خبر الانتفاضة.. الثورة.. المعجزة التونسية!../ رشاد أبو شاور

الساعة 12:48 م|26 يناير 2011

الانتفاضة.. الثورة.. المعجزة التونسية! رشاد أبو شاور

بدأ توصيف الحدث التونسي التاريخي الكبير بالانتفاضة، ومن ثمّ والجماهير التونسية في الشوارع، ومع تنامي فعلها، وتحقيقها إنجازات في الميدان، وبدء فرضها لإرادتها التي توّجت برحيل بن علي، أخذ الحدث وصفا يليق به: الثورة.

 

هذه الثورة لها مطالب تتضح يوما بعد يوم، والجماهير تتقدم للأمام، وتدلل حركة الشعب، وحيويته، وقدرته على تنظيم نفسه بنفسه -علما أنه بدون قيادة- رغم عفوية بدء الحدث، متسلحا في ثورته بخبرته بنظام الدكتاتورية والقمع والفساد وأجهزة البطش، وقدرة أزلام النظام وأدواته على التلون الحربائي بهدف استعادة الحكم من جديد، وإعادة الشعب إلى بيت الطاعة.

 

عوّض الشعب التونسي عن الفراغ السياسي الحزبي القادر على القيادة، بالتجمّع حول الأهداف التي ارتقت عن حد المطالب الإصلاحية الترقيعيّة التي وُعد بها يوما، وتم التراجع عنها إلى ما هو أسوأ بكثير من عهد( بورقيبة)، وبالبقاء في الشارع.

 

هنا أتوقف لأذكّر بأن نظام بن علي قد دمّر الحركة الوطنية التونسية المعارضة، وفتك بالأحزاب، وحاصر ما تبقّى منها بحيث تعجز عن المعارضة الفاعلة، والتبشير بفكرها وخطابها، وأبقاها محاصرة مهددة بشكل دائم، ومحشورة في المكاتب، وفي عزلة بسبب خوّف الشعب من الانتماء لها.

 

ألحق نظام الاستبداد والقمع الأذى ببعض رموز الأحزاب لتكون عبرة، وهذا ما فعله بالمناضلة الصديقة ( سهام بن سدرين)، والشيخ عبد الفتاح مورو، وراشد الغنوشي، والمناضل الصلب حمّة الهمامي، والدكتور المنصف المرزوقي، وكثير من الرموز الوطنية التونسية، ومن شتّى الاتجاهات: إسلامية، قومية ديمقراطية، يسارية شيوعيّة، طُلابيّة، عُمّاليّة، إعلامية، فكرية وثقافية، واضطر كثيرين للهجرة من البلد نجاةً بأنفسهم، أو بحثا عن العمل في بلاد ترحب بكفاءاتهم الأكاديميّة.

 

لم يكتف نظام الاستبداد بالفتك بالحركات الحزبية، بل قمع النقابات، والتحركات الشعبية العلنية التي قادها المحامون، وعمد إلى تزوير وجه الاتحاد التونسي للشغل رغم عراقته، وتاريخه، والذي رغم ذلك برهن على مدى فاعليته بالدور البارز في الثورة عندما دفع بقواه إلى الشارع، فالحركة العمّالية التونسية عريقة، وصاحبة دور وطني مشهود.

 

وراء الجماهير رأينا الأحزاب تخرج متحررة من المكاتب التي سُجنت فيها، لتلتحق بالشعب الذي حررها من قيود سلطة القمع، وإن بدت حائرة ومرتبكة في الأيام الأولى لجهلها بمدى ما ستذهب إليه حركة الجماهير التونسية.

 

في مواجهة عمليات التخريب، والتدمير، لتخويف الجماهير، وردعها، ودفعها للانكفاء، تأججت روح مبدعة، فتشكلت اللجان الشعبية في الأحياء الشعبية، والحارات، والبلدات، وبدأت عملية المواجهة والتصدي لأزلام وأدوات نظام الدكتاتور التي أعدت لمثل هذا اليوم احترازا، وإن كان لا يتوقعه، فهو اقترف كل ما يحول دون رفع الشعب رأسه، وصوته. المفارقة أن نظام الاستبداد استعد لهذا اليوم، وإن استبعده، وأنفق الملايين من المال العام، وهذا ما يبرهن على تأصّل الخوف في نفس النظام وأركانه، ورأسه، لأنه يعرف ما تقترف يداه من ظلم وجور!

 

 وصف الحدث التونسي في البداية بالانتفاضة، وفي الحدث كثير من ملامح الانتفاضة، ومع وقوف الجيش على الحياد، وهو حياد إيجابي، دعم الجماهير في مواجهة قوى الأمن المستزلمة والمعتادة على القمع - نذكّر بأن من صفع وأهان وطارد محمد البوعزيزي هي شرطية من جهاز الأمن المعروف بعدوانيته! - وخذل الدكتاتور، وهو ما عجّل برحيله، وهذا ما جعل الشعب التونسي يمحض حبه واحترامه لجيشه الوطني، وهو ما تجلّى في ما نقلته الكاميرات لعناق الشعب والجيش.

 

سيبقى السؤال ماثلاً حتى مدى بعيد: كيف حدث هذا؟ كيف تمكن شعب غير منظم، ليست له قيادات حزبية واسعة الحضور والانتشار، من إسقاط رأس نظام حكم مدجج بكل ما يبقيه (مدى الحياة) كما توهم؟ يعني مدى حياة الدكتاتور ومنتفعي نظامه!

 

من يطرحون السؤال ينقسمون إلى قسمين، معجب بشعب تونس، يريد لروحه الثورية أن تلهم الشعوب العربيّة التي تعيش ظروفا ربما تكون أشد قسوة مما عاناه، مع تشابه الفساد وأدوات الحكم، وارتباط بالخارج الداعم: أمريكا، فرنسا، وعلاقات سريّة مع الكيان الصهيوني، ناهيك عن دعم الرجعية العربية وفي مقدمتها الحكم السعودي الجاهز ليس فقط لاستقبال أي طاغية، ولكن لدعم كل الطغاة التابعين في بلاد العرب، المرتبطين أمريكيا، المسالمين للكيان الصهيوني، المتخلين عن فلسطين كقضية عربية، الفاسدين النهابين لبلدان مبتلاة بهم!

 

أمّا أعداء الجماهير العربيّة، فسيطرحون نفس السؤال ليستنتجوا مّما حدث كيف يجابهونه، من جهة باحتوائه والالتفاف عليه تونسيا، ومواجهته مسبقا في الدول العربيّة المرتبطة التي توصف بالمعتدلة من وجهة نظر أمريكيّة وصهيونيّة، وهي المرشحة للانفجار!

 

ملايين العرب في أقطارهم يتابعون الحدث التونسي، ثورة أو انتفاضة، التغييري، بإعجاب ولهفة وفرح من جهة، وأيضا بقلق، لأن هذه الجماهير ترى في الحدث التونسي حدثا قوميا بامتياز، يهمها في كل أقطارها، ويشكل مقدمة لتغيير طال انتظاره، بعد أن أفرغت نظم الدكتاتوريات البلاد من القوى السياسية الفاعلة، وضاعفت من أجهزة القمع، وجوعت الناس فأذلتهم وجعلت همّ حياتهم الركض وراء الرغيف، وأي فرصة عمل حتى لو كانت غير مناسبة!

 

كعادتها تلجأ نظم حكم الاستبداد في بلاد العرب إلى حلول تسكينيّة مؤقتة تحايلية، فتخفض الأسعار، وتعلن عن تشغيل بعض الشباب، وتعد بتحسين أحوال المواطن، بل ويبدو أنها تقول للمواطن في البلدان العربية على طريقة بن علي: راني فهمتمكم.. أنا فهمتكم!

 

ومع ذلك لا يتزحزح الأقارب، والمحاسيب، وميليارديرات النهب من التجارة والسمسرة من مواقعهم.. وهم أنفسهم متسلطون على أجهزة القمع، فالتحالف هو: الحكم، الأجهزة، التجارة.. وهو ما يعني الإفقار، والفساد، والسجون التي يختفي فيها المواطن وراء الشمس إذا ما فتح فمه!

 

المواطن العربي متلهف على انتصار الشعب التونسي، على أن يبلغ شاطئ الأمان بتأسيس نظام حكم ديمقراطي: سيادة القانون، انتخاب ممثلي الشعب انتخابا حرا، حرية الصحافة والإعلام، انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وليس من برلمان مزوّر، ولدورتين بحد أقصى، فلا رئاسة مدى الحياة، ولا توريث، ولا حزب حاكم، فالحاكم هو الشعب وتعبيراته السياسيّة الحرّة، والسيّد هو الدستور الذي ينظّم الحياة ويضمن الحقوق!

 

كل هذا يطالب به المواطن العربي، في تونس، وفي مصر، وفي السعودية، وفي كل بلد عربي من المحيط إلى الخليج!

 

بأخوة، نقول لأهلنا في تونس: انتصروا، فهذا هو ما تبشروننا به، بمعجزة نهوضكم، وثورتكم، فأعداء كثيرون يتربصون بكم، وبنا، وبما بدأ يتمخض به الشارع العربي في أقطار المشرق والمغرب!

 

لقد مزجتم بين الصلابة والتحضر في حركتكم عبر شوارع تونس الخضراء، فلا قتل انتقامي، ولا تخريب، ولكن إصرار على تحقيق الأهداف، ويقظة في الشارع، ومتابعة لكل شيء.

 

عيوننا، وأسماعنا، وأرواحنا، وقلوبنا، وعقولنا.. تتابعكم، والعالم يتابعكم، فأنتم اليوم صنّاع الحدث الأبرز، وحملة راية الحريّة، وأنتم الشعب الذي استجاب له القدر... انتصروا يعيّشكم!