خبر الى أن يلفظ الحصان أنفاسه..هآرتس

الساعة 12:50 م|27 يناير 2011

 

بقلم: جدعون ليفي

هذه حكاية فلاح أراد أن يوفر في العلف. ففي كل يوم كان يقلل كمية الطعام الذي يُقدمه لحصانه، ورأى أن الأمر حسن فاستمر في التقليل والتقليل الى أن لم يعد الحصان يحصل على شيء فمات. لهذه الحكاية المبتذلة جدة الآن: فهي تثور من وثائق فلسطين الصادرة عن قناة "الجزيرة".

        الفلاح الاسرائيلي أمسك يده والحصان الفلسطيني يوشك أن يموت. وفر ذاك ولفظ هذا أنفاسه. أصبح الفلسطينيون تخلوا عن أكثر عالمهم وتسيبي لفني الطماعة سادرة في غيِّها: وماذا عن جبل أبو غنيم ومعاليه ادوميم؛ وقد أصبحوا ينسقون الاغتيالات خدمة لاسرائيل؛ ويبيعون الشيطان أرواحهم، ويؤيدون حصار غزة؛ يُبين محمود عباس مثل دعائي اسرائيلي، أن العودة ستهدم دولة اسرائيل؛ ربما عشرة آلاف كل سنة، ما زالوا يحاولون لكن عبثا، فلفني لا توافق. تخلوا عن أكثر المستوطنات في القدس، ولم تعد حتى البلدة القديمة كلها في أيديهم، لا شيء. بيتار العليا وموديعين العليا في أيدينا لكن هذا لا يكفي اسرائيل؛ إذ تنسى ان حدود 1967 هي المصالحة الفلسطينية المصيرية.

        ماذا سنطلب ايضا؟ ماذا ستطلب اسرائيل من الحصان الذي يوشك أن يموت، قبل أن يلفظ أنفاسه بلحظة؟ أدولة فلسطينية في أبوديس الكبرى؟ أنشيد الأمل كنشيد وطني؟ وماذا سيكون آنذاك، مع موت الحصان؟ مُهر متوحش لن يوافق أبدا على العيش في الظروف التي عاش فيها الحصان العجوز. لن يُقترح على اسرائيل أبدا أبدا صفقة أفضل من تلك التي كُشف عنها الآن – فماذا كانت النتيجة؟ الرفض الاسرائيلي. العصيان. لا ولا، لا ألبتة. فماذا نعم؟ استمرار الاحتلال وتخليد الصراع.

        سنقول لأبنائنا منذ الآن: من اجل جبل أبو غنيم سنستمر في العيش على شفا الجبل البركاني. هذه هي الحقيقة الفظيعة. هزم المستوطنون اسرائيل. لا يصعب أن نتخيل كم كان من الممكن اعادة الضفة الى أصحابها لولا أن سكنها مئات الآلاف من المستوطنين. لولا أن نشأ هذا المشروع لكان سلام. ولما نشأ فان اسرائيل غير قادرة على أن تقوم على قدميها وعلى الخلاص من هذا الاختناق.

        يُباحث ساسة اسرائيليون جيلا بعد جيل نظراءهم الفلسطينيين، ويدركون عظم الساعة بل يُليّنون مواقفهم الى ان يقع عليهم بمرة واحدة الرعب من المستوطنين. ليس أمن اسرائيل ولا مستقبل الدولة هما اللذان يقفان ازاء نواظرهم بل خشية الاخلاء فقط – التي لا يقدر عليها أحد منهم. انهم قريبون دائما من الحل، مُد يدك لتلمسه، وبعيدون عنه بُعد سنين ضوئية. إن جميع رجال السلام على اختلاف أجيالهم، اسحق رابين وشمعون بيرس واهود باراك واهود اولمرت ولفني خشوا الخطوة الوحيدة التي كانت تجلب السلام ألا وهي اخلاء المستوطنات.

        كان يمكن أن نتوقع في الليلة التي نشرت فيها الوثائق في "الجزيرة" أحداث شغب عظيمة في الغد؛ لا في الشارع الفلسطيني وفي العالم العربي فحسب بل في شوارع اسرائيل ايضا. واعجبوا ان الفلسطينيين والعرب أهاب بهم تخلي السلطة المفرط، مُهددين بتحطيمها نهائيا، أما اسرائيل فكان فيها سكون دقيق، فمن ذا يهمه.

        من ذا يهمه انه كانت اضاعة فرصة مصيرية اخرى. ومن ذا يهمه انه قد حُكم علينا بحياة الحروب والأخطار والاقصاء بسبب حكاية الضواحي العقارية هذه، اي معاليه ادوميم واريئيل. ومن ذا يهمه أن قادتنا كذبوا علينا مدة عقد بوقاحة، يضللوننا بقولهم انه لا يوجد شريك وإن الفلسطينيين يتهربون من الاجوبة وانه لا يوجد ألبتة اقتراح فلسطيني وإن اسرائيل فوق كل شيء تريد السلام ولا يريده الفلسطينيون.

        قبلنا الاكاذيب في صمت، وعندما كُشف النقاب عنها الآن ظللنا في عدم اكتراثنا. أأحداث شغب؟ أمظاهرات احتجاج؟ أغضب على مضيعي الفرص ومضللي الشعب؟ لن يكون هذا عندنا.

        الآن سيمضي الحصان نحو الموت. قلنا ذات مرة إن ياسر عرفات هو آخر عقبة أمام التسوية فما أن يُبعد حتى يأتي السلام؛ والآن سيذوي وريثه عباس ايضا أكثر الزعماء الفلسطينيين اعتدالا في جميع العصور، وهو مخدوع مرير النفس يائس. سيُبنى في جبل أبو غنيم حي آخر، وينشأ في مخيم بلاطة جيل آخر مصمم على النضال وفي شوارع تل ابيب – الابتهاج والفرح.