خبر عمل النمل-يديعوت

الساعة 11:04 ص|05 سبتمبر 2015

فلسطين اليوم

عمل النمل-يديعوت
بقلم: اليكس فيشمان
(المضمون: نتنياهو أعلن أنه لن يكون اتفاق مع حماس. لكن من وراء الكواليس تجري اتصالات في محاولة لمنع التصعيد - المصدر).
من المشكوك فيه أن العميد يوسي اشكنازي قد اعتقد أنه سيكون ذات مرة في قلب العملية السياسية أمام الفلسطينيين. اشكنازي هو ضابط ممتاز في الجهاز التقني لسلاح البحرية، وسيتم تعيينه قريبا رئيسا للمعدات البحرية. وقد تم ذكر اسمه في الاتصالات السرية مع حماس – المباشرة وغير المباشرة – بفضل بحث أجراه مؤخرا بصفته خريج كلية الامن القومي تحت عنوان « ممر مائي انساني ».
يدور الحديث هنا عن بحث تقني غير مصنف أمنيا، وهو يفحص البدائل لاقامة ميناء يخدم قطاع غزة. في ايام غير هذه الايام كان البحث سيُدفن في مكتبات الجيش مثل مئات الابحاث الاخرى. لكن حظ اشكنازي قد لعب وتم انجاز البحث ونشر في توقيت مناسب من ناحية القيادة العسكرية التي تبحث عن أي طريق لكبح التسونامي القادم من قطاع غزة. قادة الجيش يتعاملون مع البحث بشكل غير رسمي كوثيقة أساسية في لقاءاتهم مع المستوى السياسي.
البحث الذي أجراه العميد اشكنازي يتحدث عن اربعة بدائل لاقامة ميناء في قطاع غزة. الاول، اقامة منارة خاصة بغزة في ميناء اسدود. الثاني، اقامة ميناء في العريض يخدم القطاع. الثالث، اقامة ميناء في قبرص أو اليونان والرابع، اقامة منارة عائمة في المياه العميقة تبعد عدد من الكيلومترات عن شاطيء القطاع أو جزيرة اصطناعية مع تواصل بري مع القطاع. الى جانب كل بديل من هذه البدائل تُذكر الافضليات والنقائص وفرص التنفيذ.
الخيار المصري تم فحصه من وزارة الدفاع ومنسق العمليات في المناطق، وتم اسقاطه من الحساب. المصريون لن يقدموا لاسرائيل رافعة تساعدها في القطاع. خيار أسدود تفضله اسرائيل وهو سيحل الكثير من مشكلات الفحص الامني وسيعود بالفائدة الاقتصادية. إلا أن حماس تعارض.
مصادر مهنية رفيعة المستوى في سلاح البحرية لا تميل الى خيار قبرص أو اليونان بسبب عدم القدرة على حماية وحراسة الممر المائي للقطاع. لا يمكن اجراء فحص لآلاف الحاويات يوميا في قبرص أو اليونان. فكل حاوية مثل شاحنة كبيرة، وأصغر سفينة تحمل 500 حاوية على الاقل. لا يمكن فحص عينات وبالتالي يجب افراغها واجراء فحص أساسي الامر الذي يتطلب ليس فقط اجهزة للفحص بل القوى العاملة ايضا. ويجب ايضا السير في اعقاب هذه الحاويات في طريقها الى غزة. مسؤولون في سلاح البحرية يعتقدون أنه يمكن متابعة مئات الحاويات يوميا، لكن ليس الآلاف.
اقامة المنارة العائمة أو الجزيرة الاصطناعية هو الحل الذي يفضله الغزيون. لكن البناء قد يستمر فترة طويلة. يمكن اقامة منارة تبعد 2 كم عن شاطيء غزة، ويصل عمق المياه هناك من 16 – 20 مترا. وبعمق كهذا تستطيع السفن التي تحمل بين 7 – 10 آلاف حاوية أن ترسو. إلا أنه يجب اجراء فحص شفاف لكل حاوية، الامر الذي سيحول الممر الانساني الى كابوس ونقطة احتكاك. إن حل كهذا يمكن أن يتم كاجراء مُكمل لاقامة ميناء فلسطيني في قبرص أو اليونان.
في النقاشات التي أُجريت في الاجهزة الامنية قال قائد سلاح البحرية، الجنرال رام روتبرغ بشكل واضح: اذا طلب منا المستوى السياسي تنفيذ أحد الخيارات فسنعرف كيفية عمل ذلك. بكلمات اخرى، اقامة ميناء فلسطيني خارج قطاع غزة أمر ممكن ولا يضر بالمصالح الامنية الاسرائيلية.
الطغمة المالية لـ بلير
بحث اشكنازي مثابة بالون أطلقته غواصة تسمى « انجازات الجرف الصامد ». وقد يغرق هو ومن عليه. في الاجهزة الامنية يدركون أن الظروف التي أدت الى المواجهة مع حماس قبل عام توجد الآن ايضا. الفرصة الاخيرة لحماس لتحقيق انجاز سياسي واقتصادي تلاشت.
قادة حماس اعترفوا هذا الاسبوع للمرة الاولى أن مبادرة طوني بلير لم تعد قائمة. المبادرة التي سمحت لحماس أن تبيع للجمهور خدعة امكانية التوصل الى اتفاق مع اسرائيل على وقف اطلاق النار مدة 15 سنة مقابل رفع الحصار واعمار القطاع. ويتضح الآن أن هذه المبادرة تأسست على عُرف دجاجة.
في نهاية النقاش الذي أجراه رئيس الحكومة نتنياهو قبل اسبوعين حول مبادرة بلير قال إن التعاطي معها سيتسبب بأضرار كبيرة لاسرائيل ويدفع أبو مازن الى الاستقالة حيث يعتقد الاخير أن المبادرة هي خيانة للموضوع الفلسطيني. وأوضح نتنياهو أن كل مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع حماس ستعطي الاوروبيين الشرعية للاعتراف بالمنظمة.
يتبين أن مصر ضغطت على اسرائيل لوقف مبادرة بلير. رسالة نتنياهو وصلت الى المصريين، ومن المصريين الى حماس في غزة. في هذه المرحلة أدرك الفلسطينيون أن قصة بلير هي خدعة وأن اسرائيل لا تعتبره وسيطا. وهذا لم يمنع بلير من الالتقاء مع اشخاص مثل خالد مشعل على سبيل العلاقات العامة.
صحيح أن المستوى السياسي في اسرائيل – رئيس الحكومة ووزير الدفاع – لا يستطيع تجاهل صديقنا طوني بلير، رغم أنه ترك منصبه كمبعوث للرباعية. لكن جهات مهنية في جهاز الامن فعلت كل ما في استطاعتها للتملص من الالتقاء معه. ويُنظر الى بلير على أنه يتجول هنا من اجل مصلحته. وسائل الاعلام البريطانية كتبت أكثر من مرة عن صفقاته مع أثرياء عرب ودول عربية. ويشتبه بأنه يستغل علاقاته مع شخصيات اسرائيلية من اجل مصلحته الاقتصادية في أمور لا تلائم بالضرورة المصلحة الاسرائيلية.
بعد عملية الجرف الصامد بثلاثة اسابيع بدأت حماس في ارسال الوسطاء لاسرائيل وهم يحملون رسالة ثابتة تتحدث عن وقف لاطلاق النار بعيد المدى. والشروط التي قدمتها لم تكن مقبولة على اسرائيل: رفع الحصار، اقامة ميناء بحري وجوي، حرية الحركة، وقف طلعات سلاح الجو الاسرائيلي في سماء القطاع، رفع القيود عن الصيد والتصدير والاستيراد وما أشبه. وكان من بين الوسطاء رجال اعمال غزيين وجهات اجنبية تزور القطاع، وجدت طريقها الى منسق الاعمال في المناطق والى رئيس القسم السياسي الامني عاموس جلعاد والى وزير الدفاع ومكتب رئيس الحكومة.
اسرائيل استمعت ولم ترد. طوني بلير دخل الى هذا الفراغ، وحماس فهمت أن اسرائيل اذا بقيت صامتة فانها لن تتغاضى عن طوني بلير.
القيادة السياسية لحماس التي اختبأت وراء بلير أغلقت فم الذراع العسكري وباعت الجمهور الفلسطيني الخدعة. إن اكتشاف حقيقة هذه المبادرة من شأنه أن يؤدي الى تفجر الشارع الغزي الذي سيدخل الشتاء الثاني بعد الحرب في نفس الظروف التي انتهت بها تقريبا.
يعتقدون في اسرائيل أن حماس غير مستعدة بعد لاستئناف المواجهة مع اسرائيل. « الشباك » حدد موضوع التهريب للقطاع كموضوع رئيس للعلاج بالتعاون مع المصريين، والنتائج ملموسة على الارض. حماس نجحت في تجديد 15 – 20 بالمئة فقط من عدد الصواريخ التي أطلقتها أو فقدتها في عملية الجرف الصامد، التي تُنتج محليا. المصريون يحفرون حاجز مائي على طول منطقة فيلادلفيا، ويعتقلون اعضاء الذراع العسكري لحماس عند خروجهم من القطاع ويلحقون الضرر بمخازن السلاح لحماس في سيناء.
فيما يتعلق بالانفاق ايضا هم ما زالوا بعيدين عن الهدف الذي وضعوه لانفسهم. لكن كل هذا لن يمنع اندلاع المواجهة العسكرية من اجل كسر الجمود.
حماس السياسية تقف اليوم بدون مظلة على رأسها في مواجهة الذراع العسكري بعد أن فقدت المرساة الاستراتيجية في مصر وتركيا وايران والسعودية ودول الخليج. جميعهم أداروا لها ظهورهم، وهم غير مستعدين لمساعدتها. وقد حاولت حماس فتح الابواب من خلال أبو مازن لكن الرئيس وضع شروطا لا تستطيع حماس الايفاء بها. فقد حاول تحقيق انجازات من خلال اسرائيل بواسطة وسطاء لكنه فشل.
منسق الاعمال في المناطق، الجنرال يوآف مردخاي، أعد خطة لمواجهة الازمة في القطاع. وفي المقابل توجد خطة لتغيير طريقة التعامل مع السلطة الفلسطينية وسكان الضفة الغربية. وحسب رئيس الاركان والاجهزة الامنية، فانه بدون التعاون مع أبو مازن وبدون التأييد المصري لا يمكن تنفيذ الخطة في غزة.
لقد بدأت خطة غزة بالتدحرج تحت عنوان « اعمار غزة ». المرحلة الاولى هي تحسين دراماتيكي للبنية التحتية والطاقة مثل الكهرباء والغاز. وحسب هذه الخطة ستضيف اسرائيل خطوط كهرباء للضغط العالي في القطاع وستساعد على اقامة الواح الطاقة الشمسية على مساحة 100 دونم شمال القطاع، ستوفر 30 ميغاواط كهرباء وتسمح بوصل غزة مع حقول الغاز الطبيعي الاسرائيلية.
في المرحلة الثانية يتم انشاء محطات تحلية للمياه التي ستمنع تدفق 100 ألف لتر من مياه المجاري الى البحر يوميا. اسرائيل ضاعفت كمية المياه التي تدخل الى القطاع، لكن ما زالت حاجة الى اقامة موقعين كبيرين لتحلية المياه، إلا أن هذه المواقع تحتاج الى كمية من الطاقة يستطيع سكان غزة أن يحلموا بها فقط.
المرحلة الثالثة هي فتح التصدير من غزة الى العالم العربي واسرائيل، واقامة مناطق صناعية قريبة من الجدار واقامة مصانع بملكية اسرائيلية داخل القطاع. توجد ايضا خطط لتجديد عملية نقل البضائع في كارني.
في هذه الاثناء تسمح اسرائيل بدخول 1500 مواطن غزي واجنبي من معبر ايرز يوميا. وفي نهاية الاسبوع تسمح بدخول مئات الغزيين للصلاة في الحرم في القدس. فحص الشاحنات في كرم سالم – بواسطة اجهزة هولندية متقدمة – الامر الذي يسمح بدخول 700 شاحنة يوميا. وتسمح اسرائيل ايضا باستيراد سيارات وشاحنات جديدة للقطاع عن طريق ميناء اسدود.
ما زال هذا نقطة في بحر. يحاولون ازالة الضغط من الاماكن التي لا تعارض سياسة اسرائيل الرسمية والتي تقول إنه لا حديث مع حماس. وزير الدفاع موشيه يعلون أوضح هذا الاسبوع في مؤتمر لصحيفة « كلكلست » أنه لن يكون اتفاق مع حماس. وأن الواقع سيتحدد بناء على المصالح وليس بناء على الورق.
إن اعمار قطاع غزة يسير ببطء، ومن بين آلاف المنازل التي هدمت، بدأوا ببناء 660 وحدة سكنية فقط. الاموال من الدول المانحة لا تتدفق، والمواطنون الذين حصلوا على المواد الخام لاعمار منازلهم باعوها في السوق السوداء بأربعة اضعاف قيمتها من اجل سد الاحتياجات اليومية. فبدل الاسمنت والزجاج يستخدمون النايلون لاغلاق الثقوب في الجدران.
هنا دخلت قصة الميناء التي قد تحدث قفزة في موضوع اعمار القطاع وازالة الشعور بالحصار. الاموال للمشروع موجودة: مبعوث خاص لامير قطر هو محمد العمادي يؤتمن على أكثر من مليار دولار، وهو ينتظر ما ستقوله اسرائيل من اجل اطلاق الاموال. إنه أحد المصادر لتمويل خطة تخفيف الحصار، الامر الذي سيُبين للغزيين ما الذي سيخسرونه اذا قرروا تحطيم الأدوات.
ثلاثية عريقات
الخطة في الضفة ما زالت في مرحلة الافكار التي يبلورها الجيش. هي تفرض أن ما يسمى هنا تسهيلات للفلسطينيين لن ينجح. الفلسطيني 2015 لا يشبه والده. فهو يعرف حقوقه جيدا ويعرف الساحة الدولية ونقاط ضعف اسرائيل. وهو يتصرف بحكمة بالاوراق القانونية الموجودة لديه ويشمل ذلك الانتفاضة السياسية التي يديرها بنجاح في العالم. لا يمكن توزيع منشورات على الاولاد وشراء الوقت والهدوء بواسطة ازالة حاجز هنا أو هناك. بل يجب التفكير والتصرف بطريقة مختلفة.
الخطة تهدف الى اعادة حرية الحركة والحرية الاقتصادية والسياسية للفلسطينيين في الضفة. وهي تشمل جوانب مثل اقامة مناطق صناعية كبيرة وتجارة حرة في المناطق ج التي هي تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة. يتحدثون اليوم عن اقامة منطقة صناعية وتجارة حرة كبيرة في جنين. وفي المقابل ستوسع الخطة صلاحية اجهزة الامن الفلسطينية، مثلا اقامة محطات للشرطة في المناطق ب التي هي تحت المسؤولية الامنية الاسرائيلية. لكن عندما سيحسم المستوى السياسي الامر فقد يصطدم بالجدار الحديدي للوبي المستوطنين الذي يعتبر التخفيف عن الفلسطينيين خطرا أمنيا.
مثل حماس في القطاع، فان السلطة الفلسطينية ومن يقف على رأسها يحذرون من أن لحظة الحقيقة تقترب. هذا الامر يجد تعبيره عند أبو مازن من خلال اعلانه مرة اخرى عن نية الاستقالة. وتمت هذا الاسبوع في « الشباك » والاستخبارات العسكرية نقاشات تحت عنوان « اليوم التالي ». والافتراض هو أن أبو مازن لن يترك غدا صباحا. واذا ترك فان من سيحل محله هم ثلاثة تستطيع اسرائيل التعايش معهم. يتحدثون مثلا عن وحدة بين صائب عريقات وماجد فرج (قائد قوات الامن الفلسطيني) ورئيس الحكومة السابق سلام فياض. لكن هذا الطاقم قد يكون مختلفا فيما بينه، ولن ينجح في السيطرة على الارض.
اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية وضعت قائمة تتنبأ اذا كان أبو مازن يريد فعليا أن يترك: ما هو وضعه الصحي، هل عين وريثا له، هل كتب وصية سياسية، هل سينهي عمله. اذا استقال أبو مازن بالفعل، فهذه لن تكون المرة الاولى التي لا يفهم فيها الاسرائيليون ما الذي يحدث تحت أنوفهم.