خبر كتب صالح النعامي : حرب على غزة .. رب ضارَّة نافعة

الساعة 09:17 ص|28 يناير 2011

كتب صالح النعامي : حرب على غزة .. رب ضارَّة نافعة

 

قد تكون إسرائيل معنيَّة بشنّ عمل عسكري ضد غزة في حال رغبت في إعادة خلط الأوراق في أعقاب وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، في سعيٍ منها لفرض أجندة سياسيَّة جديدة على المنطقة، بحيث تسمح نتائج الحرب القادمة بفتح صفحة جديدة تخرج إسرائيل من دائرة المطالبات الدوليَّة بتغيير سلوكها في الجانب التفاوضي، بحيث يتمُّ الوفاء بشروط تل أبيب في هذه المفاوضات، في نفس الوقت فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مثقل بإرث كبير من الفشل منذ أن جلس في ديوان رئاسة الوزراء، فشعبيته وشعبية حزب الليكود الحاكم في تدهور بسبب الفشل في مواجهة الأزمات التي عصفت بإسرائيل، وعلى رأسها العجز المدوِّي عن إطفاء حرائق الكرمل وما مثله هذا الواقع من مس بثقة المستوطن اليهودي بالحكومة القائمة، علاوة على تجذُّر الانطباع لدى الرأي العام الإسرائيلي والنخب اليهوديَّة بأن نتنياهو يعتبر أضعف رئيس وزراء على مرّ تاريخ إسرائيل، حيث يقف عاجزًا أمام مواجهة أزمات إسرائيل، ويجبن عن مساءلة وزرائه الذين يقصرون في أداء واجباتهم، من هنا فإنه يمكن القول أن نتنياهو قد يتشجع لشنّ عمل ضد غزة لتحسين صورته وصورة حكومته، ومن المعروف أن هناك ثلاث جبهات كان يمكن لإسرائيل أن تشن فيها مغامرات عسكرية، وهي جبهة: إيران ولبنان وغزة، ومن الواضح أن غزة هي الحلقة الأضعف، وهي تمثل الهدف الأسهل الذي يمكن لإسرائيل مهاجمته وتسجيل نقاط ضدّه، مقارنة بالجبهات الأخرى، علاوة على تراجع مسوغات قيام إسرائيل بشنّ حرب على إيران في أعقاب تأكيدات رئيس الموساد المنصرف مائير دغان القاطعة بأن الحرب السرية التي قادها ضد المشروع النووي الإيراني لن تسمح لطهران بتطوير قدرات عسكريَّة نووية قبل عام 2015 على الأقل، في نفس الوقت فإنه بالإضافة للبون الشاسع بين القدرات العسكرية لحركة حماس وحزب الله، فإن إسرائيل ليس بإمكانها في ظل الواقع القائم تبرير شن حرب على حزب الله، حيث حافظ الحزب على هدوء جبهة جنوب لبنان، في الوقت الذي بإمكان إسرائيل أن تتذرَّع بعمليات إطلاق القذائف الصاروخيَّة المتفرقة من قطاع غزة على إسرائيل لكي تبرّر شن الحرب على القطاع.

 

لكن كيف يمكننا أن نتصور حجم الحرب التي من المرجَّح أن تشنها إسرائيل على القطاع في حال قررت ذلك؟ الإجابة على هذا السؤال ستكون مرتبطةً بالقيود التي ستفرضها تل أبيب على نفسها عند شن الحرب، فإسرائيل ستكون مقيدة بقيدين أساسيين، وهما: ألا تؤدي الحرب القادمة إلى إسقاط حكم حركة حماس في قطاع غزة، حتى لا تتحمَّل إسرائيل مسئوليَّة القطاع من جديد، في نفس الوقت فإن وجود جهة تحكم قطاع غزة يمكن تل أبيب من ممارسة الضغوط عليه وجبي أثمان منه، عبر فرض الحصار وشن العمليات العسكريَّة، دون أن يؤدي ذلك إلى ردة فعل دوليَّة كبيرة، على اعتبار أن حركة حماس تتواجد على قائمة التنظيمات "الإرهابيَّة" في كل من أوروبا وأمريكا، علاوة على إن إسرائيل تدرك أن أيّ ضربة ستلحقها بالفلسطينيين مهما كانت قويَّة، فإنها لن تؤدي إلى القضاء على روح المقاومة.

 

أما القيد الثاني فيتمثل في السعي لتجنُّب أن تؤدي الحرب القادمة للمس بمكانة إسرائيل الدوليَّة، حيث أن إسرائيل باتت تخشى من تواصل حملات نزع الشرعيَّة عنها، والتي تعاظمت في أعقاب الحرب على غزة، من هنا فإن أغلب الظن أنه في حال قرَّرَت إسرائيل شن عمل ما ضد غزة، فإنه سيكون على شكل حملة عسكرية كبيرة تزاوج بين تنفيذ عمليات اغتيال تطال أكبر عدد من القادة السياسيين والعسكريين من حركة حماس، مع العلم أنه من غير المستبعد أن تطال هذه العمليات شخصيات قيادية من تنظيمات فلسطينية أخرى، علاوة على استهداف ما تعتبره تل أبيب بنى تحتية للمقاومة، من مراكز تدريب وتصنيع وغيرها، بالإضافة للقيام بعمليات توغل في مناطق محددة بهدف تحقيق احتكاك يسمح بقتل أكبر عدد من عناصر المقاومة.

 

بغضّ النظر إن كانت إسرائيل جادَّة في شنّ عمل عسكري على غزة، أم أن التهديدات مجرد أسلوب من أساليب الحرب النفسيَّة، فإنه يتوجَّب على حركة حماس ألا تسمح بإبقاء المبادرة في يد إسرائيل، فعلى الحركة أن تعمل على جعل الحرب القادمة فرصة أمام الشعب الفلسطيني، فإن كانت إسرائيل معنيَّة بالإبقاء على حماس في حكم غزة محطمة مهشَّمة، مجرد جسد، بدون أعضاء قادرة على القيام بالعمليات الحيوية، فإنه يتوجب على حماس أن تتحكم في وتيرة الحرب، بحيث تنتهي الحرب بتوريط إسرائيل في غزة لوقت طويل، بشكلٍ يبرِّر لحماس التخلص من حكم القطاع، مع التشديد هنا على أن الطموح هنا لا يتناول السعي لتحقيق انتصار عسكري نظرًا لموازين القوى التي لا تخفى على أحد، بل تحقيق اختراق سياسي كبير، مع العلم أن التخلص من حكم القطاع يحقِّق للشعب الفلسطيني ولحماس ثلاث منجزات هامة، وهي: التخلص من التبعات السياسيَّة والماليَّة المترتبة على حكم القطاع، فلن تكون الحركة بعد ذلك ملزمةً بالمسئوليَّة تجاه عشرات الآلاف من الموظفين، علاوة على المسئوليَّة عن توفير ظروف الحد الأدنى لحياة المواطنين، حيث أن 80% من الغزيين يعيشون تحت خط الفقر، ونقل هذه المسئوليَّة للمجتمع الدولي والأمَّة العربيَّة، ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا السيناريو سيمثِّل إنجازًا للقضيَّة الوطنيَّة الفلسطينيَّة، حيث أنه سيركز أنظار العالم على الجرائم الإسرائيليَّة والاستيطان والتهويد، بدلًا من التركيز على المشهد العبثي الذي يفرزه الانقسام الداخلي، في نفس الوقت فإن هذا الواقع يعزِّز موقف حركة حماس من في الحوار الوطني ويحد إلى حدٍّ كبير من قدرة الأطراف الإقليميَّة العربيَّة على ابتزازها، عبر ممارسة الضغط عليها من خلال زيادة وتيرة الحصار.

 

قد يكون من المفيد أحيانًا التفكير من خارج الإطار المفاهيمي المعهود والمعروف، والذي يفرز واقعًا يكون في كثير من الأحيان يتقاطع مع ما يرسمه الاحتلال.......هذا الواقع ليس قدرًا.