خبر إسرائيل تحلّل استدارة أوروبا: ابحثوا عن واشنطن!

الساعة 08:53 ص|19 ديسمبر 2014

حلمي موسى

وجّه الاتحاد الأوروبي في الأيام الأخيرة ضربات ديبلوماسية عدة لإسرائيل يمكن أن تكون الصيغة الفرنسية إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الاعتراف بفلسطين أشدّها. وبرغم الثناء الذي أغدقه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على الإدارة الأميركية مؤخراً، مقارناً صداقتها الحقيقية بنفاق أوروبا التي لم تتعلم من "المحرقة النازية"، إلا أن كثيراً من الإسرائيليين يرون أصابع الولايات المتحدة خلف الخطوات الأوروبية.

وفي كل حال، فما أن أصدرت المحكمة الأوروبية في لوكسمبورغ قرارها بإلغاء إدراج حركة «حماس» على قائمة الإرهاب الأوروبية، حتى أقر البرلمان الأوروبي الاعتراف رمزياً بالدولة الفلسطينية.

ووصف معلقون إسرائيليون تحوّل المواقف في أوروبا بأنه أشبه بـ «تسونامي سياسي»، مدرجين ضمنه أيضاً انعقاد مؤتمر الدول الموقعة على معاهدة جنيف الرابعة وإدانة هذه الدول للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية.

وبرغم معرفة إسرائيل أن القرارين الأوروبيين ذوا طبيعة رمزية ولا يشملان أية خطوات عملية فورية، إلا أن رد الفعل من جانب حكومة نتنياهو كان عنيفاً. ففي قرارة نفسها تعرف إسرائيل أن هذه الخطوات الأوروبية تشهد على تراجع التأييد الأوروبي بشكل مقلق لها.

وذكر نتنياهو الأوروبيين بستة ملايين يهودي «ذُبِحوا» على أرض أوروبا، فيما اعتبر وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان أن القرارات الأوروبية «غير منطقية، فلا فارق بين حماس وداعش والقاعدة. فبعد الاستعراض العسكري في غزة أي إثباتات يريدون؟».

ولم يقتصر رد الفعل الإسرائيلي على الحكومة، بل تخطاه إلى معارضيها. إذ أعلنت وزيرة العدل السابقة تسيبي ليفني أن القرار الأوروبي «خاطئ وخطير»، وشدّدت على أنه تقع على رئيس الحكومة المسؤولية عن منع سريان ذلك وإعادة «حماس» إلى القائمة. أما في «حزب العمل» فاختاروا تحميل نتنياهو المسؤولية عن «الخيبة السياسية المهينة».

وفي هذا السياق، كتب المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس» باراك رابيد أن «للسلوك السياسي لبنيامين نتنياهو في السنوات الست الأخيرة التي خدم فيها كرئيس للحكومة إسهام حاسم في هذا الوضع. فاستمرار البناء في المستوطنات، والحفاظ على الوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وانعدام الرغبة في عرض مبادرة جدية للسلام والفشل في تجنيد الأسرة الدولية، كل ذلك وضع إسرائيل في موقع ضعف إستراتيجي».

واعتبر رابيد أن «نتنياهو لا يفهم أوروبا، ومقاربته للأزمة السياسية مع دول مثل فرنسا، بريطانيا، ألمانيا ودول أخرى في القارة هي مقاربة تسطيحية. وهو يعتقد أن الخطوات الأوروبية مدفوعة بحوافز شعبوية رخيصة من جانب زعماء أوروبيين يرغبون في كسب أصوات الأقلية المسلمة التي تزداد اتساعاً، عن طريق انتهاج مواقف موالية للفلسطينيين. يُضاف إلى ذلك شعوره بأن الموقف من إسرائيل في أوروبا تحركه دوافع لاسامية عميقة».

وخلص رابيد إلى أن نتنياهو لا يملك حلاً للعزلة السياسية التي تعاني منها إسرائيل، لذلك لم يجد في مواجهة تراكم الخيبات في مواجهة المعركة الانتخابية لإثارة غرائز اليمين سوى إطلاق الشتائم واستخدام «المحرقة النازية» لأغراض سياسية.

وقد اعتبر شمعون شيفر في «يديعوت» أن نتنياهو في استخدامه لـ»المحرقة النازية» في مواجهة الأوروبيين، إنما استخدم «سلاح يوم القيامة»، متهماً الأوروبيين بالمسؤولية عن إحراق اليهود. وحذّر من أن هذا الأسلوب لم يعد مجدياً عند الأوروبيين، حيث نقل عن أحد ديبلوماسييهم قوله إن «هذه ليست المحرقة، ولن نتحمّل بعد الآن استمرار الوضع القائم ولا حقيقة عدم إجراء إسرائيل مفاوضات مع الفلسطينيين لإنشاء الدولة وإنهاء الاحتلال».

ورأى شيفر أن محاولة نتنياهو الفصل بين الأوروبيين والأميركيين على اعتبار أن الأوائل أشرار والآخرين أخيار هي فرضية تستند إلى أساس خاطئ: «الإدارة الأميركية هي مَن تشجع الأوروبيين على ملاحقة إسرائيل في الجبهة الديبلوماسية. لذلك ينبغي لرئيس الحكومة أن يحذر من ترسيخ سياسة تنطلق من بديهية الدعم الأميركي».

ففي نظر شيفر، الإدارة الأميركية الحالية برئاسة باراك أوباما هي التي اتخذت القرار باستئناف العلاقات مع كوبا وهي التي تدير المفاوضات مع إيران والأزمة مع روسيا وفي ذلك إثبات على قوة الرئيس الأميركي «وهو الرئيس نفسه الذي يحبّ المقرّبون جداً من نتنياهو السخرية منه».

في كل حال، فإن القرارات الأوروبية أثارت قلقاً ليس في إسرائيل وحدها، بل في أوروبا أيضاً. وينبع القلق الأوروبي من الخشية من أن تخدم القرارات الأخيرة نتنياهو في معركته الانتخابية.

وقال مصدر أوروبي إن «لا رغبة لدينا في مساعدة الجناح اليميني في إسرائيل الذي يستغلّ ذلك في خطابه». وهذا الخوف موجود أيضاً في التصرفات الأميركية التي أشار البعض إلى أن الولايات المتحدة لا تريد استخدام «الفيتو» في مجلس الأمن حتى لا تمنح نتنياهو إنجازاً، ولا تريد عدم استخدامه حتى لا تمنحه سلاحاً ليقول لليمين إن العالم كله ضدنا.