خبر د. سامي العريان: من السجن إلى فضاء الحرية ..د. أحمد يوسف

الساعة 12:06 م|09 فبراير 2015

وأخيرا،ً وفي السادس من فبراير 2015م، أفرجت السلطات الأمريكية عن الناشط الإسلامي والمناضل الفلسطيني د. سامي العريان؛ بعد اعتقال دام قرابة اثني عشر عاماً، حيث تمِّ إيداعه السجن في 20 فبراير 2003م، على خلفية ادعاءات إسرائيلية بانتمائه لحركة الجهاد الإسلامي، وقيامه بأنشطة سياسية وفعاليات خيرية لصالحها في الولايات المتحدة الأمريكية.. لقد كانت سنوات اعتقاله الطويلة هي شهادة على الظلم وغياب العدل في الأرض التي وصفها البعض بأنها واحة الديمقراطية وقلعة الحرية، حيث استقبلت ملايين المهاجرين وفتحت أبوابها لكل المضطهدين وطلاب العيش الكريم، واحتضنت في ولاياتها الخمسين جنسيات وأمماً جعلتها قبلة للعالمين.. لقد كان د. سامي العريان (أبو عبد الله) أحد هؤلاء الذين شدوا الرحال إليها في السبعينيات طلباً للدراسة، وتطلعاً إن يجد في منازلها بعد هجرته إليها (مراغماً وسعة).

لقد كانت رحلته تلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية مشوار حياة قضاه بين الدراسة والعمل، والنشاط المتميز في أوساط جالياتنا الفلسطينية والعربية والإسلامية، حيث تفجرت طاقة العطاء عنده من مدينة تامبا بولاية فلوريدا بالجنوب الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت نشاطاته الإسلامية والفعاليات التي أقامها تعريفاً ونصرة للقضية الفلسطينية قد غطت القارة الأمريكية، ووصلت إلى مسامع أكثر من خمسة عشر مليوناً من العرب والمسلمين.

من هو د. سامي العريان؟

إن د. سامي العريان هو أستاذ هندسة الكومبيوتر في جامعة جنوب فلوريدا في تامبا، وهو ناشط إسلامي وحقوقي في مجال تأسيس المنظمات الطلابية العربية والإسلامية مثل: الاتحاد الإسلامي لفلسطين ولجنة فلسطين الإسلامية، وهو كذلك ناشط في الدفاع عن حقوق المسلمين في أمريكا وتوعيتهم إعلامياً وسياسياً، ومؤسس لشبكة علاقات هامة مع أعضاء الكونجرس الأمريكي ورجال الدين المسيحيين في الولايات المتحدة الأمريكية.. استهدفته الحركة الصهيونية في أمريكا لنشاطاته المميزة في خدمة القضية الفلسطينية، وقامت بالتحريض عليه لدى جهاز التحقيق الفيدرالي (FBI) بتهمة دعمه للإرهاب ..!!« .

ومنذ اعتقاله في عام 2003م، وجهود الجالية المسلمة لم تتوقف في الدفاع عنه، وتمويل كلفة محاميه، بهدف إثبات براءته وإطلاق سراحه، وأخيراً.. تمَّ اسقاط جميع التهم الموجهة إليه والافراج عنه، ليغادر أمريكا بعد أربعين سنة قضى معظمها في الدراسة والعمل إلى تركيا، التي رحبت باستقباله واستضافته بالإقامة فيها.

اعتقال بدافع استهداف الإســـلام؟

لم يكن أحد في الولايات المتحدة الأمريكية يُصدّق ما يسمعه أو يراه من ممارسات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، حيث جاء اعتقال د. سامي العريان واتهامه بالإرهاب بعد تلك الأحداث صدمة موجعة لكل الذين عرفوه عن قرب، وتعاملوا معه من عرب وعجم.. فالدكتور سامي من أطهر وأنبل رجالات الجالية العربية والإسلامية، تشهد له الأوساط الأكاديمية بالنباهة والجد، وكانت له تحركاته الواسعة مع مؤسسات واتحادات دعاة الحقوق المدنية، ولقاءاته المتكررة ببعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، بهدف حشد التأييد لرفض وإلغاء قانون الأدلة السرية (Secret Evidence) والذي كان كالسيف المسلط على رقاب المسلمين في أمريكا.. ذلك القانون الذي عانت من جراء تطبيقاته أشد المعاناة شخصيات مرموقة من جاليتنا العربية والاسلامية، وعاشت بسببه في حالة من الفزع والقلق.. ولعل جهود د. سامي العريـان وآخرين أثناء لقاءاتهم الرئيس (السابق) جورج بوش - إبان حملته الانتخابية - هي التي دفعت الرئيس ليقول من خلال مناظرته مع منافسه الديمقراطي آل جور بأنه سيعمل - إذا ما تمَّ انتخابه - لإلغاء هذا القانون.

إن د. سامي العريان كان من أبعد الناس عن مثل تلك الاتهامات التي ألصقتها به وزارة العدل الأمريكية.. لن يُصدق أحد سبق له اللقاء أو التعرّف على د. العريان عن قرب أو حتى سمع به عن بُعد هذه الاتهامات، فالرجل سيرته حميدة وذكره تطيب به المجالس، وما يعرفه الناس عنه أنه رجلٌ غيور على دينه وقضية شعبه في فلسطين، فهو صاحب همّة عالية ومسكون بهموم أمته العربية والإسلامية. وإذا كانت هذه تهمة يحاسب عليها أكاديمي أعطى عمره وعلمه – بكل صدق وتفان وإخلاص – إلى البلد الذي تعلم فيه، ووطّن نفسه على البقاء فيه خدمة لمصالح الجالية العربية والاسلامية، فإن هذه التهمة ستبقى عاراً على أمريكا وشعاراتها الإنسانية، ومهزلة لا تليق بها.. إنه لشيء محزن حقاً أن يصل الحال إلى هذا الدرك الهابط من الممارسات اللاإنسانية؛ فالحرية والديمقراطية واحترام الحقوق الإنسانية التي طالما تغنت بها أمريكا، وباهت بها العالمين في السبعينيات والثمانينيات، أصبحت اليوم محل شك وعجب وتساؤل !!

د. سامي العريان: نعم الرجل الذي عرفت

تعود معرفتي بالدكتور سامي العريان إلى أواخر السبعينيات، عندما كنت طالباً بجامعة الأزهر- كلية الهندسة، وكان محل سكني في نفس الحي الذي تقيم فيه أسرته بحي رابعة العدوية في مدينة نصر بالقاهرة.. وقد التقيته مع عدد كبير من الطلبة الفلسطينيين في جلسة استمرت لقرابة ثلاث ساعات، جاء فيها يحدثنا – بحيوية وانشراح – عن أمريكا، وكان في حديثه إشادةٌ بالفرص المتوفرة للدراسة والعمل فيها، وبأجواء الحرية والحركة المتاحة بشكل واسع للتحرك والنشاط، وتحمل البشرى بمستقبل زاهر للإسلام والمسلمين في تلك القارة.

كان حديثه ممتعاً وشيقاً، وإن كان يحمل في طياته بعض الأسى والهموم جراء الخلافات التي كانت تدور بين الطلاب العرب والمسلمين في الجامعات الأمريكية حول قضايا إقليمية ومذهبية؛ كالموقف من الثورة الإسلامية في إيران.. وهذه اشكالية للأسف لم تكن غائبة أيضاً حتى عن نقاشات الطلاب في الجامعات المصرية.!! فالمكر الرسمي جعل من هذه القضية الخلافية مشغلة قاتلة يتلهى بها جيل الصحوة الإسلامية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

منذ ذلك اللقاء في القاهرة، تعلق قلبي بأمريكا وبحب القدوم إليها للدراسة، والتمتع بأجواء الحرية ومستويات التطور والتقنية التي كانت حلماً ومطلباً للغالبية في الشرق العربي والاسلامي.

وقد شاءت إرادة الله أن أحصل – بعد عدة سنين – على منحة دراسية من الأمارات، لاستكمال التحصيل العلمي ونيل درجة الماجستير والدكتوراه بالولايات المتحدة.. وفي أمريكا، التقينا مرة أخرى بالدكتور سامي العريان، وإن كنت لا أتذكر تاريخ أول لقاء جمعني، ولكنه كان لقاءً في العام 1984م، وكان في إحدى الفعاليات من أجل فلسطين، ويهدف لتحريك دور جاليتنا العربية والاسلامية، وتنظيم وجودها ودعمها لقضية أهلنا في الوطن المحتل.

إن ما يحضرني الآن هو أن ذلك اللقاء كان في شيكاغو، وتمَّ تحت مظلة الاتحاد الاسلامي لفلسطين، وكان الاتحاد – آنذاك – وليداً، ولكنه جمع في قيادته شخصيات ورموزاً فلسطينية مثل البروفيسور اسماعيل الفاروقي (يرحمه الله)، والدكتور علي مشعل، والشيخ محمد الحانوتي، والدكتور سامي العريان وآخرين.. وكان د. العريان من بين المتحدثين، ومن أصحاب المبادرة بأن يكون الاتحاد الإسلامي لفلسطين هو مظلة عملنا الفلسطيني للتحرك بشفافية ووضوح وسط جاليتنا العربية والاسلامية، والتنسيق مع باقي المؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية العاملة على الساحة الأمريكية، والاستفادة من مساحات الحرية التي تسمح بها القوانين والتشريعات، ويكفلها الدستور الأمريكي. لقد كان د. سامي العريان طاقة إعلامية هائلة، وبدأ عمله مع الاتحاد الإسلامي لفلسطين (IAP) بإصدار مجلة »طريق فلسطين« باللغة العربية، وكانت متميزة في موضوعاتها وإخراجها، ثم بعد ذلك أصبح رئيساً لتحرير مجلة (المعرفة -Inquiry ) الصادرة باللغة الانجليزية عن لجنة فلسطين الإسلامية.

كان د. العريان ماكينة عمل لا تهدأ، وكانت آراؤه وطروحاته جريئة ورائدة، وجلساته تُشعرك بأنك لا بد أن تتحرك وتعمل، فلا أحد يمكن أن يتفلت من المسئولية، أو يتهرب بالأعذار، الكل مطلوب منه عمل شيء من أجل الإسلام وفلسطين، حيث إن مجالات العمل كانت كثيرة، وتستوعب كل الطاقات والهمم.

لقد كان د. العريان وبعض الناشطين من جيل الرواد الأوائل على ساحة العمل الإسلامي لفلسطين، أمثال: الشيخ محمد الحانوتي، والدكتور علي مشعل والشيخ جمال سعيد، والدكتور موسي أبو مرزوق، والدكتور عمر الصوباني وآخرين، أصحاب فضل كبير في تحريك وعي الجاليتين العربية والإسلامية بالقضية الفلسطينية، وجعلها على رأس الأولويات في قائمة العمل العربي والإسلامي على الساحة الأمريكية، وخاصة عندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية المباركة في الثامن من ديسمبر 1987م، وقد كان للجهد الكبير الذي قامت به مؤسسات إسلامية فلسطينية مثل الاتحاد الإسلامي لفلسطين ولجنة فلسطين الإسلامية أبلغ الأثر في استمرار الانتفاضة، وتعزيز صمود أهلنا بالأرض المحتلة.. فقد كان للمظاهرات والاعتصامات والمهرجانات التي دعت إليها وحركتها المؤسسات الفلسطينية الإسلامية، وتجاوبت معها قطاعات عريضة من العرب والمسلمين الأمريكيين أصداءٌ واسعة في الشارع الأمريكي، الذي بدأت تظهر عليه حالة من التعاطف الإنساني مع معاناة الشعب الفلسطيني وتؤثر فيه، حيث كانت المشاهدات اليومية على شاشات التلفاز تستنهض فيه همة التحرك والمشاركة مه الجهود العربية والإسلامية لوضع حد للكارثة الإنسانية التي طالت هذا الشعب الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي العسكري، وتطالب برفع الظلم الواقع عليه جراء هذا الاحتلال.

لقد كان د. العريان في قلب هذه الأحداث، وفي عين العاصفة كما يقولون، كتلة من الهمة والنشاط، وشعلة من الوعي والتفاني.. فكانت المؤتمرات التي احتشد إليها الألاف الطلاب من جنسيات عربية وإسلامية مختلفة تهتف كلها من أجل فلسطين وشعب فلسطين.

لا شك أن حجم المأساة الفلسطينية وعظم الجريمة الصهيونية، وصور الأطفال تطاردهم الدبابات بمدافعها الرشاشة، ومشاهد الجرافات الاسرائيلية وهي تقتلع الأشجار والبيوت، قد جعلت كل مسلم يهتف من أعماق قلبه: تسقط إسرائيل، والموت لإسرائيل.. ويتمنى كلُ من كان في قلبه ذرة من إيمان ورجولة أن يفعل أكثر من هذا الهتاف لنجدة فلسطين وأهلها.. وكان في مساحات الحرية المتاحة للتعبير فسحة لأن نعبر عن غصبنا بكل ما تسمح به قوانين البلاد التي أصبحنا جزءا منها، والديمقراطية فيها تمنحنا الكثير من الحقوق لم نتجاوزها ولم نخرج عنا.. وكانت الأنشطة كلها في العلن وعلى المكشوف وبلا تردد أو خجل.

لم يكن يخطر ببال د. العريان ولا غيره ممن كانت فلسطين سكناً لهم، أن يأتي هذا اليوم الذي تقلب لهم فيه هذه البلاد ظهر المجنُ، وتحاسبهم على حركة في فضاء منحته لهم.. من كان يُصدِّق أن أمريكا التي هاجر إليها الملايين من البشر طلباً للحرية، وهرباً من الاضطهاد وكافة أشكال الاستبداد على فترة تجاوزت القرنين من الزمان، تتحول بعد الحادي عشر من سبتمبر – وبتحريض من قوى صهيونية – إلى دولة يحاسب المرء فيها بأثر رجعي على حركاته ونشاطه في فترات وعقود سابقة ؟!

لا يمكن أن تكون هذه أمريكا التي عرفتها شعوب العالم، وكانت الأحلام ترادوها في الهجرة إليها، باعتبارها موطن الذهب وقارة الحرية والأحرار!!

هل يمكن أن تتحول أمريكا؛ صاحبة أوسع موسوعة من المبادئ والقيم الإنسانية الرائعة في الحرية والديمقراطية والحقوق المدنية، إلى دولة قهر واستبداد بوليسي..؟ هل تصبح أشبه بدول العالم الثالث والاتحاد السوفيتي إبان عهد ستالين، حيث كانت تتحكم أجهزة الاستخبارات والأمن السياسي في جميع أنشطة الحياة العامة والخاصة، وكان المرء لا يأمن على نفسه وعورته من العيون المراقبة والمتابعة له حتى في غرفة نومه، وإذا طلع النهار عليه حمد الله أن أنجاه من غارات الليل وزوار الفجر والنهار.؟!

الأصابع الصهيونية خلف الاعتقال

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كثرت المداهمات والاتهامات المتكررة للمؤسسات الإسلامية والناشطين من أصول فلسطينية، الأمر الذي جعل الكثير من المسلمين في أمريكا التفكير بالرحيل عنها، وطغى عليهم هاجس الهجرة من جديد إلى أماكن أخرى والبحث عن وطن بديل، مثل كندا والبرازيل أو بلاد أخرى لا يلاحقون فيها بجريرة أنهم من خصوم إسرائيل.!!

إن أمريكا بسياستها المؤيدة للعدوان الإسرائيلي على العالمين العربي والإسلامي، خلقت حالة غير مسبوقة من العداء والحقد والكراهية لها بين شعوب المنطقة، وبدلاً من أن تستثمر أمريكا وجود ملايين المواطنين من العرب والمسلمين فيها لإصلاح علاقتها بشعوب المنطقة والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية فيها، نجدها تتعدى من خلال أجهزتها الأمنية على هذه الجالية بالإساءة والإهانة، رغم أن هذه الجالية وقفت بجميع قياداتها ومؤسساتها معها، استنكرت ما حدث وشجبته بأقوى الكلمات، وأصدرت البيانات التحذيرية من محاولة استغلال الإسلام لتبرير أعمال التطرف والإرهاب.

لقد شجب الدكتور العريان الإرهاب من على شاشات التلفاز، وخلال العديد من المحاضرات في الجامعات، وفي المساجد والمراكز الإسلامية، وعبر هاتفه النقال المراقب ليل نهار، ولكن يبدو أن كلَّ ذلك لم يشفع له، وكان - بعد ذلك – هو الضحية لتآمر القوى الصهيونية، التي استغلت هستيريا الحادي عشر من سبتمبر للتخلص من الناشطين الإسلاميين، وخاصة الفلسطينيين منهم.

لقد بدأت هذه الحملة من التحريض والتشويه والملاحقة منذ أوائل التسعينيات بهدف القضاء على كل جهد إسلامي أمريكي لدعم قضية فلسطين، وقد نجحوا في مساعيهم تلك، حيث تمَّ إغلاق العديد من المؤسسات الخيرية، مثل: مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية، ومؤسسة النجدة العالمية، ومؤسسة البر الدولية، وجمعية »عطاء المحتاجين« .. والآن هم بصدد ملاحقة كل عمل تدخل في تركيبته فلسطين.

إن تلك الحملة التحريضية ضد العرب والمسلمين في أمريكا لم تقف – آنذاك - عند اعتقال د. سامي العريان، فهناك ملفات أخرى كثيرة جري تحضيرها بالتعاون مع الموساد وأجهزة الأمن الإسرائيلية، لإدانة واتهام مؤسسات عربية وإسلامية أخرى.. وفعلاً؛ نجحت جهود إسرائيل في تقليص فعالية المؤسسات والأشخاص والجمعيات الخيرية التي كانت تعمل لفلسطين بشكل كبير.

وأخيراً.. جاء الفرج والحرية

لأخي وصديقي د. سامي العريان، للأب الذي أحسن إعداد أسرته وتعليم أبنائه، فكانوا طلاباً في أرقى الجامعات الأمريكية، مثل جورج تاون.. للرجل الذي كان لنا خير مثال وقدوة في شجاعته وهمته الدعوية وطموحاته الحركية، لرائد حركة الإصلاح الإسلامي في أوساط جالياتنا على الساحة الأمريكية، المعلم الذي وعى مبكراً دوره الرسالي، وظل وعيه حاضراً بالتحديات والمشكلات والهموم التي تعيشها جاليتنا العربية والإسلامية، وكانت خطاه هدياً للسائرين على درب الإسلام وفلسطين، للأخ الذي اختلفت معه حول أولويات العمل الفلسطيني، وكان بيننا جدل طويل حولها في منتصف الثمانينات، ولكنه كان لي نعم الأخ القريب والحبيب على مدار كل تلك السنين، ما غاب احترامي وتقديري له، وكانت إشادتي به – بظهر الغيب – لا تنقطع ولا تغيب.. إنه أمة في رجل، وأحد أبرز رواد العمل الإسلامي لفلسطين في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن النشطاء الذين حملوا قضايا الجالية العربية والإسلامية وهمومها، وتحركوا مع الجميع وعبر العديد من المؤسسات الأمريكية السياسية والحقوقية لحمايتها والدفاع عنها.

إلى أخي د. سامي؛ مانديلا المسلمين في أمريكا، وكما أشرت إلى محنتك في مارس 2003م، أي قبل اثني عشر عاماً، وذلك في كل من صحيفة الزيتونة الصادرة في العاصمة الأمريكية واشنطن، وكذلك في مجلة المجتمع الكويتية، وقلت لك: »يا أبا عبد الله.. لن نتخلى عنك، حتى ونحن نعيش في الزمن الصعب، وتطاردنا الابتلاءات والمحن والهواجس، والكل فينا خائف يترقب، فأنت لنا البسمة في وجه الردى، واعلم أخي وأستاذي أن الثبات في المحنة هو معراج المؤمن إلى الآخرة وعليين... إن تهمتك أنك فلسطيني من أرض الحمى، وإن ذنبك أن جهدك بالمعالي قد سما، لقد كنت عظيماً في همتك ونشاطك، وستبقى لنا رمزاً عظيماً في سجنك واعتقالك، وستخرج – بإذن الله – عظيماً، فلا يرهبنك كيد من أرادوا تغييبك في السجون، وتضييع تاريخ نضالاتك بالاتهامات والظنون، ستبقى أكبر من كيدهم، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).. إنك في معيّة الله، والله ناصرك ومعينك، وما هذه الخلوة في السجن إلا الابتلاء الأخير إن شاء الله، وحسبك الله، فأنت في العيون أهل وقدوة وشجون.. وتذكر أبا عبد الله سيرة أولئك العظام الذين سبقوك في تاريخ أمتنا المجيدة، فأنت – إن شاء الله – صفحة ناصعة من هذا التاريخ، والله يحفظك ويرعاك".

ها أنت اليوم – يا أبا عبد الله - تغادر أمريكا؛ البلد الذي قصدته حيناً طلباً للحرية، ها أنت ترتحل عنه بعد أن كابدت في سجونه، وعانيت الكثير من سنوات الاعتقال بعيداً عن الأهل والولد، ها أنت تعود - بعزة وكبرياء، وبرأس مرفوع إلى عنان السماء - إلى تركيا أردوغان؛ الدولة التي أضحت وطناً للأحرار، ومثابة للناس وأمناً.

إن بانتظارك - يا أبا عبد الله - الكثير من المسئوليات تجاه وطنك فلسطين، فأنت بهمتك العالية ثروة وطنية وإسلامية غالية، والأيام القادمة ستشهد بأنك الأعز الأكرم بين أهل بلدك واتباع دينك ومريديك.. فأنت كما عرفناك لعقدين من الزمن؛ الرجل الصنديد صاحب السيرة والعطاء، والمفكر ذو الرأي الرشيد، والناشط ابن فلسطين البار الذي يحمل روحه على راحته، ويتحمل - بأمانة واقتدار – كل ما يتطلبه الواجب والمسئولية الوطنية.. لذلك، ستظل تحظى يا أبا عبد الله – كما عودتنا دائماً - بعلامة التميز والجدارة الإسلامية.

هنيئاً بعودتك إلى أهلك، وإلى قومك، وإلى كل من عرفوك وأحبوك وناصروك في محنتك من إخوانك المسلمين.

ولتحتسب عند الله تلك السنوات من الاعتقال والسجن الانفرادي والملاحقات، فهذا الابتلاء ضريبة يدفعها كل من سار على درب البطولة والإباء.