خبر الصهيونية الليبرالية لم تولد بعد... هآرتس

الساعة 10:19 ص|29 مايو 2015

بقلم

المشكلة الاساس في المجتمع الاسرائيلي تكمن في حقيقة أن المرحلة الاولى من حرب الاستقلال لم تصل نهايتها الا في العام 1966، مع الغاء الحكم العسكري، وفوره، في حزيران 1967، بدأت مرحلتها الثانية. فقد انتقلت اسرائيل بشكل طبيعي من حظر التجول على الطيبة الى الحكم العسكري على نابلس. نظام الطوارىء الذي عاشه المواطنون الاسرائيليون على مدى العقدين الاولين لقيام الدولة منع اقرار دستور وخلق عادات سلطوية مخجلة. في نظرة الى الوراء يمكن أن نسأل ان لم يكن في انتهاج هذا النظام نية، قد لا تكون واعية، لتحويل احساس الدونية الى طبيعة ثانية للخاضعين للاحتلال. ومن هنا كان الانتقال الى نظام احتلال المناطق كظاهرة دائمة طبيعية تماما.

في أعقاب التحول الليبرالي للصهيونية الذي بدأ به ليفي اشكول في 1963 حين كان يخيل ان ايام احتلال البلاد بلغت منتهاها، جاءت حرب الايام الستة وقضت على محاولات تلطيف حدة القومية الاحتلالية والانتقال بالتدريج الى واقع يسمح بتعايش النزعة القبلية والقيم الكونية للديمقراطية.

صحيح ان صهيونية حركة العمل لم تكن متطرفة اقل من الحركة الاصلاحية، وعبادة الحقوق التاريخية كانت طبيعية لها حتى بدون شعار ضفتي الاردن – ومع ذلك كان هناك احتمال في ان تعترف بان كل اهداف الصهيونية تحققت في الحدود القائمة. ولكن حتى هذه الشرارة التطبيعية صفاها الانتصار الكبير في العام 1967.

وبالفعل، على مدى كل الطريق فان سمو الاهداف القومية على كل هدف آخر لم يكن موضع شك. بعد 1967 كان تحت تصرف النخبة السياسية والاجتماعية لليسار عشر سنوات من الحكم كان بوسعه أن تتصدى فيها للاحتلال. ولكن كل ما فكرت في ان تقترحه كانت مشاريع هاذية  وضعها الثلاثي يغئال الون - موشيه دايان – شمعون بيرس وكان اساسها الضم الواسع للمناطق في اطار اقتسام الضفة الغربية بين الاردن واسرائيل. دايان اقترح اقتراحا اكثر « اصالة »: ان يعيش الفلسطينيون تحت الحكم الاسرائيلي كمواطنين اردنيين ويصوتوا للبرلمان في عمان.

وعليه، فانه اذا لم تجتز شريحة القيادة الحالية للوسط – اليسار ثورة ثقافية وفكرية عميقة، فلن تكون اهمية حقيقية لمسألة من يحكم هنا. في نظر معظم الجمهور من الافضل نظام استعماري على التصدي للمستوطنات والطبقات الفقيرة تضحي بطواعية بمصلحتها الاقتصادية على مذبح سمو القومية اليهودية.

هذا هو الواقع، وحزب العمل يرفض التصدي له، خوفا من أن يفقد نصف مؤيديه. كل التصريحات عن الدولتين لا تساوي قشرة الثوم. اذا لم تكن ارادة سياسية حقيقية لاخلاء معظم المناطق المحتلة. وحتى لو كان حزب العمل فاز بستة مقاعد اخرى على حساب يئير لبيد، وحل محل الليكود في الحكم واقام ائتلافا مع موشيه كحلون والاصوليين – فان الاسلوب سيكون مختلفا، والسيف ما كان سيسقط على رأس المحكمة العليا، ولكن في الموضوع الوجودي للاحتلال، ما كان لاي شيء حقيقي ان يتغير.

المشكلة مغروسة عميقا في المجتمع الاسرائيلي: بعد نحو نصف قرن من السيطرة في المناطق، فان معظم الاسرائيليين يرون الحكم الاستعماري كموضوع مسلم به وحرمان الفلسطينيين من الحقوق كجزء من نظام الامور الطبيعي. الفصل في الباصات كان اختبارا رمزيا مشوقا، عكس الواقع: الاسرائيلي العادي سيثور ضد الابرتهايد فقط في اليوم الذي لا يكون بوسعه فيه ان يصدر لاوروبا ويستورد منها وسيضطر الى انتظار ثلاثة اشهر حتى يحصل على تأشيرة لزيارة باريس.