خبر هل سيصحو اليمين أخيرا؟ -هآرتس

الساعة 09:00 ص|02 أغسطس 2015

فلسطين اليوم

بقلم: دافيد غروسمان

          (المضمون: هناك صلة قوية بين تحريض وسلوك حكومات اسرائيل وبين ازدياد الارهاب اليهودي ضد الفلسطينيين - المصدر).

          هذا الطفل، علي دوابشة، لا يتركني وشأني. والصورة لا تتركني أيضا: يد تفتح النافذة في الليل، وتلقي زجاجة حارقة الى داخل غرفة ينام فيها الوالدين والابناء. هذه الافكار والصور تفطر القلب. من هو الشخص أو الاشخاص القادرين على فعل هذا؟ هم، أو اصدقاءهم يتجولون في هذا الصباح بيننا. هل يعطيهم هذا العمل أي اشارة؟ وما الذي محوه في داخلهم كي يستطيعوا محو عائلة بأكملها؟.

          بنيامين نتنياهو وعدد من وزراء اليمين سارعوا الى استنكار هذا العمل بشدة. وقد جاء نتنياهو لزيارة عزاء الى المستشفى، وعبر عن زعزعته من العمل. كان جوابه انساني أصيل، وعملا صائبا. الامر الذي لا يمكن فهمه هو كيف ينجح رئيس الحكومة ووزراءه في الفصل بين النار التي يؤججونها منذ عشرات السنين وبين النار الاخيرة. من الصعب تفهم قدرتهم على رؤية الصلة بين سلطة الاحتلال التي تستمر منذ 48 سنة وبين الواقع الظلامي المتطرف في مناطق حدود الوعي الاسرائيلي، هذا الواقع الذي يزداد وكلاؤه يوما بعد يوم؛ ويقترب من المركز ويصبح مقبولا وشرعيا أكثر فأكثر في الشارع الاسرائيلي والكنيست وبالقرب من طاولة الحكومة.

          رئيس الحكومة ومؤيدوه يرفضون بشدة فهم القناعات المتبلورة عميقا عند الشعب المحتل بعد خمسين عاما من الاحتلال: هناك نوعين من البشر، وحقيقة أن أحدهما يخضع للآخر معناها أنه بطبيعته أدنى مستوى من الآخر، أي أقل آدمية من المحتل، الامر الذي يُمكن اشخاصا ذوي بنية نفسية معينة – ببساطة أخذ حياة الآخر حتى لو كان عمره سنة ونصف.

          بهذا المعنى فان العمليتين العنيفتين في نهاية الاسبوع – الطعن في مسيرة الفخار وقتل الطفل – ترتبطان ببعضهما البعض وتنبعان من قناعات مشابهة: في الحالتين الكراهية، نفس الكراهية، مكشوفة وبدائية – تشكل عند بعض الاشخاص مبررا وسببا شرعيا وكافيا للقتل وتدمير الانسان المكروه. الشخص الذي أحرق بيت عائلة دوابشة لم يعرف أي شيء عن أبناء العائلة، عن واقعهم وقلوبهم. عرف فقط أنهم فلسطينيون وهذا كان سببا كافيا حسب رأيه وحسب رأي من يرسله ويؤيده – من اجل قتلهم. أي مجرد وجودهم برر قتلهم ومحوهم عن وجه الارض.

          يدور الفلسطينيون والاسرائيليون منذ مئة عام في دائرة القتل والانتقام. وخلال صراعهما قتل الفلسطينيون مئات الاطفال والاولاد الاسرائيليين، قتلوا عائلات كاملة ونفذوا جرائم حرب ضد الانسانية. ودولة اسرائيل ايضا فعلت للفلسطينيين افعال كهذه بمساعدة الطائرات والدبابات والقناصين. وما زلنا نذكر ما حدث قبل عام في عملية الجرف الصامد.

          لكن العملية التي تحدث في السنوات الاخيرة داخل دولة اسرائيل، قوتها وتشعبها، خطيرة ومدمرة بشكل جديد. الشعور هو أن القيادة الاسرائيلية لم تفهم بعد – أو ترفض الاعتراف بالحقيقة – أن الارهاب اليهودي في داخلها أعلن الحرب عليها، وأنها غير قادرة أو تخاف أو غير مواظبة فيما يتعلق بضرورة تحليل هذا الاعلان بكلمات واضحة.

          من يوم الى يوم تتحرر هنا قوى ظلامية واصولية وتؤجج النار بالايمان الديني والقومي. وتتجاهل تماما قيود الواقع وحدود الاخلاق والمنطق البسيط. الأنفس تتحد على الخطوط المتطرفة والاكثر هستيرية في النفس الانسانية. كلما أصبح الوضع العام خطيرا وغير مستقرا – فانهم يزدهرون. ولا يمكن التوصل الى حل وسط مع هؤلاء الناس. على حكومة اسرائيل أن تكافحهم كما تكافح الارهاب الفلسطيني لأنهم ليسوا أقل خطورة وليسوا أقل تصميما. إنهم اشخاص شموليين وقد يقومون بافعال شمولية مثل – الاضرار بالمساجد في الحرم، حيث تكون النتيجة كارثية لاسرائيل وللشرق الاوسط كله.

          هل سيدفع هذا العمل، حرق الطفل، الى صحوة زعماء اليمين والفهم أخيرا أن الواقع يصرخ في آذانهم منذ سنوات؟ أن استمرار الاحتلال وغياب النقاش مع الفلسطينيين سيُقرب نهاية دولة اسرائيل كدولة للشعب اليهودي؟ كدولة ديمقراطية؟ كمكان يريد الشباب التضامن معه والعيش فيه وتربية اولادهم فيه؟.

          هل يفهم نتنياهو بحق أن هذه السنوات التي عمل فيها جاهدا على افشال الاتفاق مع ايران، أصبح يوجد فيها واقعا خطرا لا يقل عن الخطر الايراني. أما هو فيتصرف مثل من لا يوجد له ما يفعله؟.

          من الصعب رؤية استمرار هذا الوضع. الواقع الذي أوجده نتنياهو واصدقاءه (واغلبية أسلافه في مكتب رئيس الحكومة) وهو غض النظر عن المستوطنين والتضامن معهم – هذا الواقع حولهم الى مشلولين وقليلي الحيلة.

          منذ عشرات السنين تلقي اسرائيل على الفلسطينيين بظلامها، وهذا الظلام يرتد علينا شيئا فشيئا، وقد سُرعت هذه العملية منذ انتخاب نتنياهو حيث لم تعد هناك قوة تقف في وجه اليمين. اعمال فظيعة مثل حرق الطفل هي في نهاية المطاف أعراض مرض عميق، وهي تعطينا اشارة على خطورة وضعنا وتقول لنا بحروف من النار إن الطريق الى مستقبل أفضل آخذة في الانغلاق أمامنا.