خبر على حافة الهاوية -هآرتس

الساعة 09:56 ص|04 أكتوبر 2015

فلسطين اليوم

على حافة الهاوية -هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

 (المضمون: لقد تجح التنسيق الامني لأن السلطة الفلسطينية كانت بحاجة اليه في ظل وجود بدائل أخطر كثيرا - المصدر).

العمليتان الاخيرتان، مقتل الزوجين هنكن والطعن في القدس القديمة، وما تحملهما من رمزية – قتل والدين أمام اطفالهما الاربعة الصغار واصابة عائلة قديمة معروفة في الاستيطان وطعن أبناء عائلة عند عودتهم من الصلاة في حائط المبكى – هذا ينبيء على ما يبدو بفترة تصعيد اضافة في الضفة الغربية.

ما قاله بنيامين نتنياهو عن تملص قيادة السلطة الفلسطينية من التنديد بالعمليات، يبدو احيانا محاولة رخيصة للحصول على النقاط الدعائية في الساحة الدولية وتبرير استمرار جمود المسيرة السياسية. لكن يبدو هذه المرة أن هناك منطق في ادعائه. ليس فقط أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس امتنع عن التنديد بل هناك ايضا شخصيات رفيعة المستوى في فتح تمتدح « العمل البطولي » لقتل مواطنين غير مسلحين.

خطاب عباس في الامم المتحدة لم يطبق التهديدات التي تحدث عنها على مدى شهر ولم يحطم الأدوات في العلاقات بين السلطة واسرائيل. وقد تراجع عباس ايضا عن استقالته من بعض الهيئات التمثيلية الفلسطينية. لكن السلطة تتخذ الآن موقفا تصعيديا كلاميا فظا، الامر الذي يُكمل العنف في الميدان بدءً من ازدياد عدد المتظاهرين ومرورا بكمائن الحجارة في الشوارع وانتهاء بالعمليتين الاخيرتين. في الساحة الداخلية تتراجع سيطرة السلطة الامنية ولا سيما في مخيمات اللاجئين.

على المفترقات المصيرية في السنوات الاخيرة كان عباس يصحو ويكبح بكل قوته اندلاع العنف. والسؤال الرئيس في الاسابيع القريبة سيكون هل سيصدر توجيهات مشابهة لاجهزة أمنه هذه المرة ايضا، وهل ستلتزم قيادة هذه الاجهزة. لكن التطورات المختلفة في الاشهر الاخيرة تشير الى أن الكبح والترويض الذي استخدمته اسرائيل والسلطة في العقد الأخير بدأ يضعف. وبدون استمرار الجهد المشترك فان الطريقة الحالية، التي هي ضعيفة أصلا، قد تنهار وتجر المناطق الى موجة اخرى واسعة من العنف بدأنا في رؤية بدايتها على ارض الواقع.

انتهت الانتفاضة الثانية في 2005. الانفصال عن القطاع في ذلك الصيف كان مقرونا بانتهاء العنف في الضفة، وقبل ذلك بقليل، في تشرين الثاني 2004، مات ياسر عرفات.

عباس، وريثه في قيادة السلطة، لم يتحدث بازدواجية وكذب فيما يتعلق بالارهاب مثل سلفه. في 2006 وقفت اسرائيل والسلطة أمام ما اعتُبر خطرا مشتركا وواضحا وفوريا: انتصار حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، الامر الذي تُرجم بعد سنة بالسيطرة العنيفة لحماس على القطاع. حينها ايضا بدأت اجراءات اعادة السيطرة الامنية الفلسطينية على مدن الضفة، خطة جنين وخطة الجنرال الامريكي دايتون لتدريب اجهزة السلطة.

التنسيق الامني نجح لأن السلطة كانت تريد ذلك لأن البدائل بالنسبة اليها كانت خطيرة: عودة الانتفاضة (التي دفع الفلسطينيون ثمنا باهظا عنها أكثر مما دفع الاسرائيليون)، وفي اعقابها ستعود الفوضى أو تسيطر حماس على ما تبقى من المناطق الفلسطينية في الضفة. فعليا كانت السلطة هي المقاول الثانوي المسؤول عن أمن اسرائيل حيث تبرر ذلك بالحاجة الى الدفاع عن نفسها أمام تهديد حماس. اسرائيل خففت في المقابل الضغط العسكري عن مدن الضفة وساعدت في اصلاح الاقتصاد وقدمت تعهدات ضبابية حول مستقبل سياسي أفضل.

 

حينما ساد السخط في الضفة والقدس (العمليات الفردية في 2013، خطف وقتل الفتيان الثلاثة في غوش عصيون وقتل الفتى محمد أبو خضير في القدس في صيف 2014، موجة العمليات الشديدة في العاصمة بسبب ازمة الحرم في الخريف الماضي)، صمدت الطريقة. ورغم عملية « الرصاص المصبوب » في القطاع في 2009، التي قتل فيها 1200 فلسطيني والجرف الصامد في العام الماضي حيث قتل 2200 فلسطيني، الضفة الغربية لم تخرج أبدا عن السيطرة حيث تدخلت السلطة دائما وعملت على التهدئة بسبب الثمن الذي قد ينتج عن العنف بما في ذلك انهيار السلطة في الضفة الغربية وضياع الوظائف من عشرات آلاف موظفي السلطة ورجال فتح، وهذا الثمن باهظ جدا بالنسبة لها.

يبدو أن هذا النموذج سينتهي، وأحد اسباب ذلك هو اليأس من العملية السياسية، الامر الذي بدا واضحا في خطابات عباس الاخيرة. الفلسطينيون يفهمون أن نتنياهو لا يتعاطى بجدية مع حل الدولتين. واذا كان هناك شك فقد أصبح الامر واضحا من خلال افعال وتصريحات رئيس الحكومة في الانتخابات في بداية السنة. في المقابل عباس الذي يبلغ 80 سنة يفكر بارثه، ويبدو أنه لم يعد يخدع نفسه بأنه سيتوصل الى اتفاق سياسي دائم ومستقر يرفض قسم من الفلسطينيين في الأصل تقديم التنازلات من اجله.

نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون حرصا في السنوات الاخيرة على ادارة الصراع وليس حله. وقد كان عندهما ادعاءان اساسيان حظيا بتأييد الجمهور الاسرائيلي: الفجوة في المواقف بيننا وبين الفلسطينيين لا تسمح بوجود اتفاق على المدى البعيد، والتغيرات الخطيرة في العالم العربي التي تلقي بظلالها على الصراع الفلسطيني الدموي. وعلى مدى 6.5 سنوات من حكم نتنياهو سجلت سنة واحدة صعبة بشكل خاص، 2014، حيث كانت الحرب ضد حماس في غزة. ومع ذلك ورغم العمليات المتباعدة كانت توجد سيطرة أمنية. الآن سيجد نتنياهو صعوبة في الاقناع حول صحة طريقه، ومن فقد الثقة بالحكومة هم المستوطنون. وفي السنة الاخيرة أصاب الضرر شعورهم بالامن في شوارع الضفة. محاولة مجلس « يشع » القول للاسرائيليين إن السامرة مثابة توسكانا محلية، تحطمت على صخرة الواقع.

يصعب أيضا تجاهل البُعد الديني للصراع – الاحتكاك الدائم بين اليهود والمسلمين حول ترتيبات الزيارة في الحرم، وهناك خوف فلسطيني من الخداع الاسرائيلي في الحرم، المجزرة في كنيس هار نوف في القدس في ايلول الماضي واعمال الكراهية لمخربين يهود تُركز اغلبيتها على المساجد والكنائس. ويمكن ايضا ملاحظة تأثير الاحداث الاقليمية. في قطاع غزة ولدى العرب في اسرائيل تم الكشف عن خلايا صغيرة وجدت الالهام من اعمال داعش الارهابية. اغلبية الارهاب يصل الآن من تنظيمات محلية أو مبادرات شخصية للمخرب الوحيد. ليس فقط من الصعب الكشف عن هذه العمليات بل ايضا الصعوبة في السيطرة عليها من القيادات خارج الضفة.

يضاف الى ذلك أن الذراع العسكري لحماس أصيب بشكل كبير بسبب الاعتقالات التي نفذتها اسرائيل والسلطة في العقد الاخير في الضفة الغربية. ورغم الجهود المبذولة، فان حماس ما زالت تقف من وراء العمليات الفردية ولم تستطع بعد السيطرة على أحداث الضفة.

 

الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية لم ترصد بعد نشوء وضع جديد في الضفة رغم الاحداث الاخيرة، ويبدو أن الميدان يسبق التحليل الامني.

 

اسرائيل تواجه المشكلة الآن بوسائل قديمة: ادخال قوات عسكرية بشكل محدود لتنفيذ الاعتقالات، والوعود من نتنياهو ويعلون بمحاسبة القتلة. لكن في هذه المرحلة من الواضح أن الامور تخرج عن السيطرة، ويكفي حادث أو اثنين خطيرين – القتل مثل القتل في شوارع الضفة أو انتقام يهودي من قرية فلسطينية – من شأنهما تصعيد المواجهة واطلاق الطاقة الكامنة للعنف التي أبقاها الطرفان على نار هادئة نسبيا خلال العقد الاخير.