خبر هذا الجندي هو نحن-يديعوت

الساعة 11:51 ص|05 سبتمبر 2015

فلسطين اليوم

هذا الجندي هو نحن-يديعوت
بقلم: ناحوم برنياع
(المضمون: سكان قرية النبي صالح طالبوا بالعودة الى اراضيهم المصادرة، لكن هذه الاراضي توجد في قلب مستوطنة، وقد أقيمت بركة سباحة على أحدها وعلى الثانية أقيمت بقالة وهكذا - المصدر).
سلام التميمي (9 سنوات) هو ولد شعره أشقر، عيناه زرقاوان، طفل بوستر لفلسطين. التقيت معه يوم الثلاثاء ظهرا في ساحة بيته في قرية النبي صالح. في اليوم التالي تحدثت هاتفيا مع والده باسم. لماذا سميته سلام، سألت. « لسببين »، قال، « الاول، عندما ولد بدأت في تغيير موقفي حول مقاومة الاحتلال. فقد اعتقدت أن هناك طريق اخرى وآمنت أنه يمكن التوصل الى السلام ».
والسبب الثاني؟ سألت.
« السبب الثاني أنه كان لي صديق إسمه سلام، قتله الاسرائيليون خلال الانتفاضة ».
يبدو أن هذا هو القَدَر: في الحرب بين اسرائيل وفلسطين  يوجد لكل شيء أكثر من سبب واحد، واحيانا تُكمل الاسباب بعضها البعض؛ واحيانا تناقض بعضها البعض.
يوجد للمظاهرات التي تخرج في كل يوم جمعة من محطة الوقود « الخواجا » على مدخل النبي صالح، أكثر من سبب. احدى المظاهرات حدثت يوم الجمعة الماضي وتم تخليدها بفيلم قصير. محمد التميمي (12 سنة)، شقيق سلام، رفع يده وكأنه يخطط لرشق حجر، إنقض عليه الجندي وخنقه وهو يئن، النساء ومن ضمنهن والدة الولد وشقيقته انقضتا على الجندي وكشفتا عن وجهه وضربتاه. الأخت، عهد، عضته في يده. كان يمكن للنتيجة أن تكون أكبر كثيرا، كارثية، لو أن الجندي وزملاءه أطلقوا النار. لكن الصور في الفيلم كانت صعبة، وأظهرت ليس فقط ما يفعله الاحتلال بالفلسطينيين بل ما يفعله الجيش الاسرائيلي، وما يفعله بدولة اسرائيل. وسواء اعترفنا بذلك أم لا، فان هذا الجندي هو نحن.
النبي صالح هي قرية صغيرة يعيش فيها 600 نسمة ومعظم السكان يؤيدون فتح؛ وأقلية تؤيد حماس. القرية تقع على رأس جبل مرتفع شرق رام الله. منزل عائلة التميمي يوجد في الطرف الجنوبي الغربي من القرية وهو يطل على مشهد طبيعي رائع: الشاطيء والبحر في الغرب، غابة أم الصفا في الجنوب، وعلى الهامش مستوطنة كبيرة لها إسمين – حلاميش ونفيه تسوف. وفي الاسفل بين القرية والمستوطنة يمر شارع 465 الذي يبدأ غرب الخط الاخضر وينتهي بشارع رام الله نابلس قرب مستوطنة عوفرا.
بعد سنة 1967 أكثرت من التنزه في هذه الجبال، جبال جفنة وكروم الزيتون وبساتين الثمار، القرى الملاصقة للجبل، آبار المياه والينابيع – وكأن كل شيء أُخذ من صفحات التوراة.
ومنذ ذلك الحين ازدادت قوتنا. قرب النبع المتواضع في النبي صالح توجد لافتة باللون البني تشبه لافتات الارشاد داخل الخط الاخضر، لكنها غير قانونية اطلاقا. « نبع مئير » كتب على اللافتة.
مئير هو مئير سيغل المتوفي، وهو من مؤسسي المستوطنة. اللافتة التي وضعت بجانب النبع تُذكر بالمتوفي وتمتدح اصلاح المكان وتقتبس أغنية ليورام توهرليف: « كان لي نبع بين اعشاب البراري... بقعة الله الصغيرة ».
المستوطنون تخلصوا من اعشاب البراري ووضعوا المقاعد في المكان. واحد في المكان الذي يخرج منه النبع من الصخر، طاولات للرحلات تم توزيعها في المنطقة، وتم بناء عريشة خشبية وزرعت اشجار مثمرة مثل الرمان والتين والزيتون وورود، وتم حفر ثلاث برك صغيرة للسباحة، خط رفيع من الماء يخرج من النبع ويملأ البرك. عندما كنت هناك في هذا الاسبوع رأيت علم اسرائيلي صغير مرمي على الارض. فحملته وفهمت حينها لماذا انقض النحل علي: شخص عدو قام بقضاء حاجته بالقرب من النبع وغطى ذلك بعلم اسرائيل. هذا نوع من التظاهر.
الى النبع
لماذا النبي صالح؟ سألت ضابط من الجيش الاسرائيلي يخدم في المنطقة. « القصة تبدأ في ارض اشجار الحمضيات، لا سيما الليمون بالقرب من النبع، وفي داخلها خلية النحل. في 2009 قام اليهود باحراق الاشجار من قبل »شارة الثمن« . الارض بملكية شاب من دير نظام، قرية مجاورة، عندها بدأت المظاهرات.
»سألنا مختار النبي صالح لماذا تستمر المظاهرات. فأجاب: أولا وقبل كل شيء بسبب النبع، قال. وفحصنا: توجد ثلاث برك مياه كبيرة في اسفل الشارع اعتاد الجنود على الاستحمام فيها. طلبنا من الجنود التوقف عن هذا. ضابط الآثار أصدر في 2012 أمر لهدم كل ما قام المستوطنون ببنائه حول النبع. الأوامر لم تنفذ حتى الآن – لا أعرف لماذا.
« في 2011 تم الاتفاق على أن يقوم سكان النبي صالح بزيارة النبع خلال ايام الاسبوع باستثناء يوم الجمعة. ليس يوم الجمعة لأن هذا يخلق مشكلة أمنية للمستوطنين. وقد غضبوا جدا في حلاميش. كان الفلسطينيون يأتون للاستفزاز – يضعون العلم الفلسطيني بدل علم اسرائيل ويتسببون بالاضرار.
»وزعموا ايضا أن المستوطنين اقاموا الجدار على اراضيهم الخاصة. وفحصنا: تم بناء الجدار بدون ترخيص. وحدة الرقابة في الادارة المدنية هدمت الجدار لكنها أبقت الانقاض على الارض. الطرفان غضبا – المستوطنون بسبب إزالة الجدار والفلسطينيون لأنهم لا يستطيعون فلاحة اراضيهم.
« تم الاتفاق مع دير نظام: حصلوا على مساعدة من الصليب الاحمر، لكنهم في النبي صالح كانت لهم دائما مطالب جديدة. فقد طلبوا العودة الى اراض صغيرة تمت مصادرتها في السبعينيات. فحصنا: كانت الاراضي في قلب المستوطنة. على ارض من هذه الاراضي أقيمت بركة وعلى اخرى بقالة. فكيف سنعيد لهم؟.
»مع ذلك، لم نفهم لماذا يستمرون في التظاهر. هناك من قالوا إنه بسبب المال. فهم يحصلون على الاموال من تركيا؛ وهناك من قالوا بسبب الفتيات الاوروبيات اللواتي ينظمن الاحتجاج. يشاهدون فتاة من السويد جاءت للتظاهر، فيخرجون هم ايضا.
« قلنا ذات مرة سنتجاهلهم وليستمروا في التظاهر. لكنهم استمروا في الخروج الى الشارع ووصلوا الى بوابة حلاميش وألقوا الزجاجات الحارقة داخل المستوطنة. عندها فهمنا أنه لا مناص، ونحن مضطرون الى اعادتهم الى داخل القرية ».
سألت باسم التميمي عن سبب التظاهر. « القائمة طويلة »، قال، « الاراضي المصادرة والنبع واشجار الزيتون التي تم اقتلاعها والمنازل التي تم هدمها والاحتلال بشكل عام. الارض التي تم الاستيلاء عليها في 2009 كانت السبب للمظاهرات، لكن نضالنا بدأ في 2000 عند اندلاع الانتفاضة ».
تم تصوير عهد (14 سنة) قبل ثلاث سنوات وهي تزأر في وجه الجندي. شقراء عيونها زرقاء وطويلة القامة وواثقة من نفسها. هذه الطفلة أصبحت نجمة اعلامية. سألت اذا كانوا حصلوا على الاموال لتمويل المظاهرات.
باسم نفى ذلك. « نحن لا نحصل على الاموال من أي جهة. هناك لجان تنسيق فلسطينية تقوم بالدفع للمحامين. هذا هو كل شيء ».
قرية النبي صالح مليئة بالاشخاص الشُقر، قلت، أعتقد أن الجميع يسألون من أين أنتم.
ضحك وقال: « قبل مئة عام جئنا الى هنا من الخليل. وحسب الروايات فان آباءنا من أصل اوروبي، اعتنقوا الاسلام. لكن هذه مجرد روايات ».
لقد أصبحت عائلة التميمي بطلة فلسطينية بسبب الفيلم المذكور. وأمس كان من المفروض أن يسافروا الى رام الله للقاء احتفالي مع الرئيس.
محوهم عن الخريطة
بعد انتهاء حرب الاستقلال طلبت اسرائيل محو الاحياء والقرى العربية التي أخليت. في البداية قاموا باحراق الممتلكات خشية عودة العرب الى منازلهم، الامر الذي سرع التدمير. وبعد ذلك، عندما تذكروا وجود مئات آلاف القادمين الجدد الذين يحتاجون الى المنازل، توقف الهدم وبدأت عملية الاسكان. لكن جهود اخفاء المرحلة التاريخية لم تتوقف. اسماء الينابيع والجبال والشوارع تم تغييرها الى العبرية. كانت هذه عملية طبيعية مطلوبة: هكذا يتصرف الشعب الذي يصل بعد ألفي عام الى دولته المستقلة.
بالنسبة للنواة الصلبة للمستوطنين، فان حكم مناطق 1967 مثل حكم 1948، ومكانة الضفة مثل مكانة دولة اسرائيل. قبل بضع سنوات بدأ مجلس متيه بنيامين الاقليمي بحملة لتغيير اسماء كل الينابيع في المنطقة. وليس هناك أساس قانوني لذلك، لكن أيدي الجيش مقيدة. عين بوبين بقرب قرية دير بزيع تحولت الى عين داني، على اسم داني غونين الذي قتل هناك. واقيم نصب تذكاري على ارض فلسطينية خاصة، أقامه اوري اريئيل الوزير في الحكومة. اللافتة التي ترشد للنبع تتقاطع مع لافتة حمراء للدولة تمنع الدخول الى المنطقة لاسباب أمنية (اللافتات الحمراء خدعة بحد ذاتها فهي تمنع دخول الجميع باستثناء الفلسطينيين، لكنها وضعت من اجل اليهود فقط. العرب الاسرائيليون يمكنهم الدخول. المستوطنون لا يمكنهم لكنهم يدخلون).
كل شيء بغمزة، كل شيء خدعة اسرائيلية. من الناحية القانونية فان الذي يسيطر على المنطقة هو الجيش الاسرائيلي: هو الذي يقرر. أما على ارض الواقع فان من يسيطر هم المستوطنون. وقيادة المستوطنين تطلب أن تفعل بالفلسطينيين ما تفعله بالينابيع – محوهم من الخريطة. هذا هو حلم الاستيطان؛ وهذا هو الحلم السياسي.
المشكلة لا تتعلق بسموتريتش أو أوري اريئيل: إنهما يتصرفان حسب ايمانهما. آباؤنا قالوا لم يسرق العكبرة بل سرق الحورا. الحور هو الجيش الاسرائيلي؛ الجهاز القضائي؛ الحكومة. في المجلس الوزاري المصغر للحكومة الحالية توجد اغلبية للوبي المستوطنين؛ وزراء البيت اليهودي يؤيدونهم، وزراء الليكود يؤيدونهم. ورمز اليسار في المجلس الوزاري المصغر هو آريه درعي، وهو عامل التوازن. وفيما يتعلق بشؤون المستوطنات ينضم اليه احيانا بوغي يعلون، الذي أهانه المستوطنون، وهو لم يغفر.
نتنياهو يتحدث عن أفق سياسي – لكن الأفق هو الأفق، لن يأتي. الكل يفهم هذا – الآن أبو مازن يفهمه أيضا. وفي أحسن الحالات، حل الدولتين حكم عليه بالسجن المؤبد؛ وفي اسوأ الحالات، هذا الحل تم اعدامه.
نشر أبو مازن اعلانا هذا الاسبوع حول نية الاستقالة من جميع مهماته. نتنياهو ويعلون على يقين أن الحديث عن لعبة كراسي: أبو مازن يريد إقالة عدد من خصومه واحضار عدد من المقربين. وهذا لا يجب أن يقلق اسرائيل.
هذا التفسير مقبول من بعض الجهات الفلسطينية. قد يكون صحيحا، كما يحذر الجيش الاسرائيلي، وقد يكون غير صحيح. هناك اشارات متناقضة. أبو مازن متردد: لم يقرر بعد توجهه. خيبة الأمل والغضب واليأس حقيقية.
يحتمل أن يتحول خطاب أبو مازن في الامم المتحدة في نهاية ايلول الى خطاب مفصلي، خطاب يغير الواقع. الذكرى السنوية الـ 22 لاتفاقات اوسلو على الابواب. وقد يعلن عن الغاء الاتفاقات، بعضها أو جميعها. ومن بين وعود اوسلو بقي اثنان فقط هما اتفاق باريس لترتيب العلاقات الاقتصادية والتنسيق الامني. من شأنه الغاء الاول، أو الثاني ايضا. وقد يعلن عن حل السلطة والقاء مسؤولية السكان على حكومة اسرائيل.
يمكن أن يكون القلق مبالغ فيه. الشهوة للقوة وللمال وللاحترام والولاء للجهاز. كل هذا سيبقي أبو مازن في المقاطعة تحت شعار « حارس اسرائيل ». لكن الحديث هنا ليس عن الاختلاف في التقديرات. فنتنياهو يعتبر أبو مازن عدوا، ويعتبر الصراع السياسي حربا، وهو يريد تعزيز حماس لأن أبو مازن يهدده في الساحة الدولية، أما حماس فلا تهدده. اسرائيل كان يمكنها السعي الى وقف اطلاق النار مع حماس بوساطة أبو مازن. ونتنياهو يرفض، وهو يسعى الى وقف اطلاق النار مع حماس ضد أبو مازن.
عضو الكنيست عيساوي فريج (ميرتس) قال لي في هذا الاسبوع إن أبو مازن تأثر كثيرا مما قاله روبي ريفلين. فقد اقترح ريفلين امكانية الكونفيدرالية بين اسرائيل وفلسطين. « ليقترحوا علي »، قال أبو مازن.
من هو المصدر؟ سألت. فريج أجاب: « ناهي مينع، المقرب من أبو مازن، وهو قبطان شركة الطيران الفلسطينية، والطيار الشخصي للرئيس ».