديد إستراتيجية الرد: النفي. لكن بما أن الحياة ليست فقط مفاوضات، فإن النفي كما التأكيد لا يصدر ولا يتوقف على وثائق، هناك واقع أيضًا.

والواقع انه في عهد أولمرت، الذي تتطرق الوثائق للمفاوضات معه، كان الاستيطان في مناطق معينة في الضفة الغربية وفي القدس على قدم وساق، وكان هناك صمت وغضّ طرف من قبل المفاوض الفلسطيني عن ذلك الأمر. الجواب في الوثائق هو أنه هناك اتفاق على الاعتراف بأن مستوطنات القدس ستكون جزءا من إسرائيل وكذلك كتل استيطانية يجري مبادلتها بكثبان رمال في النقب. الواقع أن رموز السلطة عبّروا بأشكال مختلفة عن عدم رفضهم لمفهوم الدولة اليهودية واعتبروا ذلك شأنا داخليًا إسرائيليًا وقسم منهم اعترف بها كذلك بوضوح وفي وثيقة جنيف تحديدًا.

الوقائع المعروفة تدعم بقوة ما كان مستوراً في الوثائق.  كل شيء بات مكشوفًا، وهذا سيؤدي حتماً إلى رقابة شعبية فلسطينية على أي خطوة تتخذ في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، وإلى تأكيد شعبنا الفلسطيني بكل فئاته، أن الحياة تحت الاحتلال هي نضال من أجل الحرية، وأن المفاوضات ليست إلا وسيله عليها أن تحتكم للنضال ولأهدافه.