خبر أما من حلقة أخيرة في مسلسل الفضائح هذا؟! ..عريب الرنتاوي

الساعة 08:29 ص|25 يناير 2011

أما من حلقة أخيرة في مسلسل الفضائح هذا؟! ..عريب الرنتاوي

لم نفرغ بعد من "لملمة" تداعيات زلزال ويكيليكس، حتى داهمتنا "قناة الجديد" اللبنانية، بنشر مسلسل التحقيقات في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وهو مسلسل فضائحي بامتياز، يظهر -كما وثائق ويكيليكس- مستوى التهافت الذي بلغته بعض القيادات اللبنانية، وها نحن أمس واليوم، على موعد مع قناة الجزيرة القطرية، في مسلسل فضائحي جديد، لا يقل خطورة ودرامية، عن سابقيه، بل ويمكن القول إنه الأكثر إسفافاً وتفريطاً في تاريخ الكفاح الوطني المعاصر للشعب الفلسطيني.

 

لقد تبارى زعماء عرب وفقاً لـ"ويكيليكس" في إظهار آيات الولاء والتبعية للسياسة الأمريكية في المنطقة، هذا يحرض على إيران، وذاك يدعو لقطع رأس الأفعى، وثالث يستعجل الضربة العسكرية "اليوم وليس غداً"، ورابع يريد أن تشمل الضربة إيران وحلفاءها فتأخذهم جميعاً "أخذ عزيز مقتدر"، إلى غير ما هناك من مظاهر التساوق مع خطط أشد المحافظين الجدد في واشنطن عداء للمنطقة وشعوبها وتاريخها.

 

في لبنان، ووفقاً لـ"قناة الجديد"، فقد تبارى مسؤولون لبنانيون، من فريق 14 آذار، في التحريض على سوريا، وفبركة شهداء الزور، واستدراج العروض لاستئصال نظامها وحلفائها من المنطقة بمجملها، لقد وضعوا أنفسهم، وهم تحت القسم، في موقع شهود الزور، وكانوا نماذج سيئةً لقيادات "الزمن العربي الرديء"، لقد نقلوا مشاجراتهم "الصبيانية" حتى مع حلفائهم وأصدقائهم إلى ساحات التحقيق الدولي، وها هم الآن، ومنذ تاريخ نشر ذاك "الغسيل الوسخ"، يحاولون تدارك ما يمكن تداركه في علاقاتهم مع خصوهم وحلفائهم على حد سواء، بمن في ذلك أولياء نعمهم.

 

اليوم، نحن على موعد مع مسلسل فضائحي لا يقل تهافتاً وخطورة.. هذا يعرض على اليهود "أكبر أورشليم" في تاريخهم القديم والحديث، وذاك "يقبل بضم كل مستوطنات القدس - ما عدا أبو غنيم - وثالث يتبرع بحي الشيخ جراح، ورابع يرى في بقاء بعض مستوطنات القدس "مصلحة فلسطينية - إسرائيلية مشتركة - وخامس يعرض حلاً إبداعيا لمشكلة الحرم، يتضمن التخلي عن السيادة الفلسطينية عليه لصالح لجنة أو هيئة أو جهاز دولي، وسادس يعرض التخلي عن حق عودة اللاجئين مكتفياً بعودة "رمزية"، وسابع وثامن وتاسع وعاشر والحبل على الجرار.

 

في "ويكيليس"، بدا أن بعض القادة العرب يستسهلون الانقضاض على بعضهم الآخر أمام "الأجنبي"، هذا ينتقد الدولة الجارة وذاك يحملها مسؤولية كسر الإجماع ضد طهران أو التخاذل في الحرب على الإرهاب.. وفي المسلسل الفضائحي اللبناني حصل شيء مشابه، بدا أن الأصدقاء والحلفاء في العلن يكرهون بعضهم البعض في الخفاء، وبدا أن من تربى على نعم الأشقاء الكبار لا يتورع عن طعنهم في ظهورهم خلسة و"خسّة".. وفي المسلسل الفضائحي الفلسطيني، بدا أن المطلوب هو إقصاء الأردن ومصر والسعودية عن القدس والحرم، بخلاف الحديث اليومي والمتكرر عن الروابط المتينة مع "الأشقاء" والتنسيق المستمر معهم، لكأن التناقض الرئيس مع هؤلاء، وليس مع الاحتلال الذي بدا المفاوض الفلسطيني أمامه، شديد التهافت، إلى الحد الذي باح فيه أحدهم بأنه يكاد يشهر بأنه "الصهيوني الأخير"، وفقاً لتعبيره هو بالذات.

 

ردة فعل القيادات العربية واللبنانية والفلسطينية في الحالات الثلاث واحدة، تبدأ بالنفي والتكذيب، وتمر بالتساؤل عن مغزى التوقيت ودلالة النشر غير المسؤول (لا توقيت مناسباً أبداً للشفافية عند العرب)، ولا تنتهي بتحميل الوسيلة الإعلامية وزر "الأجندات الخفية"، بل ولا نجد في تصريحات هؤلاء الزعماء أو الناطقين باسمهم، أية غضاضة، في اتهام هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك بالكذب والاجتزاء والتزوير، إلى غير ما هنالك.. بل إن البعض منهم، كما حصل بالأمس، لا يتردد في إبداء الاستعداد لكشف كل الأوراق وفتح خزائن المعلومات على مصراعيها، من دون أن يكلف نفسه عناء السؤال: لماذا لم يفعل ذلك من بعد، ولماذا لم يفعل ذلك من بعد، لماذا ظل التلويح بهذه الورقة، حبراً على ورق.

 

نحن في زمن الفضائح، التي سرعان ما تنقل "أقدس الأسرار" من الخزائن الحديدية والبرامج الالكترونية المشفّرة، والغرف السوداء المظلمة، إلى غرف نوم كل واحد منّا، لم يعد بمقدور أحد أن يكذب علينا بعد ان دخلنا زمن الويكيليكس، و"يا خبر بفلوس بكره يصبح ببلاش"، وفقاً للمثل الشعبي المصري الدارج.

 

إن غضبة البعض حيال نشر هذه "الكنوز" أو بالأحرى "المخازي"، تبدو كاريكاتيرية تماماً، خصوصاً حين يقال أنها طعنة في الظهر يتلقاها المفاوض الفلسطيني وهو في ذروة الاشتباك مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، عن أي اشتباك يتحدث هؤلاء، وعن أي مشروع وطني وأية ثوابت وطنية يتحدثون.

 

المؤسف حقاً أن ما نشرته قناة الجزيرة، وربما حصلت عليه من مصادر قيادية فلسطينية - ليست نظيفة بدورها - قد أكد أسوأ كوابيسنا ومخاوفنا، وهو يحفزنا ويحفز غيرنا، على المضي في نقد هذا الأداء المدمر للمشروع الوطني الفلسطيني، وفضح المآلات الكارثيّة التي انتهى إليها نهج "المفاوضات حياة"، وهي كارثية بالفعل، ولا يقلل من كارثيتها قول الرئيس الفلسطيني إنه أطلع بقية القادة العرب على ما تقوم به السلطة أولاً بأول، فهذا ادعى لليقظة والقلق والاستنفار والاستنكار، وبالأخص في هذه المرحلة التي تبدو فيها القضية الوطنية الفلسطينية مطروحة على جدول أعمال التصفية والشطب والتفريط.

 

صحيفة الدستور الأردنية